تحتفل مملكة البحرين في الأول من ديسمبر من كل عام بيوم المرأة البحرينية، وذلك تقديرا لعطائها الكبير على مر التاريخ، فهي نصف المجتمع وصاحبة الجهد المتواصل من أجل نهوض المجتمع والارتقاء به، وفي هذا اليوم الهام، يتم الاحتفاء بإنجازات المرأة البحرينية ومشاركتها الفاعلة في مختلف المجالات التنموية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمهنية والحقوقية.

ويعود فضل هذا اليوم واعتماده يوماً للمرأة البحرينية إلى صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك مملكة البحرين رئيس المجلس الأعلى للمرأة منذ العام 2008، حيث يتفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه برعايته الكريمة لهذا الاحتفال سنويا تأكيدًا لاهتمام جلالته بالمرأة وتقديره لدورها في بناء نهضة بلادها الحديثة.
ويعد الاحتفال بهذا اليوم فرصة جيدة لتسليط الضوء على مسيرة المرأة البحرينية في كل مناحي الحياة ودورها البناء والفاعل في مجتمعها ووطنها، خاصة بالنظر لدورها الرائد في الشأن العام وفى الحياة البحرينية، والذي يرجع إلى مرحلة ما قبل اكتشاف النفط عام 1932، إذ ساهمت المرأة البحرينية بالعمل داخل بيتها باعتباره الإطار الاجتماعي الأول ونالت فرصة التعلم في عشرينيات القرن الماضي لتسبق العديد من الدول في المنطقة في هذا المضمار.
وبعد اكتشاف النفط أدى التطور التدريجي للمجتمع إلى فتح آفاق رحبة أمام المرأة للعمل، فشاركت في مجال التدريس والتمريض، ومع دخول عقد الستينيات كثرت مدارس الفتيات في البحرين، وأرسلت خلال تلك الفترة أول بعثة دراسية من الفتيات للخارج ثم توالت البعثات بعد ذلك.
وكان تعليم المرأة البحرينية نقطة تحول جذري في أوضاعها ومشاركتها في الحياة العامة، وأسهم تنامي الوعي المجتمعي في إنشاء الجمعيات النسائية ذات الأهداف المتنوعة فتأسست أول جمعية نسائية في البحرين عام 1955، وهى جمعية نهضة فتاة البحرين، وبتأسيس هذه الجمعية دخلت مشاركة المرأة في العمل الاجتماعي مرحلة أكثر جدية واتساعا، حيث تلاها تأسيس جمعية رعاية الطفل والأمومة عام 1961 وفى أواخر الستينيات بذلت جهود لتأسيس جمعيات أوال النسائية والرفاع الخيرية وفتاة الريف وأثمرت الجهود بإشهار جمعيتي أوال والرفاع عام 1970.
ومع تولى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى مقاليد الحكم في مارس من العام 1999 وإطلاق جلالته للمشروع الإصلاحي الشامل زاد الاهتمام بقضايا المرأة بصفة خاصة وجسدت ذلك المادة الأولى من دستور مملكة البحرين التي نصت على أن للمواطنين رجالا ونساء حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية بما فيها حق الانتخاب والترشيح. وأكد جلالة الملك المفدى في أكثر من مناسبة على اهتمام جلالته بالنهوض بالمرأة البحرينية بما يتناسب وما وصلت إليه من مكانة لائقة في المجتمع وبما تتمتع به من كفاءة عالية تؤهلها للقيام بدورها الريادي في شتى مواقع العمل.
وصدقت المملكة على العديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق المرأة، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدها الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 والتي انضمت إليها مملكة البحرين عام 2002. كما أن القوانين النافذة في المملكة في شتى المجالات تقوم على المساواة بين المواطنين كافة، رجالا ونساء، في الواجبات المفروضة عليهم والحقوق المتاحة لهم، لاسيما في مباشرة الحقوق السياسية والاقتصادية والتعليم والخدمة المدنية والعمل الأهلي.
وكان من أهم الخطوات لدعم وتعزيز دور المرأة البحرينية إنشاء المجلس الأعلى للمرأة عام 2001 برئاسة صاحبة السمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة صاحب الجلالة ملك البلاد المفدى، حيث نجح المجلس منذ تاريخ تأسيسه وحتى الآن في وضع السياسات والخطط والبرامج التي استهدفت النهوض بالمرأة وتذليل العقبات التي تعترض مسيرة تطورها وضمان حصولها على كافة حقوقها.
ويعتبر برنامج التمكين السياسي والاقتصادي للمرأة الذي تبناه المجلس الأعلى للمرأة أحد أبرز ملامح الاستراتيجية الوطنية للنهوض بالمرأة البحرينية لأداء دورها في الحياة العامة وإدماج جهودها في برامج التنمية الشاملة مع مراعاة عدم التمييز ضدها ودعم مشاركتها السياسية.
