كتبت - زهراء حبيب: قدمت النيابة العامة في جلسة الكادر الطبي المتهم باحتلال السلمانية المنظورة أمام محكمة الاستئناف العليا أمس «مرافعة»، وأكدت فيها وبالأدلة القاطعة ارتكاب المتهمين لجريمة احتلال مجمع السلمانية الطبي بإغلاق جميع مداخله بسيارات الإسعاف بعد تعطيلها، وتحويل المستشفى إلى سجن احتجزوا فيه الأسرى واستغلالهم سيارات الإسعاف لنقل الأسلحة، وطالبت في ختام مرافعتها المحكمة بتوقيع العقوبة المناسبة قانوناً على المتهمين. وأجلت المحكمة الدعوى إلى 10 مايو المقبل لتقديم المرافعات المكتوبة والشفوية. وأكدت النيابة في مرافعتها مخالفة المتهمين لميثاق أخلاقيات وآداب مزاولة مهنة الطب، وأن معاملتهم للجرحى الأجانب تندرج تحت بند عدم الاكتراث بالبشر والاستخفاف بأخلاقيات مهنة الطب. كما تطرقت في مرافعتها الشفوية التي استمرت نحو نصف ساعة إلى أن المتهمين الأول والثاني جلبا العديد من الأسلحة النارية والذخائر والأسلحة البيضاء لاستخدامها عند الحاجة لفرض كامل سيطرتهم على المجمع. وأشار رئيس النيابة وائل بوعلاي إلى أن تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي تمسك به المتهمون تضمن في بنوده ونتيجته شرحاً وافياً لحجم الجرائم والتجاوزات التي بدرت من المتهمين وأن بعضهم كانت لهم صلات سياسية بالمعارضة. وأكد بوعلاي أن المتهمين كان لديهم قسمهم الخاص، الذي يفوق عندهم قدسية التطبيب وإغاثة الناس، وهو قسم التحزب وشغف السياسة، واصطناع البطولة في غير موطنها، وهو قسم التوحد في الذات، والأنا الدونية والاشتهار والسمعة على حساب الناس، قسم العداء للبحرين. وقال: “إن المتهمين عملوا على تحقيق قسمهم الخاص إذ استغلوا فتنة سرت في البلاد، وبدلاً من أن يساهموا في نزع فتيل الأزمة، والقيام بواجبهم نحو الحفاظ على وحدة وطنهم، استغلوا ذلك لصالحهم ولخدمة أغراض من أشعلوها”. وأضاف أنه منذ اليوم الأول ومع سقوط أول قتيل ووصوله السلمانية، أخذ المتهمون في تنفيذ ما عقدوا عليه العزم واتفقوا عليه في اجتماعاتهم، فأحالوه المستشفى وجعلوه فرعاً لمعتصمي الدوار والشاطحين بأفكارهم من قادته ورواده، وأصبح شرياناً نابضاً بالحقد موصولاً مع قادة الدوار ومنفذاً لأوامرهم، متبعاً لتعليماتهم، متسربلاً عباءتهم وأفكارهم. وأوضح رئيس النيابة أن المتهمين شاركوا في نصب الخيام وجذب المخربين والمتجمهرين لساحاتهم وبذل كلٌ جهدَه من أجل حشد أكبر عدد من المتجمهرين داخل ساحات المستشفى، بل وبين أروقتها الداخلية في بعض الأوقات، لعلمهم أن هؤلاء المتمردين والمسلحين هم وسيلة قوتهم وأداتهم في تحقيق ما خططوا له من تسهيل الاستيلاء على المستشفى، ليكونوا الوحيدين المتحكمين فيه وتسخيره بما يخدم أغراضهم، وأغلقوا مداخل المستشفى بسيارات الإسعاف بعد تعطيلها ليتعذر تحريكها من مكانها. وبين أن المتهمين تواصلوا مع المتجمهرين من خلال التواجد المستمر بينهم وإلقاء الخطب التحريضية فيهم بأنفسهم أو بواسطة معممي الدوار، وفقاً للثابت بالتسجيلات المرفقة، بقصد تشجيعهم على استمرار تواجدهم ليتآزروا بهم في تحقيق مقصدهم، وقد تحقق لهم ذلك بالفعل. وواصل بوعلاي مرافعته قائلاً: “إن الكلمة الفصل أصبحت لهم ولأتباعهم فلا صوت يعلو على أصواتهم، ولا أحد يستطيع أن يراجعهم فيما يقولوه أو يفعلوه، بعدما عاينوه من متجمهرين مسلحين بكافة أنواع الأسلحة على أبواب المستشفي، أجساد مسلحة هائجة لا تعرف سوى لغة العنف والتدمير، كأنها أدوات قتل وتنكيل لمن خالفهم أمراً، فمن ذا الذي يجرؤ على الوقوف في وجوههم أو يخالف رغباتهم”. وأضاف: “أن المتهمين استغلوا كل منشآت المبنى بما فيه من عاملين