إن أفضل الذكر قراءة القرآن، والقرآن فيه سور وآيات بعضها أعظم من بعض، وأن أعظم آية في القرآن وأجلها وأفضلها لما اشتملت عليه من الأمور العظيمة والصفات الجليلة التي فيها توحيد لله في ربوبيته هي آية الكرسي، آية نقرأها في صباحنا ومساءنا وبعد الصلوات وعند نومنا: “ الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم”، لا ينفع الإنسان شيء إلا بأن يعرف الله ويوحده وأن لا يشرك به، أن يعتقد الإنسان بأن لله الأسماء الحسنى التي تشتمل على أكمل المعاني لا ينتقص منها ويدرك معنها، والله ذو الفضل العظيم، ومن هنا كانت هذه أعظم آية. المسلم يعرف الله بصفاته المشتملة على كماله لا كاليهود الذي قالوا كلمات عظيمة، فقالوا بأنه فقير، أو أنه تعب واستراح، والنصارى الذين نسبوا لله الولد، تعالى الله عما يقول المفترون، لقد جاؤوا شيئاً إدّاً تكاد السموات أن تتفطر، فما مسه من لغو وهو الغني، ولم يتخذ صاحبة، وليس له ولد. لقد سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بن كعب رضي الله عنه عن أعظم آية في القرآن؟ فقال: الله ورسوله أعلم فسأله مرة ثانية، فقال: الله ورسوله أعلم، فحينما سأله الثالثة؟ قال: الله لا إله إلا هو الحي القيوم فضرب النبي صلى الله عليه وسلم على صدر أبي وقال له: (ليَهنِك العلم أبا المنذر)- هنياً لك بالعلم و«الهناءة” هي حصول الشيء من غير نكد، رواه مسلم، هنأه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا العلم الذي حواه صدره .. فهو أقرأ الأمة بكتاب الله، ولم تكن قراءته دون علم.. بل لقد علم أعظم آية لما فيها من صفات لله عز وجل ولما تحويه من أسماء الله.. فهذه الآية أيها الإخوة مشتملة على جمل مباركة، نقف مع معانيها الإيمانية: فقوله تعالى: “الله لا إله إلا هو”: “الله” علم على ذاته العظيمة ولله أسماء كثيرة وهذه هي التي علمنا الله، وفيها إخبار بأنه المنفرد بالإلوهية لجميع الخلائق، فلا معبود بحق إلا هو سبحانه، لا شريك له في ذاته ولا في صفاته، يقول ربنا تبارك و تعالى: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) ويقول أيضاً (وَإِلَـهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)، فهو المستحق للعبادة، وكل ما سوى الله باطل، ضعيف، محتاج، فقير. «الحي القيوم” اسمان عظيمان من أسماء الله تعالى، الحي: أي الحي في نفسه الذي لا يموت أبداً، وهي الصفة الأولى التي تتضمن بقية الصفات، كالسمع والبصر، والعلم والقدرة. القيوم: القيم لغيره ولا قوام للموجودات بدون أمره، فكل أنواع التدبير في الخلق كالرزق والإماتة والإحياء منه، ومن دعوات المكروب: “اللهم رحمتك أرجو، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين، و أصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت” كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهما اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أجاب. «لا تأخذه سنة ولا نوم”: لا تغلبه سنة وهي النعاس، جاء في الصحيح: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام). «له ما في السموات وما في الأرض”: إخبار بأن الجميع عبيده وفي ملكه وتحت قهره وسلطانه، وغيره من المخلوقين لا يملكون لأنفسهم مثقال ذرة ولا أقل من ذلك. وللحديث بقية بإذن الله..