ليس بغريب أن يوجه للبحرين، قيادة وحكومة وشعبا، كل هذا الشكر والتقدير والثناء لدورها في استضافة أعمال الدورة الـ 11 لمنتدى حوار المنامة التي اختتمت أعمالها يوم أمس، وذلك لأكثر من سبب، منها: قدرة البحرين على تنظيم واستضافة مثل هذه الفعاليات الدولية المهمة، خاصة مع هذا الحضور اللافت من قبل كبار المسؤولين الدوليين من مختلف دول العالم والمنطقة، وتوفير البحرين له كل أسباب وفرص النجاح، إضافة إلى الثقة التي باتت توليها الدوائر والأوساط المختلفة لما تتمتع بها البحرين من أجواء آمنة مكنتها من استقطاب محركي السياسة العالمية، وجعلتها ملتقى لمشاوراتهم ومباحثاتهم، ومنبرا لرؤاهم ومواقفهم، فضلا عما أتاحه المنتدى من قبل، ويتيحه الآن ومستقبلا، من أدوات وآليات للتعبير عن صورة المملكة الحضارية وإبراز وجهها المشرق والطموح في المحافل والأوساط المختلفة.

وكانت موجة من الإشادات التي صدرت عن الكثير من المسؤولين والخبراء قد توالت عقب نجاح فعاليات المنتدى، وأبرزت كيف أن البحرين، ورغم صغر مساحتها، تملك من الثقل والمكانة ما يؤهلها لممارسة دور أكبر في محيطها الإقليمي والعالمي، خاصة مع هذا النجاح المؤكد لفعاليات المنتدى ونقاشاته، الذي اعتبره الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير الخارجية بأنه "خرج بصورة مشرفة تليق بمكانة المملكة" ووصفه الدكتور عبداللطيف الزياني الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربي، بأنه "نجاح بكل المقاييس"، وغير هؤلاء الكثير ممن رأوا في استضافة وإنجاح البحرين لأعمال المنتدى بأنه دليل واضح على حرص البحرينيين بكل فعالياتهم ورموزهم ومؤسساتهم على رفع راية البحرين خفاقة عالية في المحافل الخارجية والأوساط الدولية.

ويبدو النجاح البحريني من استضافة أعمال المنتدى واضحا في أكثر من صورة ومظهر، أولها: ذلك التكريم الذي حظيت به المملكة من جانب الحضور، ويتمثل بالأساس في تكريس التواجد البحريني في دوائر السياسة العالمية من جهة، وتدعيم علاقات المملكة بدول العالم المختلفة من جهة ثانية، خاصة عند النظر إلى حجم المباحثات واللقاءات التي عقدتها المملكة مع كبار المسؤولين الدوليين والإقليميين، وأرست وعمقت من طبيعة العلاقات والتحالفات التي تربط البحرين بغيرها من الدول، وبالنظر أيضا إلى شمولية القضايا التي تم مناقشتها وطرح الآراء حولها والاطلاع عليها وتبادل وجهات النظر بشأنها، الأمنية منها والسياسية والاقتصادية والعسكرية والاقتصادية وغيرها، ناهيك بالطبع عما تحقق من تفاهمات وتقاربات حدثت على أرض البحرين وبوساطة مباشرة وغير مباشرة منها عقب المشاورات التي تمت بين أقطاب العالم ودول المنطقة بشأن القضايا الحيوية والمصيرية التي تلقي بظلالها على حاضر ومستقبل المنطقة والعالم.

ولا شك أن هذه المنافع المتعددة والآثار الإيجابية العديدة للمنتدى، ربما لا تظهر نتائجها الحقيقية في الوقت الحالي، لكن البحرين يمكن أن تجني ثمراتها في المستقبل المنظور، خاصة أن مثل هذه المؤتمرات والفعاليات الدولية تعد فرصة جيدة لتلاقي الأفكار والتواصل مباشرة مع الخبراء والمعنيين، ولذلك لم يكن غريبا أن يعرب صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء عن اعتزازه وتقديره لكل من يسهم في تشريف وتكريم البحرين في المحافل والهيئات الدولية على أي مستوى وفي أي مجال يتم فيه رفع اسم المملكة خفاقا.

