والدة الشهيد: سأحكي لحفيدي دوماً عن بطولات والده
الأخوات الأربع: عبدالواحد وهب نفسه وروحه لخدمة الوطن


كتب - حذيفة إبراهيم:
منذ اليوم الأول لاستشهاده انقلبت حياة عائلة الشهيد عبدالواحد فقير رأساً على عقب، فولده الذي لم ير الحياة حينها أصبح يتيماً منذ شهره الثامن وهو جنين، فيما فقدت عائلته الشخص المعيل له وبكرها الأول.
عائلة الشهيد عبدالواحد لا تبدو أحسن حالاً مما كانت عليه في الوهلة الأولى لسماعهم الخبر، فهم لا يزالون يقاسون فراق ولدهم ويكافحون لتربية نجله وحفيدهم الصغير عمر، الذي أكمل عامه الأول قبل أشهر، في وقت كتب له القدر ألا يرى أباه إلا من خلال الصور القليلة التي احتفظت بها العائلة.
ولدي شهيد
والد الشهيد، الذي تحدث بكلمات قليلة والألم يعتصر قلبه، إلا أنها كانت كفيلة لتجسيد الموقف كاملاً قائلاً «القصاص قد يخفف معاناتنا، فلا يمكننا أن نرى المجرم طليقاً، بعد أن قام بفعلته، وسلب روحاً وهبت نفسها لخدمة دينها ووطنها، وهو يعني عدم ضياع الحق، أو تكرار المأساة مجدداً مع عائلة أخرى من عوائل من حملوا أرواحهم فداء للوطن».
ظل والده صامتاً طوال فترة تواجدنا في المكان، فهو لم يعد يهوى الكلام منذ أن توفي ولده، وأصبح يحب اعتزال العالم والصمت، ولا يذهب سوى لبعض الأماكن أو لقضاء حاجياته بنفسه، بعد أن كان متفرغاً ليعيش ما تبقى من حياته، بينما ولده الشهيد عبدالواحد يقوم باحتياجاته.
وبعد صمت طويل، عاود والده ليقول «لا أستطيع تعليق صور ولدي بالمنزل فحفيدي بدأ ينطق، وهو كباقي الأطفال ينطق بكلمات «بابا» و»ماما»، فماذا سأقول له، وهل عمره الذي لم يتجاوز عاماً و6 أشهر يفهم معنى أنه لن يرى والده طوال حياته، وأن القدر أراد أن يبقى يتيماً؟».
قتلوه المجرمون
أما والدته، فهي الأخرى لم تستطع أن تقاوم دمعتها، ورفضت التصوير في حالتها، فهي لاتزال لم تفق من الصدمة التي خلفها وفاة ولدها البكر، وما يزيد الطين بلة، هو أن حفيدها سينشأ بعيداً عن عين والده، الذي ظل ينتظره لسنوات عدة قبل أن يرزقه الله به.
وقالت «أحتفظ بصور له، سأريها حفيدي في الوقت المناسب، سأخبره يوماً ما أن والده كان بطلاً شجاعاً، قتلته أياد مجرمة، ولكن ربما، ما سيهون تلك القصة، أن يكون ختامها هو انتصار الخير على الشر، وأن يكون المجرم قد نال جزاءه».
وتابعت «مازلت أحتفظ بالكثير من أغراضه وذكرياته، فلعلها تخفف عن الطفل فقدان والده، وتعطيه صورة مقربة عما كان عليه، ولكن شوقه وحبه لولده الذي لم يره، لا أستطيع أن أترجمه له».
أكدت والدته، أن أموال الدنيا كلها، لن تستطيع أن تمنع دموعها التي تذرفها يومياً على فراق ولدها، والذي كان لا يخرج من منزله سوى بقبلة على جبينها، بعد أن يتفقد ما يحتاجه منزله من أغراض واحتياجات، يشتريها وفقاً لمدى الحاجة لها، سواء أينتظر بعد عودته من عمله، أم قبلها.
وأوضحت «العائلة مازالت مصدومة، نحن عشنا طوال حياتنا متكاتفين في منزل واحد، وسفرتنا واحدة لا يفرقها سوى عمل بعضهم، إلا أنهم بكل تأكيد سيجتمعون في سفرة طعام أخرى، ولكن الآن، متى سنجتمع، بالجنة إن شاء الله، فقدت طعم الحياة، والأكل الذي أتناوله، فولدي الذي انتظرته، لن يعود». وتابعت «أريد أن أرى حق ولدي يؤخذ، صحيح أنه ذهب فداء للوطن، ولكن الإرهاب الذي أخذ روحه، يمكن أن يعاود الكرة مرة أخرى، إضافة إلى أنه حرمني من أعز ما أملك، لا يمكن لي أن أعيش وأنا أرى قتلة ولدي وهم يعيشون حياتهم، الحمدلله أن القصاص موجود في الشريعة».
مات الظهر والسند
أما أخواته الأربع، فهن الأخريات لم يجدن الأخ الحنون، الذي لم يبخل يوماً بماله أو وقته لهم، ولا إرشاداته وتوجيهاته، وظل طوال حياته، ينعم عليهم بما أنعم الله عليه.
أخوانه الستة، فقدوا من جهتهم، أخاً، كان مثالاً للأخ الصالح، الذي يفني حياته ليكون أخوانه في أعلى المناصب والأماكن، وأن ينهوا دراساتهم، وكان يجاهد لكي يخدموا وطنهم من أماكن أخرى، بعلمهم وما سيجنونه من معارف.
أما الآن، فإن أخوانه يشعرون «باليتم» فإن أخاهم الحنون، توفي، وأبوهم لا يقوى بسبب كبر سنه على أداء أي من المهام، واضطروا لأن يقوموا بالمهمات التي كان يؤديها أخوهم عبدالواحد دون تذمر أو تعب.
العائلة، أيقنت أن شملها لن يجتمع مجدداً، فشمعة المنزل كما أرادوا أن يطلقوا عليه لن يكون متواجداً من جديد، ولكن الأمل في ولده، الذي أصبح يتيماً من قبل أن يدرك معنى اليتم.