ومرضى وزائرين لخدمة أغراضهم، وأحالوه إلى سجن يحتجزون فيه من يختطفه سادتهم ويحضرونه إليهم بسيارات الإسعاف التي سخروها لذلك، بل واستخدموها في أوقات أخرى لنقل الأسلحة للمتظاهرين، واقتادوا مرضاهم مكبلين بالأغلال بغير جرم اقترفوه أو ذنب سوى أنهم من جنسية يكرهونها، بل ووصل الأمر بالمتهمين الأول والثاني أن يجلبوا العديد من الأسلحة النارية والذخائر والأسلحة البيضاء لاستخدامها عند الحاجة لفرض كامل سيطرتهم على المبنى”. وأكد بوعلاي أن بعض المتهمين استغلوا تلك السيطرة وتواجد المتجمهرين في ساحات المستشفى للترويج لقلب وتغيير النظام بالقوة وبوسائل غير مشروعة وكان ذلك قولاً وكتابةً، بإلقاء الخطب في تجمعات ومسيرات ونشر بيانات، كما ارتكبوا الجرائم الأخرى المبينة بأمر الإحالة. ولفت إلى أن أركان الجرائم التي ارتكبها المتهمون وعناصرها القانونية لا تخفى على عدالة المحكمة فلا تجد النيابة موجباً لأن تستعرضها أو أن تستفيض في شرحها. وأكدت النيابة إسقاط الاتهامات المتداخلة مع ممارسة حرية الرأي والتعبير، وتمسكت بالاتهامات المتعلقة بالجرائم الجسيمة والخطيرة. ونوه بوعلاي إلى أن محاولة احتلال مبنى عام جريمة مؤثمة بالمادة 149 من قانون العقوبات، وهي الأفعال التي إذا تُركت وشأن الجاني فيها لأدت إلى الشروع في ارتكاب الجريمة، فالمحاولة بهذه المثابة من قبيل الأعمال المجهزة للجريمة، وتعكس تصميماً لدى الجاني على سلوك سبيله الإجرامي، وهي ما ترقى على التفكير والعزم بخطوة إيجابية نحو الجريمة، وتقع دون البدء في التنفيذ. وأوضح أن ما استقرت عليه أحكام القضاء وتوافق عليه الفقه والفقه المقارن، وذاك هو ما لجأ إليه المشرع في التصدي للجرائم الخطيرة خاصة تلك التي تطال المصالح العامة وتعطل المصالح الخاصة وتقوض الاستقرار في الدولة، ومن ذلك احتلال المباني العامة أو المخصصة للمصالح الحكومية، وبناء على ذلك فإن التخطيط مصحوباً بإعداد العدة للجريمة محاولة مؤثمة بمقتضى القانون. وأفاد أن الدفاع انشغل بسؤاله للشهود في محاولة منه لإثبات انتفاء جريمة احتلال كامل لمجمع السلمانية، هو في الحقيقة جدال محض لا طائل من ورائه، فالواقع يكشف بجلاء أن المتهمين احتلوا المبنى وهيمنوا عليه وسيطروا على مقوماته المادية، واستعانوا في ذلك بقدر كاف من القوة، ومر هذا الاحتلال بمراحله، بدءاً من العزم والتخطيط، ثم المحاولة التي حققت النتيجة بتمام السيطرة والهيمنة، وقام على ذلك أدلة مادية وقولية قاطعة، فمنازعة الدفاع في تحقق الاحتلال هو منازعة في النتيجة وليس في الفعل المادي الذي جرمه القانون وعاقب عليه وهو مجرد المحاولة. وفيما يخص جريمة حيازة السلاح الناري والذخائر والأسلحة البيضاء، أكد رئيس النيابة أن مناط المسؤولية في كلتا حالتي الإحراز أو الحيازة، هو ثبوت اتصال الجاني بالمضبوطات اتصالاً مباشراً أو بالواسطة، وبسط سلطانه عليه بأية صورة عن علم وإرادة، إما بحيازة الشيء حيازة مادية، أو بوضع اليد عليه على سبيل الملك والاختصاص، ولو لم تتحقق الحيازة المادية. وأوضح أن ضبط السلاح في غير حيازة الجاني لا تعني انتفاء الحيازة المجرمة، مادامت هناك أدلة على اتصاله بها وخضوعها لإرادته ومن ثم حيازته لها حكماً. وارتكنت النيابة العامة في إثبات الاتهامات إلى أدلة أخرى غير اعترافات المتهمين التي لا تعول عليها النيابة، فالأوراق المقدمة مفعمة بالأدلة القاطعة على اقتراف المتهمين الوقائع المسندة إليهم، وهي مستقاةٌ من شهادة الشهود إضافةً إلى الماديات التي وقفت عليها النيابة خلال التحقيق، التي تتمثل فيما شهد به كل من مجري التحريات الضابط بالإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية، والطبيب رئيس الخدمات الإدارية بمستشفى السلمانية الطبي، والأطباء والإداريين بالمستشفى الواردة أسماؤهم بقائمة أدلة الإثبات. وذلك إضافة لما ثبت بتقارير مختبر البحث الجنائي وشعبة مسرح الجريمة والفحوصات الكيميائية، فضلاً عن شكاوى المتضررين ونسخ القضايا والأحكام، إضافةً إلى التسجيلات والمصنفات المرفقة والتي تؤكد رأي العين ما وقع من المتهمين والآثار الناجمة عن سلوكهم الإجرامي، ومجمل هذه الشهادة يثبت سيطرة المتهمين على مبنى مجمع السلمانية الطبي، وتحكمهم في كل مقوماته المادية وتصرفهم فيها بشكل انفرادي بعيداً عن إدارته الرسمية وسلطة الدولة بوجه عام، بما لا يدع مجالاً للشك على تآزرهم بجموع المتجمهرين في إحكام الهيمنة على المبنى بالقوة، وحيازة السلاح والذخائر تأكيداً لمظاهر تلك القوة، بما تتحقق من مجمله النتيجة من ذلك وهي احتلال المستشفى، ويثبت به يقيناً بالضرورة وبطريق اللزوم المنطقي، فعل المحاولة المؤثم بالمادة 149 من قانون العقوبات الذي ما كان الاحتلال إلا مروراً به، والدليل على نكوص المتهمين كل فيما يخصه، عن إغاثة الناس ومنع المرضى من تلقي العلاج، وقيامهم باحتجاز المختطفين من قبل رؤوس الفتنة خلال الأحداث داخل المستشفى واتخاذهم أسرى، والاشتراك في التجمهرات، وغير ذلك من الجرائم المبينة بأمر الإحالة بخلاف ما أسقطته النيابة. وتطرق بوعلاي إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي تمسك به المتهمون بأنفسهم وعولوا عليه في دفاعهم، والذي تضمن في بنوده ونتيجته شرحاً وافياً ملماً لحجم الجرائم والتجاوزات التي وقعت من المتهمين وبالأخص في البنود التالية 834، 836، 837، 838، 847، ففيها ما يأخذ بنواصي المتهمين، ويُحكم الاتهام عليهم إذا تقرع المسامع العبارات الآتية: “أن بعض المتهمين كانت لهم صلات سياسية بالمعارضة، أنهم كانوا يسيرون وفق أجندة سياسية، وبعضهم قاد المظاهرات داخل وخارج المجمع بالمخالفة للقانون”، وأدى المتهمون خلال هذه الأحداث دورين أحدهما سياسي، فيما كان يُرجى منهم الاضطلاع بواجباتهم ومسؤولياتهم المهنية والأخلاقية والقانونية. وقال إن المتهمين خالفوا ميثاق أخلاقيات وآداب مزاولة مهنة الطب، ومعاملتهم للجرحى الأجانب تندرج تحت بند عدم الاكتراث بالبشر والاستخفاف بأخلاقيات مهنة الطب، وأن أغلب الطابق الأرضي في مجمع السلمانية بما فيه قسم الطوارئ وقسم العناية المركزة، والإدارة كان تحت سيطرة الطاقم الطبي، كما ثبت وجود حالات تمييز وإساءة معاملة للمرضى. وأكدت النيابة العامة أن تقرير لجنة تقصي الحقائق هو انعكاس حقيقي لحالة مجمع السلمانية الطبي أثناء الأحداث، وبيان مفصل لأدوار المتهمين فيها، وإثبات لاحتلالهم المبنى، وأنه دليل على خزي المتهمين حينما تجردوا من كل القيم الأخلاقية التي تفرضها عليهم مهنتهم، فليس لهم من بعد أن يخرجوا علينا بعبارات ومواقف متوهمة، فمهما تشدق المتهمون الآن بالنبل وترسموا عندكم الثبات على المبدأ، وساقوا من يمجدونهم ويحنون لهم رؤوسهم، ومهما تحدثوا إليكم بحديث الوطنية المُدعاة، والفضيلة المصطنعة، فلن يعفيهم ذلك أبداً من سآمة ترديهم في امتهان بلادهم، وتحقير مهنتهم، بما ينزل بهم دون مراتب الإنسانية. وطلبت النيابة العامة من المحكمة توقيع العقوبة المناسبة قانوناً على المتهمين وفق ما تقدره المحكمة. فيما طلبت هيئة الدفاع من المحكمة أجلاً آخر لتقديم مرافعاتها المكتوبة والشفوية فأمهلتها أسبوعاً لإعداد مرافعاتهم، وعليه قررت محكمة الاستئناف العليا بتأجيل الدعوى إلى 10 مايو لتقديم المرافعات المكتوبة والشفوية.