اختتم الملتقى الخليجي الرابع للتخطيط الاستراتيجي أعماله الأسبوع الماضي، والذي عقد تحت رعاية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة وزير الداخلية، تحت عنوان "هواجس أمنية"، والذي نظمه مكتب أكت سمارت لاستشارات العلاقات من 3 – 5 نوفمبر بفندق ومنتجع سوفتيل الزلاق.
وأعرب وزير الداخلية عن شكره وتقديره للمشاركين في أعمال الملتقى من دول مجلس التعاون الخليجي، مؤكداً تقديره للجهود المبذولة نحو بلورة تفكير وطني مخلص تجاه الأمن الداخلي الخليجي والذي لم يعد مقتصراً على كل دوله، حيث أننا في منظومة واحدة نواجه فيها تحديات مشتركة.
وبهذه المناسبة عبر أمين عام الملتقى الدكتور فهد إبراهيم الشهابي عن شكره وتقديره لمعالي وزير الداخلية، على رعاية معاليه أعمال الملتقى، وهو ما يعد دافعا لمواصلة العمل والعطاء لخدمة الوطن على جميع الأصعدة. وأوضح أن الإرهاب نتيجة حتمية للتطرف الذي هو بذرة للتطرف العنيف، وهو ما يعد تمهيداً للإرهاب، الأمر الذي يضع أمامنا مهمة بالغة التعقيد متمثلة في محاربة الإرهاب.
كما وأضاف الدكتور فهد أن أي متابع يمكنه بكل سهولة أن يلاحظ ما آلت إليه الأمور في الفترة الأخيرة، وما اجتماعنا هنا إلا للقيام بدورنا كمثقفين ومهتمين في رسم ملامح خطط المرحلة القادمة، كل في مجاله. حيث أننا في أمس الحاجة الآن للمزيد من التفكير الاستراتيجي، فبه سنتمكن بإذن الله تعالى من استشراف إرهاصات المستقبل، وبه سنتمكن من وضع مختلف السيناريوهات وما نحتاجه من حلول لعبوها سالمين.

وبين أمين عام الملتقى بأنه على الجانب السياسي هاهم أعداء المنطقة يتربصون بها من كل حيد، ففي الشمال ظهرت لنا جماعة ضالة تدعى الدولة الإسلامية، وكل ما أعرفه عنها بأنها ليست بدولة وبالتأكيد هي ليست بإسلامية. وفي الشرق هنالك من لم يراعي حقوق جاره، ولم يكل من التدخل في شؤوننا بكل شكل ممكن. وفي الجنوب من حاول أن يغرس خنجرا في خاصرة الجزيرة العربية. كل تلك تهديدات هدفها إضعاف هذه المنطقة. والتي أصبح لزاما علينا جميعا أن نتحد ضدها.

وعلى الصعيد عسكريا، فأكد الدكتور الشهابي أن التغير في المنطقة بدأ مع انطلاق عاصفة الحزم، والتي تؤكد أن دول الخليج لديها القدرة على رد أي معتدٍ، وصد أي عابث بأمنها. ولفت إلى الأزمة المالية، والتي بدأت بتراجع أسعار النفط، حيث تسببت في الأشهر العشرة الأخيرة بإلغاء وإيقاف مشاريع نفطية بقيمة تريليون دولار عالمياً.
وأضاف الدكتور الشهابي: "علينا جميعاً أن نسعى لحماية أمن إعلامنا للقيام بدوره النبيل، فهو مرآتنا وأرشيفنا للأجيال القادمة، فالغزو الإعلامي المكثف تجاهنا بات يهدد هوية أجيالنا القادمة، فمع فتح قنوات التواصل، باتت تهديدات الأمن الإعلامي أكثر واقعية، وأصبحت عملية الحفاظ عليه أكثر تعقيدا".
أما على الجانب الاقتصادي، فقد أكد الدكتور فهد بأن الأزمة المالية على الأبواب. ففي الأشهر العشرة الأخيرة فقط تم إلغاء أو إيقاف مشاريع نفطية بقيمة تريليون دولار، ولكم أن تتخيلوا الوضع مع استمرار هذا الانخفاض. وحتى تفاؤلنا بنهوض التنين الصيني اقتصاديا، داهمته أزمتهم المالية الأخيرة منذرة بعقود قادمة من السبات.

وأكمل الشهابي بأنه لو تطرقنا إلى الأمن الداخلي، فسنجد إجماعا على أن الإرهاب بات الهاجس الأول فيه. وما الإرهاب إلا نتيجة حتمية للتطرف. فالتطرف هو بذرة للتطرف العنيف، والذي ما هو إلا تمهيد للإرهاب. ذلك ما يضع أمامنا مهمة بالغة التعقيد متمثلة في محاربة الإرهاب من جهة، وتجفيف منابع التطرف من جهة أخرى. فبدون هذه المنظومة المتوازية لن تفلح جهودنا أبدا، وسنواجه يوميا إرهابيين جدد.

