^ مرة أخرى يخيب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي ظن العرب فيه ويثبت أنه غير جدير بثقتهم وغير مؤهل لأن يكون عضواً بالمنظومة العربية بعد أن أظهر ولاءً تاماً وتبعيةً كاملةً لإيران وعجزاً واضحاً في أن يأخذ موقفاً أو يتبع سياسة تخالف التعليمات التي تملى عليه من طهران. ومرة أخرى، فوت المالكي فرصة ذهبية لإعادة الثقة إلى محيطه العربي بعدما فشل في استغلال الحضور العربي في قمة بغداد المنعقدة في مارس الماضي في إثبات حسن نواياه ورغبته الجادة في التقارب وتحسين العلاقات مع أمته العربية، فسارع في اختلاق الأزمات وافتعال المشكلات مع دول مثل قطر والسعودية، وكأنه يوجه رسالة إيرانية مفادها “لا تغتروا بانعقاد القمة العربية في بغداد، فكما سمحت بانعقادها فأنا قادرة على إفشالها وإفراغها من مضمونها وإفقادها أهميتها”، وهو ما كان بالفعل، حيث تقمّص المالكي دور وزير الخارجية السوري أو الإيراني وراح يكيل الاتهامات والانتقادات للدول الراغبة في وضع حلول جدية للأزمة السورية وإيقاف مسلسل الحرب التي يشنها نظام بشار الأسد ضد شعبه. وجاءت الزيارة التي قام بها نوري المالكي لطهران يومي الثاني والعشرين والثالث والعشرين من شهر أبريل الجاري لتؤكد أنه غير محسوب على العرب ولا يمكن أن يكون كذلك، وذلك بالنظر إلى توقيت وجدول أعمال هذه الزيارة، حيث إنها جاءت في ظل توتر إيراني عربي بعد زيارة استفزازية غير مسبوقة للرئيس الإيراني أحمدي نجاد لجزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، تلتها حملة إعلامية إيرانية شرسة ضد دول الخليج ومزاعم بأن إيران هي صاحبة السيادة على الجزيرة الإماراتية. كان بإمكان المالكي أن يبادر ويقوم بدور الوساطة بين العرب وإيران، وأن يساهم أو أن يحاول التخفيف من حدة الأجواء، لكنه أبى إلا أن يسبح عكس التيار العربي وأن يعلي مصالحه الطائفية الضيقة وأن يسعى جاهداً لبسط هيمنته على الداخل العراقي من خلال الاستقواء بالحليف الإيراني الذي يتحكم في سياسات وقدرات العراق. لقد جاءت زيارة المالكي لطهران في وقت يعاني فيه من أزمة سياسية داخلية وصراعات مع أطراف عديدة، فعاد بذاكرته إلى عام 2010 الذي تدخلت فيه إيران وقامت بتشكيل الحكومة وتنصيب من تريده، وعلى رأسهم المالكي وإقصاء من لا ترغب فيه. كما ذهب المالكي لإيران لشكوى الجار التركي، الذي اعتبره المالكي دولة معادية لها أجندة طائفية قائلاً إنها تتدخل في الشؤون العراقية وتحاول إنشاء “هيمنة” إقليمية، وذلك في أعقاب أزمة في العلاقات بين أنقرة وبغداد أدت إلى استدعاء السفير العراقي في تركيا احتجاجاً على تصريحات هاجم فيها رئيس الوزراء التركي نظيره العراقي. أراد المالكي توجيه رسالة لتركيا أن العراق ليس بمفرده، إنما تدعمه وتسانده دولة قوية وهي إيران، وهو ما حرص على تأكيده النائب الأول لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية محمد رضا رحيمي خلال استقباله نوري المالكي، حيث قال: “إن العراق وإيران إذا اتحدا بشكل تام فإنهما سيشكلان قوة عالمية كبرى”، واعتبر أن الشعبين تربطهما علاقات فريدة من نوعها. واضح أن الأجندة العربية غابت عن زيارة المالكي لإيران، بينما حضرت وبقوة الأجندة الطائفية المذهبية والرسائل التهديدية لأطراف عراقية وإقليمية، وبات واضحاً أن نوري المالكي اكتفى بدور وزير الخارجية سواء الأمريكي أو الإيراني حسب مقتضيات الحال والمكان، من هنا لم يكن مستغرباً أن يتم اختيار بغداد لاستضافة جولة المحادثات المقبلة بين الدول الغربية (5+1) وطهران حول البرنامج النووي الإيراني. ويبدو أن الأمل بات مفقوداً في إعادة العراق لحظيرته العربية طالما ظل المالكي في مكانه محافظاً على سياساته الطائفية متشبثاً بتحالفاته، خصوصاً مع الدولة الإيرانية.