وانطلاقا من أهداف المجلس الأعلى للمرأة بإشراك المرأة البحرينية في العملية السياسية، اعتمد مشروع التمكين السياسي والذي حرص على التأكيد على مبادئ الحيادية التامة في دعم مشاركة المرأة السياسية لتحقيق مشاركة ايجابية بتقديم الدعم الأدبي والفني لكل امرأة بحرينية تجد في نفسها القدرة ولديها الرغبة في تحمل مسئولية المشاركة في الحياة السياسية، لاسيما الانتخابات البلدية والنيابية. وتنوعت أنشطة وفعاليات برنامج التمكين السياسي لتشمل عقد لقاءات مع المرشحات ودورات توعوية وتدريبية لهن لتنمية مهاراتهن في خوض الانتخابات.
وفي مجال التمكين الاقتصادي أطلق المجلس الأعلى للمرأة حزمة من برامج التدريب والتأهيل لعدد من المشاريع ذات القبول الاجتماعي التي تهدف إلى تزويد المرأة بالمهارات والتقنيات اللازمة لتكون قادرة على تأسيس أو إدارة مشاريع صغيرة أو الدخول في مجال ريادة الإعمال في عدد من المهن المناسبة لخصوصية المرأة البحرينية وبالتالي المساهمة في تخفيف نسبة العاطلات من النساء وزيادة مساهماتهن في الاقتصاد الوطني. كما واصل المجلس عقد الشراكات اللازمة لاستكمال منظومة العمل الاقتصادي بتوفير كافة الخدمات التي تستلزمها برامج التمكين الاقتصادي سواء على صعيد توفير القروض وخدمات التمويل الميسر، أو على صعيد توفير الحاضنات الاقتصادية المتكاملة التي تقدم كافة الخدمات الإدارية والاستشارية والتدريبية والفنية التي تحتاج إليها المرأة للدخول في مجال ريادة الأعمال.
ونظرا إلى اهتمام صاحبة السمو الملكي رئيسة المجلس الأعلى للمرأة بتمكين المرأة في كل المجالات، وحرصها على إعطائها كل حقوقها، وزيادة خبرتها في مجالات الحياة المتعددة، اعتمدت صاحبة السمو شعار جائزة تمكين المرأة البحرينية والتي تمنح كل سنتين لأفضل الوزارات والمؤسسات الحكومية والخاصة المتميزة في مجالات دعم وتمكين المرأة البحرينية العاملة.
وكان من نتائج الجهود الجبارة التي قامت بها مملكة البحرين في تمكين المرأة في العهد الميمون لجلالة الملك أن أصبحت المرأة سفيرة ووزيرة ورئيسة جامعة، فضلا عن المناصب القيادية في الوزارات كوكلاء مساعدين ومدراء عامين في القطاع الحكومي، إلى جانب توليها مناصب في القضاء سواء في شقه المدني أو الدستوري، ونالت المرأة عضوية مجلس التنمية الاقتصادية، وجرى انتخابها لعضوية مجلس إدارة غرفة صناعة وتجارة البحرين، ومجلس إدارة شركة مطار البحرين، وغير ذلك الكثير.
وعلى المستوى الدولي أثبتت المرأة البحرينية قدرتها على شغل المناصب الهامة حيث تولت الشيخة هيا بنت راشد آل خليفة رئاسة الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان ذلك دليلا واضحا على المكانة والثقة التي حازتها المرأة البحرينية داخليا وخارجيا حتى أضحت نموذجا يحتذى في منطقة الخليج.
وتطورت مشاركة المرأة البحرينية في المجالات كافة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بشكل غير مسبوق، وطرقت مجالات أخرى كالعمل في قوة الدفاع والشرطة. وفي مجال المشاركة السياسية وبعد إعطاء المرأة كامل حقوقها في الترشح والتصويت في الانتخابات، استطاعت المرأة الوصول إلى مجلس النواب منذ عام 2006 بمقعد واحد بالتزكية، تلا ذلك فوزها بثلاثة مقاعد بالانتخاب، حتى صارت تمثل 8% من أعضاء مجلس النواب في تشكيلته الحالية، وهي نسبة متقدمة إذا ما قيست بقصر عمر التجربة البحرينية.
وشهدت الانتخابات النيابية والبلدية لعام 2014 حضوراً لافتاً وقوياً للمرأة البحرينية تمثل في صعود حظوظها لدى الناخبين، حيث خاضت 11 مرشحة الجولة الثانية، أي حوالي 30% من إجمالي المرشحين الذين دخلوا الجولة الثانية، مما يدل في مشهد واضح وصريح وغير مسبوق على قوة حضور المرأة رغم أن عدد المترشحات كان 35 في مقابل 378 من الرجال، لكن هذا يشير إلى تغير كبير في نظرة المجتمع البحريني نحو المشاركة السياسية للمرأة وتعاطيها مع الشأن العام.
