كتبت - شيخة العسم:
كثيراً ما نسمع عن التحرش بالأطفال من قبل أشخاص أكبر سناً، وتصدر المحاكم بين الفينة والأخرى أحكاماً بالسجن بحق أناس اعتدوا على أعراض أطفال وناشئة وقصر، لكن ماذا عن تحرش طفل بآخر؟!
«كلاهما ضحية» يقول تربويون ومرشدون اجتماعيون، بينما يلقي الأساتذة والمعلمون باللائمة على أولياء الأمور «هذه السلوكيات الشاذة تتأتى من تعرض الأطفال لمحتويات إلكترونية جنسية، أو مشاهدات واقعية».
تروي المعلمات بالمدارس الابتدائية قصصاً تنقلها «الوطن» عن حالات تحرش ضحيتها و»أبطالها» أطفال، فهنا طفل في الابتدائي يبتز آخر أصغر سناً بإنزال سرواله عند «الهدة» أو يخضع «لما يطلب منه»، وطفلان آخران يتحسسان أعضاء بعضهما الحميمة خلف الستارة، وطلبة ابتدائي يبيعون «سيديهات» جنسية لطلبة ثانوي بـ»روبية».
وفي مدارس البحرين أيضاً طفل يؤدي حركات جنسية أمام زملائه تعلمها من خادمة واظبت على التحرش به جنسياً، وطفل آخر يلعب بأعضائه التناسلية لأن صديق والده يستغله جنسياً.. كل هذه الشواهد تدلل على أن أطفالنا بخطر ويحتاجون الحماية.
خلف جدران المدرسة
هذه القصص المحزنة ربما يسمعها كثيرون لأول مرة، لكنها حدثت فعلاً، تقول إحدى المدرسات «أطفال لا يتعدى أعمارهم العشر سنوات بالصف الرابع الابتدائي يبيعون (سيديهات) إباحية على طلبة الأول والثاني بروبية»، وهي تنقل الحادثة عن مشرفة تربوية في إحدى المدارس الابتدائية للبنين.
وتحفظت المدرّسة على تفاصيل الحدث «خوفاً من المساءلة»، مؤكدة أن المدرسة هي المتضرر الأول من أفعال كهذه و»نكران الأولياء لتصرفات أولادهم يفاقم المشكلة ويزيدها تعقيداً».
معلمة أخرى تسرد لـ»الوطن» تفاصيل حكايتها رأتها بأم عينيها «كنت متدربة في إحدى المدارس الابتدائية للبنين، وفوجئت أن هناك حركة خلف الستارة وأنا أشرح الدرس، وعندما فتحت الستارة وجدت طفلين يتحسسان مناطق العفة لبعضهما».
«صرخت عليهما وخافا وركضا لمقعديهما» هكذا عالجت المعلمة الموقف واكتفت بهذه «العقوبة» لأنها كانت متدربة، وليست على دراية واسعة بالإجراءات والقوانين.
ووجدت المعلمة نفسها في موقف شديد الحرج «لم أرد أن أحرجهما أيضاً فآثرت الصمت»، وهي تستدرك «هنا سؤال كان يلح علي باستمرار، كيف لطفلين بالأول الابتدائي أن يأتيا أفعالاً كهذه؟».
وهنا تقف المعلمة عند «خلفية البيئة» حيث نشأ الطفلان، ونصحت «يجب أن يعرض الطفلان وأهلهما على لجنة نفسية تربوية لمعرفة الأسباب والدوافع».
وتختم المعلمة بالقول «الأولياء هم المتهمون لا الأطفال، فهناك قصص كثيرة في المدارس يشيب لها الرأس».
وتحكي معلمة أخرى في ابتدائية بنين بمدينة حمد، عن طالب راسب في الصف الثالث يبتز آخر أصغر سناً، إن لم يفعل ما يطلب منه في الخفاء أن ينزل سرواله عند «الهدة» وعلى مرأى الجميع.
وهي ترى أن المشكلة تكمن في أن كلا الطفلين صغار السن ولم يبلغا، وتسأل «من المسؤول؟».
وتلقي المعلمة باللائمة على أولياء الأمور «هذه الممارسات تتأتى عادة من مشاهدات جنسية واقعية أو عبر التلفاز والكمبيوتر أو تعرضهم لتحرش، وهذا دليل على عدم وجود رقابة من أولياء الأمور على أبنائهم».
في عهدة أولياء الأمور
ووصف أولياء أمور ظاهرة تحرش الأطفال ببعضهم بـ»المخيفة»، إذ يسأل خالد الدوسري «كيف للمدرسات أو المشرفات أن يصمتن عن وجود الظاهرة؟».
ويضيف «هذه ظاهرة خطيرة تسبب مفسدة لا تحمد عقباها»، قبل أن يتابع «أي ظاهرة تبدأ كحالة فردية، وعندما يسكت عنها تتحول لظاهرة مجتمعية خطيرة، على الأولياء والمدرسات توعية الطلبة عن هذه الممارسات».
فاطمة الدوسري ولية أمر تقول «إلى متى نخجل من طرح هذه السلوكيات الخاطئة وتوعية أبنائنا بشأنها؟»، وهي تضيف «الخجل هو ما سيدمر أطفالنا».
وتتابع «يتعرضون لمشاهد ومواقف ونحن بعيدون عنهم»، وتنصح «يجب أن نهيئهم قبل أن ينجرفوا وراء أمور ربما تعجبهم ولو لم يفهموها، وعلى الإدارات المدرسية طرح سلسلة محاضرات توعوية للأطفال بهذا الجانب».