واستكمل الدكتور فهد قائلا بأن الأمن الاجتماعي لم تعد تحدياتنا مقتصرة على البديهيات كالتعليم والبطالة والفقر، فقد أتت أزمة إخواننا اللاجئين لتتربع على قمة الأولويات. وهي الأزمة التي أمتدت آثارها لتصل إلى القارة الأوروبية وبلاد العم سام.

واختتم أمين عام الملتقى كلمته بالتأكيد على أهمية هذه المنطقة استراتيجيا حيث قال، إن هذه المنطقة ولادة، وتأثيرها امتد ليشمل جميع أرجاء المعمورة. ففشل الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة هو ما أدى إلى أفول نجمها، وتدخل روسيا في هذه المنطقة هو ما رفع أسمها عالميا وأرجعها إلى الواجهة كقوة لا يستهان بها. ولا أبالغ إن قلت لكم بأن هذه المنطقة ستكون لاعبا أساسيا في صياغة المشهد العالمي في العقدين القادمين.

وخصصت الجلسة الأولى من الملتقى للحديث عن محور "الأمن السياسي"، وقال خلالها عضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية الدكتور عيسى الغيث، إن منطقة الخليج تعيش حالة الهاجس الأمني منذ الثورة الإيرانية، فإيران منذ 36 سنة وهي تثير المشاكل في المنطقة، داعياً إلى التحول من الظاهرة الصوتية إلى العمل الفعلي.
من جانبه قال الأكاديمي المتخصص في الدراسات الإيرانية الدكتور محمد السلمي إن الأمن السياسي في الخليج بحاجة إلى أداة إعلامية قوية لمواجهة التحديات الخارجية وتحقيق النجاح في أعمالها، مشيراً إلى أن العمل العسكري الخليجي في اليمن (عاصفة الحزم) نجح على أرض الواقع، ولكن دبلوماسياً وإعلامياً لم يحقق الإقناع المطلوب لعدد من الدول الغربية.
وقال عضو مجلس الشورى بمملكة البحرين الأستاذ بسام البنمحمد: "نحن في الخليج بحاجة إلى التوحد حول مشروع واضح المعالم يعمل على حماية مصالح الخليج وترويج القومية العربية في مواجهة المشروع الإيراني الذين وصلوا لمراكز صنع القرار العالمية، ونحن متفائلين بدور السعودية لخلق كيان اقتصادي قوي في المنطقة يحمي المصالح الخليجية".
وخصصت الجلسة الثانية للحديث عن "الأمن الإعلامي"، وتحدث خلالها مستشار جلالة الملك لشؤون الإعلام ورئيس مجلس أمناء معهد البحرين للتنمية السياسية، المستشار نبيل الحمر بالقول: "يشهد العالم اليوم تطوراً ملحوظاً في وسائل الإعلام لم تكن متاحة سابقاً، وعلينا أن ندرك أنه بقدر أهمية هذه الوسائل إلا أنها تشكل هاجساً وخوفاً على الأمن، والقريب من العمل الإعلامي يشعر بهذا التحدي، خصوصاً أن هنالك وسائل تشكل ضرر بالنسبة للمعلومة المتداولة".
من جانبه أكد وزير شؤون الإعلام وشؤون مجلسي الشورى والنواب البحريني، الأستاذ عيسى عبدالرحمن، على أن الأمن الإعلامي جزءاً مهماً من عملية الأمن عملية الشاملة، خصوصاً مع الأحداث التي شهدتها المنطقة في 3 سنوات الأخيرة، والتي أدخلت المنطقة في تحديات كبيرة وفي حرب إعلامية أبرز ملامحها زرع الأيدولوجيات المتطرفة من خلال وسائل التواصل الاجتماعية، سواء عن طريق الاعلام التقليدي أو الحديث.
من جانبه قال رئيس الجمعية السعودية للثقافة والفنون والرئيس التنفيذي للطارق للإعلام، الأستاذ سلطان البازعي: "نواجه هجوما على منطقتنا بوسائل التواصل الاجتماعي، فالواتساب وسيلة الإعلام الأكثر تأثيراً في الشرق الأوسط اليوم، حيث تنقل عبره رسائل مزعجة للأمن الداخلي، وفي النهاية تكون هذه الرسائل أغلبها كاذبة، وأغلب من يستخدم هذه الأساليب هي الحركات المتطرفة لزعزعة الأمن في البلدان، كما أن الأطماع المحيطة بالمنطقة تستخدم هذه الوسائل".
