^ في الحياة التي نحيا هناك مجموعة قوانين ومثل عليا وقيم إنسانية وأعراف وتقاليد، إن لم نجعلها بوصلة في حياتنا تقودنا جهة الخير والصلاح وشواطئ المحبة؛ ستكون حياتنا معرضة لجميع أشكال الرياح والأعاصير والجفاف والسقوط في المستنقعات. فإن لم نجعل هذه البوصلة في قلوبنا تتحرك مع النبضات إلى بر الأمان الذي تنشده لن نصل إلى ما نصبو إليه من سعادة وهناء وسلام داخلي. أمامي واحدة من الحكايات الكثيرة التي نسمعها هنا وهناك عن شروط الزوجات على الأزواج، إن طبقها البعض منا ورضخ لها، يعني بداية الدمار لنهاية حياتهم الحقيقية. من هذه الحكايات، حكاية تقول إنه تقدم طبيب لخطبة فتاة، لكن الفتاة عندما علمت بظروفه اشترطت أن لا تحضر والدته الزفاف لكي تقبل إتمام الزواج. احتار الطبيب الشاب في أمره ولم يجد أمامه إلا والد أحد أصدقائه كان يحترمه كثيراً، وكان أستاذ له في الجامعة ليستشيره وعندها سأله: ولماذا هذا الشرط؟ فأجاب في خجل: “أبي توفي عندما كنت بالسنة الأولى من عمري ووالدتي عاملة بسيطة تغسل ثياب الناس لتنفق على تربيتي، لكن هذا الماضي يسبب لي كثيراً من الحرج وعليّ أن أبدأ حياتي الآن. فقال له أستاذه: لي عندك طلب صغير.. وهو أن تغسل يدي والدتك حالما تذهب إليها، ثم عد للقائي غداً وعندها سأعطيك رأيي. بالفعل عندما ذهب للمنزل طلب من والدته أن تدعه يغسل يديها، بدأ بغسل يدي والدته ببطء، وكانت دموعه تتساقط لمنظرهما. فقد كانت المرة الأولى التي يلاحظ فيها كم كانت يديها مجعدتين وفيهما بعض الكدمات التي كانت تجعل الأم تنتفض حين يلامسها الماء! بعد انتهائه من غسل يدي والدته لم يستطع الانتظار لليوم التالي، تحدث مع والد صديقه على الهاتف قائلاً: أشكرك.. فقد حسمت أمري، لن أضحي بأمي من أجل يومي، فقد ضحت بعمرها من أجل غدي. ولنا كبشر أن نضع قوله تعالى {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. فهذه الآية الكريمة هي خير علاج لحالك مع والدك، فإن المطلوب المحتم عليك هو توقير والديك وتعظيمهما، ومراعاة حدود الله تعالى فيهما، فليس عقوق الوالدين كبيرة فقط، بل هو من أكبر الكبائر، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ فقالوا: بلى يا رسول الله.. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين). متفق عليه. وسمعت العديد من كبار السن الذين أتعلم من تجاربهم يردون؛ إن خسرت المال سوف يأتي الوقت الذي تسترجعه، وإن خسرت الزوجة، فهناك امرأة أخرى من الممكن أن تتزوجها، ولكن إن خسرت الأم، فلن تجد أماً أخرى بدلها. إن أمك هي منبع وجودك في الحياة الدنيا، حتى لو افترضنا أنها كانت قاسية عليك، أو سيئة، أو متجبرة برأيها، فلا تخسرها من أجل امرأة لا تستحق ظفراً من أظافرها. بأمك لا تقبل كنوز كل كنوز الدنيا.. أمك.. أمك.. أمك.. اجعل حبها واحترامها وتقديرها وتكريمها بوصلة حياتك.