كتب - عبدالرحمن أمين: الحديث عن عبدالرحمن الشيخ حسن، حديث ذو شجون، فإلى جانب كونه جزءاً من تاريخ الصحافة في البحرين، حيث عمل فني خطوط وصفّاف حروف لدى مطبعة البحرين التي أسسها عبدالله علي الزايد، والتي صدرت عنها أول جريدة وهي “البحرين”، كان الشيخ حسن أحد الروّاد المؤسسين للمدارس الأهلية، التي كانت منتشرة في مناطق البحرين، حيث أسس مدرسة الإرشاد بالمشاركة مع إبراهيم بن يعقوب، ومدرسة أخرى مع السيد هاشم، وإبراهيم محمد عبيد، إلى جانب مدارس أخرى أسسها روّاد آخرون مثل مدرسة الإصلاح التي أسسها الشاعر عبدالرحمن جاسم المعاودة، ومدرسة دار العلم التي أسسها عبداللطيف سعد الشملان وأحمد عثمان الزياني. “الوطن” التقت عبدالله ابن المرحوم عبدالرحمن الشيخ حسن، وحاولت عن طريقه التعرف على فترة من أهم الفترات في تاريخ البحرين، حيث كشف عن أهم محطات أبيه في حياته. فإلى هذا اللقاء... الدراسة في الكتاتيب يذكر عبدالله أنَّ أباه التحق بالدراسة في الكتاتيب “المطوع “، ثم تتلمذ على يد الشيخ عبداللطيف الصحّاف والشيخ علي الباشا، متلقياً الفقه والنحو، ثم التحق بمدرسة الهداية الخليفية الثانوية من 1919 إلى 1920. وعمل بعد ذلك مدرساً خصوصيا للغة العربية لبعض أبناء العائلة الحاكمة، منهم الشيخ خليفة بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، والشيخ أحمد بن محمد بن علي آل خليفة، والشيخ إبراهيم بن محمد بن علي آل خليفة، ولأبناء فضل ومحمد النعيمي. العمل في الصحيفة انتقل الشيخ حسن بعد ذلك للعمل في مجال الطباعة والصحافة، وعمل بصفة فني خطوط وصفّاف حروف عربية لدى مطبعة البحرين عام 1934، التي أسسها المرحوم عبدالله الزايد، حيث كتب الشيخ حسن بخطه “مطبعة البحرين ومكتبها”، حتى توفي الزايد فآلت إلى حسن خلف فخرو، فأسماها “مطبعة النجاح”. وكان مدير المطبعة الفلسطيني نوح إبراهيم، إلا أنَّ الشيخ حسن ترك المطبعة لضعف راتبه، رغم أنه كان من المبرزين بين موظفيها. وكان قد ساءه أنْ يطلب منه عبدالله الزايد الاجتهاد في العمل إنْ رغب بالعودة إلى العمل، رغم أنه خطّاط المطبعة وصفّاف الحروف العربية واللاتينية بها. وكما اشترط عليه الزايد الاجتهاد في العمل والتقدم فيه، اشترط هو زيادة راتبه لاتقانه اللغة العربية. ويذكر عبدالله أنَّ أباه روى له أنَّ المطبعة كانت صورة عن ضعف إمكاناتها، إذ لم يكن بها نظام نقش الكليشيهات، ولا تحتوي على نظامٍ مرتبٍ للرواتب يعتمد الخبرة والكفاءة، مع أنها كانت تحتاج في بداية أمرها إلى خطّاط، يجب أنْ يزيد راتبه على راتب الصفّاف، إلا إذا كان يتقن صفّ الحروف العربية واللاتينية فيتساويان في الراتب، غير أنَّ مطبعة الزايد تجاوزت تلك المرحلة بسرعة، وتقدمت تقدماً مذهلاً، فلم يحل النصف الثاني من الثلاثينات حتى استكملت نواقصها، خصوصاً نقش الكليشيهات، واستعدت لإصدار جريدة البحرين. كما إنَّ الزايد كان كريماً جداً مع العاملين، يحضّر الغداء من البيت “صالونة لحم ورز أبيض، ويوزّعه بنفسه، وقبل أنْ يتوفى قام برثاء نفسه، وما قاله: مللتُ الحيـاة وكثر السهر...