وتؤكد أن مضامين هذه المحاضرات يجب أن تتطرق لتشجيع الطلبة على إخبار الإدارة أو أولياء أمورهم عن أية ممارسات شاذة يتعرضون لها، قبل أن توجه رسالة لوزارة التربية «التنسيق مع جهة تربوية نفسية تقدم مثل هذه المحاضرات».
وتحكي ولية أمر تفاصيل قضية تحرش حدثت منذ فترة في مدرسة ابتدائية للبنين و»عملت بلبلة» في صفوف المدرسة وتدخلت الوزارة وفتحت تحقيقاً.
وتقول «ما نريد الوصول إليه ليس التدخل بعد وقوع الحادثة، بل على الجميع التكاتف ومعالجة المشكلة قبل وقوعها»، وتطالب بـ»التوعية المجتمعية لأولياء الأمور قبل الطلبة».
رأي المختصين
تقول مشرفة اجتماعية بمدرسة ابتدائية للبنات «مثل هذه الحوادث معدومة في مدرستنا، قد نواجه حالات تحرش لفظي أو تهديداً بالضرب بين الطالبات، وتضيف «هذا ليس تحرشاً جنسياً».
وتستدرك «لكن نسمع كثيراً عن تحرش الطلبة ببعضهم في مدارس البنين»، وهنا تدعو أولياء الأمور بعد إلقاء اللائمة على وزارة التربية «طلبة المرحلة الابتدائية يتأثرون بالمنزل أكثر من المدرسة، هؤلاء يتعرضون لمشاهد جنسية واقعية أو عبر الإنترنت».
بينما يرى المدرب المعتمد في مشروع وقاية الشباب التابع للاتحاد العالمي للجمعيات الطبية الإسلامية والباحث بالأزمات الأخلاقية فالح الرويلي، أن ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال من أقدم الظواهر التي عرفتها الإنسانية منذ اليونانيين، الذين اعتبروها طبيعية ومقبولة ثقافياً وشغلت العديد من الكتاب وأرخوا لها.
ويقول إن التحرشات الجنسية بالأطفال «أمر شائع» في المجتمعات الغربية، بعد أن فتحت الباب على مصراعيه للعلاقات الجنسية، ويضيف «الاعتداءات الجنسية ثاني أسباب الوفاة للأطفال بالولايات المتحدة من سن الولادة إلى الخامسة».
ويردف «حتى في المجتمعات العربية توجد ظاهرة التحرش بالأطفال»، قبل أن يستدرك «إلا أن الدراسات فقيرة في هذا المجال لأسباب عديدة، أبرزها حساسية إثارة مثل هذه الموضوعات».
ويعدد الرويلي 4 حالات إساءة جنسية يتعرض لها الطفل، وهي الاعتداء الجنسي المباشر، لمس الأعضاء التناسلية أو تحسسها، ملامسة الأعضاء الجنسية من فوق الثياب أو تقبيل الطفل بطريقة غير لائقة، والتبصص أو عرض الأعضاء التناسلية أمام الطفل أو إطلاعه على صور إباحية.
ويرى أن السبب الرئيس للتحرش بين الأطفال هو تعرضهم لمحتويات إلكترونية جنسية «هناك أكثر من 100 ألف موقع متخصص بإباحية الناشئة، و116 ألف طلب حصلوا على مواد إباحية للأطفال يومياً، ومتوسط عمر الأطفال عند أول تعرض لمشاهد إباحية هو 11 سنة».
ويوضح الرويلي أن الممارسات ذات الطابع الجنسي في المدارس الابتدائية لا تدخل ضمن مسمى «الاستغلال الجنسي» أو «التحرشات الجنسية»، وهو يبرر «المتحرش يجب أن يكبر الضحية بـ5 سنوات على الأقل حتى يعد سلوكه تحرشاً جنسياً».
ويعتبر الطفل المتحرِش «المعتدي» ضحية هو الآخر «لأن سلوكه غالباً ما يكون نتيجة محاكاة لما شاهده أو تعرض له، وعند البحث والتحري نجد أنه تعرض لاستغلال جنسي من بالغ».
ويدلل الرويلي على فكرته بأمثلة واقعية كثيرة «في إحدى المرات وصلت شكوى ضد طفل بالصف الثاني الابتدائي، يؤدي حركات ذات طابع جنسي أمام زملائه، وبعد الجلوس معه مطولاً، تم اكتشاف تعرضه لتحرشات جنسية من قبل الخادمة عند غياب الأهل».
ويستشهد بحادثة أخرى لطفل في الثالث الابتدائي «كان يكثر اللعب بأعضائه التناسلية، قبل اكتشاف أنه يتعرض لاستغلال جنسي من قبل صديق والده وهو في العقد الرابع من العمر».
ويقول الرويلي «أي سلوكيات ذات طابع جنسي بين الأطفال يجب ألا يتم التعامل معها على أنها تحرشات جنسية بطرفين مجرم وضحية، بل الجميع ضحية الفاعل والمفعول به، وكلا الطرفين يحتاج للحماية».
وهنا يشيد الرويلي بمركز حماية الطفل وبرنامج شرطة خدمة المجتمع «معاً»، لتوعيتهم الأطفال في المدارس الابتدائية وتعليمهم كيفية حماية أنفسهم من الملامسات الخاطئة، ويقول «ثمة أيضاً حراك مجتمعي لمتطوعين من مختلف الشرائح لحماية الأطفال ومثالها (ما بنسكت) وتنفذها مبادرة إشراقات».