وخصصت الجلسة الثالثة للحديث عن "الأمن الداخلي"، وقال خلالها مساعد القائد العام لشؤون الجودة والتميز في شرطة دبي، ورئيس جمعية الإمارات للتخطيط الاستراتيجي اللواء ركن الدكتور عبدالقدوس العبيدلي، إن الخليج بحاجة إلى تجاوز مرحلة التنسيق الأمني إلى مرحلة التخطيط الاستراتيجي، وأفضلها الاستقرار الأمني القائم على استقطاب الاستثمارات.
وقال المستشار الإداري الشريف الدكتور محمد بن فارس الحسيني: "إن التطرف الديني من أسوء المشاكل التي يواجهها العالم، فيأتي تحت غطائها الإرهاب الفكري، فلابد من كشف هذا الغطاء الذي يتسبب بتحويل الدين إلى ايدلوجيا متطرفة".
وخصصت الجلسة الرابعة للحديث عن محور "الأمن الاقتصادي"، ودعا خلالها عضو مجلس الشورى بمملكة البحرين، الاستاذ درويش المناعي، الحكومة في البحرين إلى تنويع مصادر الدخل لحماية المملكة من أي تدهور اقتصادي، مؤكداً أن فقدان الأمن الاقتصادي خطير جداً ويتسبب بتدهور المجتمعات. ونوه إلى أهمية قيام تكتل اقتصادي خليجي يشكل منظومة اقتصادية قوية تسهم في ترسيخ قواعد الأمن الاجتماعي.
من جانبه قال أستاذ العلوم السياسية والدراسات الاستراتيجية بجامعة حلوان، الدكتور محمد سعد أبو عامود، إن الأمن لا يتحقق دون تنمية الاقتصاد، مستشهداً بتجربة الاتحاد السوفيتي التي ركزت على التنمية العسكرية وأهملت التنمية الاقتصادية ما تسبب بانهيار اقتصادي كبير، ومن ثم راجعت سياستها وبدأت تهتم بالتنمية الاقتصادية.
من جانب آخر قال الرئيس الاقليمي للمركز البريطاني للدراسات وأبحاث الشرق الأوسط الأستاذ أمجد طه، إن الأمن الاقتصادي والإعلامي يحققان الأمن الداخلي، فالإعلام جزءاً من المنظومة الأمنية الذي يجب ضبط إيقاعاته على المجتمعات، وتوجيهه نحو خدمة الأمن.
أما الجلسة الخامسة فكانت عن محور "الأمن الاجتماعي"، وأكدت خلالها عضو مجلس الشورى بالمملكة العربية السعودية، الدكتورة ثريا العريض، أن الهدف النهائي من التطرق إلى المحاور الأمنية هو تحقيق "الأمن الاجتماعي"، وهو نتاج درجة التوازن ومستوى الطمأنينة التي يشعر بها المواطن.
وتحدث رئيس جمعية البحرين للجودة، الدكتور خالد جاسم بو مطيع، عن العنصر الثقافي "الشعور بالرضى"، وكذلك التعليم والعادات والتقاليد الموروثة والانتماء الوطني أيضاً كأبرز عناصر الثقافة في المجتمع، مشيراً إلى أن هذه العناصر تكوّن قاعدة ثقافية للأمن الاجتماعي، لتحقيق الرضا لدى الأفراد.
من جانبها قالت الكاتبة والباحثة الأستاذة فاطمة عبدالله خليل، إن ابرز عوامل الفقر هي البطالة التي يعاني منها الكثير من الشباب العربي، والفقر والبطالة يسهلان انخراط الشباب في الجماعات الدينية الإرهابية التي تتسبب في ضياع مستقبلهم وتفكيك المجتمعات.
وكانت الجلسة السادسة للحديث عن محور "الأمن العسكري"، وعرف خلالها المدير التنفيذي لمجموعة مراقبة الخليج، الدكتور ظافر محمد العجمي، التوازن الاستراتيجي وهو حالة الاستقرار التي لا يتمكن الغريب الإخلال بها، مشيراً بذلك إلى أهمية خلق توازن الاستراتيجي خليجي إيراني، خصوصاً أن دول الخليج أقوى منها جوياً. وأكد أن دول الخليج بإمكانها تطوير مفاعل نووي سلمي متفوق في المنطقة، وذلك انطلاقاً من باب توازن الرعب.
من جانبه قال الخبير السعودي في الشؤون الأمنية والاستراتيجية العقيد متقاعد ابراهيم آل مرعي، إن قوات درع الجزيرة نجحت مهمتها في البحرين، وهي بحاجة للمزيد من الدعم لزيادة قدرتها، وبذلك لن يتجه الخليج للتحالف مع دول أخرى لمواجهة المشاكل التي تعاني منها المنطقة.
وقال العضو السابق بمجلس الأمة بدولة الكويت الأستاذ ناصر فهد الدويلة، إن إيران تستخدم خبرائها والخونة في منطقتنا لتنفيذ أجندتها، مشيراً إلى أن القوات الموالية لإيران تسيطر على العراق، وبذلك يتم تسهيل مرور الأسلحة والمتفجرات إلى الخليج لزعزعة أمنه.