ورمتُ الممات وسكنى الحفر ففي الموتِ بُعْدٌ عن النائباتِ...إذا ما الزمـانُ جفا أو غـدر وفي الموت قصف لسهم القضا..وفي الموت كسر لسيف القدر”. العمل مدرساً اتجه الشيخ حسن بعد تركه المطبعة إلى التدريس، فعمل رغم صغر سنه مدرساً في المدارس الحكومية في الفترة من 1942 إلى 1970 في مدرسة عمر بن الخطاب، ومدرسة الهداية الخليفية، وهو من خطَّ اسم المدرسة القديم عند البوابة بخط الثلث. كما اشتهر بأنه أحسن الخطّاطين في المحرق، واشتهر خلال عمله طوال 30 عاماً بالمدارس “أبو عبدالله”، حيث علّم العديد من التلاميذ من أبناء المحرق، صارت لهم مكانتهم البارزة في المجتمع، منهم وزير التربية السابق الشيخ عبدالعزيز بن محمد آل خليفة، وأخوه الشيخ سلمان آل خليفة والشيخ عيسى بن راشد آل خليفة، د.علي مطر، ود.عبدالرحمن فخرو. ندرة الرز من الذكريات التي يحفظها عبدالله عن أبيه، “ندرة الرز” في عهد المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ حمد بن عيسى آل خليفه، إذ أصبح العامة من الناس لا يأكلون سوى الحب والشعير والذرة، ما دعا الحكومة للقيام بتموينهم، فكانت تحصي الناس وتوزِّع عليهم، بحسب عدد الأفراد، السكر والشاي والرز والقماش “المريكان”، والملافع للنساء، وكل ذلك يكتب في بطاقات توزع على أرباب الأسر. وهناك أيضاً “سنة التموين”، حيث عانى الناس من النقص في كل شيء. وحدث أنْ جلب تجار المنامة كثيراً من الأقمشة من الخارج وليس الأقمشة فحسب بل وكثيراً من احتياجات الناس، وأخذوا يبيعونها بأسعار معقولة. وعندما سمع الناس في المحرق بذلك، سارعوا بالذهاب إلى المنامة للحصول على كميات من الأقمشة ليبيعونها بالدين أو بأيِّ شيء بحسب الإمكانية، ووقتها قام كثير من الناس بامتهان البيع. أول طائرة ويتذكر أيضاً أنه عندما جاءت أول طائرة إلى البحرين، نزلت في القضيبية في المطار البحري في ذلك الوقت “الكرنتيله”، وعندما سمع الناس صوتها خافوا خوفاً شديداً، وظنوا أنَّ الحرب وصلت البحرين، وحتى الحيوانات المربوطة كالبقر قطعت رباطها وهربت من شدة الصوت. ويتذكر أيضاً أنه عندما قررت الحكومة بناء المطار، وسمع الناس بوجود وظائف هبوا رجالاً ونساء طلباً للرزق، وكانت يومية كل عامل 6 آنات. وعمل العمّال كثيراً من “البرستيه “ كمكاتب للمسؤولين. المسؤول بيلي ومن الطرائف أيضاً أنه كان في البحرين مسؤول يدعى “ديلي”، قام بهدم كثير من الدور الخاصة والبيوت القديمة. كما حفر عيناً ارتوازية وغرّم شخصاً يدعى أحمد سيادي 20 ألف روبية قيمة الحفر، رغم أنه لم يعلمه مسبقاً، بل أخبره بأنه حفر على حسابه فقط، فاضطر مكرها للدفع.