والصورة الثانية في نجاح البحرين من استضافة أعمال المنتدى، هي جملة القضايا التي نوقشت في أروقة المنتدى وبين جنباته، واتسمت بالتنوع والشمول والعمق، وحظيت باهتمام واسع من جانب الدوائر والأوساط المعنية لمحوريتها وخطورتها، وظهر ذلك بشكل واضح في متابعة وسائل الإعلام المختلفة لفعاليات المنتدى وكلمات الحضور، وعلى رأسها: المشاريع والمخاوف المشتركة التي عبرت عنها بعض الدول حول بعض القضايا والملفات، والمعرض الذي أقامته وزارة الداخلية لبيان ما تعرضت له البلاد من مؤامرة استهدفت أمنها واستقرارها، والجهود التي بذلت للتصدي لذلك، إضافة لكلمة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية، وغيرها.

وبدت أهمية مثل هذه الفعاليات والكلمات في عمومها في أنها تعاطت مع، بل ركزت، على قضايا الساحتين الإقليمية والدولية ذات الاهتمام، فضلا عما يتعلق بقضايا الساحة المحلية، ولا سيما منها ما يتعلق بتعزيز علاقات المملكة وروابط الصداقة مع غيرها من الدول في المجالات كافة، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وكيف أسهم المنتدى في تعريف العالم وإطلاع الرأي العام الدولي بموقف البحرين منها، وجهود قادتها في نزع فتيل ومسببات التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة، خاصة في اليمن، وغير ذلك من قضايا وملفات كانت بمثابة إسهام بحريني بارز في إثارة النقاش حولها والاهتمام بها، ووضع أطر مناسبة للتشاور والتباحث بشأنها، ما يمكِّن مستقبلا من التوصل إلى تفاهمات بخصوصها، وربما تسويات وحلول سياسية تساعد في إزالة بواعث ومسببات التوتر منها.

وثالث الصور هي النتائج التي يمكن أن تسفر عنها مستقبلا أعمال المنتدى بنقاشاته وفعالياته المختلفة، ولعل أبرز هذه النتائج ما يتعلق بدور المملكة في جمع الشركاء واستقطاب الحلفاء، وهو أمر بلا شك سيتيح للمملكة في قابل الأيام دور محوري ورئيسي في كافة أزمات ونزاعات الإقليم، والتعويل عليها كوسيط محايد قادر على إحلال السلام وإرساء مبادئ الاستقرار في المنطقة، ما يدعم من "نهج المملكة الثابت والداعم لكل ما فيه خير العالم"، واستمرارا لـ "مساعيها الخيرة ومبادراتها الرائدة في المواجهة الفاعلة للمشكلات القائمة والتي تعوق جهود التنمية"، وذلك حسب تصريح لمعالي وزير الخارجية الذي أشاد بدعم القيادة الرشيدة لفعاليات المنتدى.

يضاف لذلك، خروج المؤتمرين والمتحاورين بنتائج جوهرية بشأن كيفية إدارة بعض الأزمات، والتي جاءت عقب النقاشات المعمقة حول أسباب اندلاع الصراعات في المنطقة، وكيفية ضمان وتحقيق حلول ناجعة لها في المستقبل، ودور الأطراف والقوى المختلفة لمعالجة أسباب الصراع به، وتجلى ذلك واضحا بالنظر للحديث المستفيض حول مستقبل اليمن في الفترة المقبلة بعد أن نجحت قوات التحالف العربي، والتي تشارك فيها البحرين بقوة، وقدمت جنودها البواسل فداء لها، في إرساء دعائم الاستقرار وإعادة وتثبيت الشرعية هناك.