وفي الغرفة التشريعية الثانية (مجلس الشورى) تطور تمثيل المرأة من أقل من 20% حتى وصل إلى 31% في المجلس الحالي (2014-2018)، كما كان حضور المرأة فاعلاً كناخبة حيث تجاوزت أحيانا حد الـ 50% لتؤكد على فاعليتها ودورها في اختيار المرشحين وكذلك في التصويت على ميثاق العمل الوطني الذي أسس للفترة المزدهرة التي تعيشها المملكة حاليًا.
واستطاعت المرأة البحرينية الفوز بمقاعد في المجالس البلدية، كما أصبحت عضوة في "أمانة العاصمة" التي جرى تشكيلها بمرسوم ملكي بنسبة أكثر من 50% حيث تضم 6 سيدات من بين 11 عضوا.
وفي مجال المشاركة الاقتصادية تطورت نسبة حضور المرأة في العمل العام والخاص، حيث أصبحت تمثل 47% من إجمالي القوى العاملة البحرينية في القطاع العام، و31% من إجمالي القوى العاملة البحرينية في القطاع الخاص، وصارت تمتلك 41% من عدد السجلات التجارية حتى يونيو 2014، وتنظيميًا تم تأسيس جمعية سيدات الأعمال في البحرين في مايو 2000 كثاني جمعية من نوعها على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وفي المجال الاجتماعي أصبحت المرأة تمتلك مؤسساتها ومراكزها وتجمعاتها الخاصة بها، فقد تجاوز عدد الجمعيات النسائية 20 جمعية تقوم بتنفيذ العديد من الفعاليات للدفاع عن حقوق المرأة والتعريف بها وإقامة المحاضرات والندوات لتنمية وعي المجتمع بدورها كما تتفاعل مع الشئون العامة وتدلي بدلوها في القضايا المختلفة، كما أصبحت المرأة تقوم بدور كبير في تنمية المجتمع من خلال عضويتها في العديد من الجمعيات الاجتماعية المختلفة الأنشطة والمجالات.
ولم يقتصر عطاء المرأة عند ذلك، فلها باع طويل في مجال الإنتاج الفكري والثقافي، حيث ساهمت بقلمها فأصدرت حتى نهاية عام 2012 زهاء 500 عنوان كتاب، غطّت حقولاً معرفية مختلفة، وكان للمرأة البحرينية دورها الفاعل في كتابة البحوث الأكاديمية التي من خلالها نالت درجات الماجستير والدكتوراه من جامعات محلية وعربية وأجنبية، حيث بلغ عدد الرسائل الجامعية التي أعدتها أكثر من 700 رسالة جامعية. وساهمت المرأة في مجال الإعلام سواء في الإعلام المرئي أو المسموع أو بالكتابة في الصحافة المحلية والعربية.
وبمبادرة كريمة من صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك مملكة البحرين رئيسة المجلس الأعلى للمرأة حفظها الله، تم تخصيص الاحتفال بيوم المرأة البحرينية للعام 2015 للاحتفاء بالمرأة في القطاع المالي والمصرفي، ليتم إلقاء الضوء على ما قامت به المرأة البحرينية من دور هام في هذا القطاع الحيوي، والذي يمتد مشاركتها المتميزة فيه على مدى أكثر من 50 عامًا، حيث يشار إلى أن القطاع المصرفي في المملكة يوظف 14 ألف شخص، تشكل نسبة النساء من الإجمالي 32%، مع وجود امرأتين تترأسان مؤسستين ماليتين، إضافة إلى 3 نساء رؤساء تنفيذيات مصرفيات. وكانت حليمة المهندس أول مصرفية في تاريخ الوطن العربي حيث عملت في البنك العربي منذ العام 1968. وأثبتت المرأة البحرينية بأنها قادرة على أخذ دور هام وريادي في القطاع المالي والمصرفي، من خلال قيامها بأداء واجباتها الوظيفية بكل كفاءة وجدارة مما أهلها للوصول إلى المناصب القيادية في المؤسسات التي عملت بها وضمن مبدأ تكافؤ الفرص.
إن هذا التاريخ الحافل للمرأة يبشر بمستقبل واعد لها خصوصا مع دعم جلالة الملك المفدى المتواصل للمرأة، وتواجدها البناء في المجتمع جنبًا إلى جنب مع الرجل، وجهود المجلس الأعلى للمرأة الذي قام ولا يزال بجهد جبار في تمكين المرأة البحرينية في جميع المجالات محافظًا على ما تحقق من إنجازات ومجتهدًا في تحقيق المزيد.