^ لدينا سلطة تشريعية ممثلة بأربعين نائباً يمتلكون صلاحيات واسعة بالأخص في مسألة الرقابة والمساءلة وطرح الثقة، في جانب آخر لدينا ثمانية أو تسعة (ضاعت الحسبة) من تقارير الرقابة المالية التي توضح بالأرقام حالات الهدر المالي والفساد المرتبط به إضافة إلى الأخطاء الإدارية. عناصر المعادلة موجودة بالتالي، يبقى العمل داخل المختبر (مجلس النواب) عبر وضع الأخطاء على طاولة المساءلة سعياً للتصحيح، لكن المشكلة أن هذه المعادلة لا نراها تُفعل أو تؤخذ على محمل الجد. كثير من أعضاء السلطة التشريعية ينسون ما يمتلكون من أدوات قوية ويكتفون بالتصريحات الساخنة الموجهة لوسائل الإعلام حتى تلتقطها في ممارسة باتت واضحة، في مقابل أن التأثير الفعلي لهم يكاد يكون شبه معدوم بدلالة أن لا شيء يتغير وأن الأخطاء تتضخم وتتزايد. في السابق كانت الدولة تضطلع بدور تغيير الوزراء والمسؤولين في حالة وجود أخطاء، رغم وجود حالات منح فيها مسؤولون أكثر من فرصة رغم أخطائهم الواضحة، لكن في ظل وجود مجلس للنواب اليوم فإن هذه المسؤولية ملقاة على عاتقهم، وبإمكانهم -لو توحدوا في محاربة الأخطاء بصفاء نية- أن يحدثوا الكثير من التغيير. أستغرب كثيراً حينما يقول نائب أو مجموعة من النواب إن الدولة لا تتحرك والدولة لا تفعل والدولة لا تحارب الفساد، في حين أنهم -أي النواب- هم المساءلون في بادئ الأمر عن تحركهم إزاء كل هذا، فهم المنتخبون من الشعب ليصلحوا من وضع الشعب وليراقبوا أداء الدولة ويساعدوا على تقويم الأخطاء، فهل هذا يحصل فعلياً؟! نجيب صراحة بـ«لا”، إذ كان بودنا أن نرى -قياساً بثورة الغضب النيابية العارمة إزاء كل تقرير للرقابة المالية- عمليات استجواب وطرح للثقة تطال المقصرين، لكننا لا نرى ذلك، وكل تهديد بالاستجواب إما مرتبط بتوجه شخصي لهذا النائب أو ذاك أو هذه الكتلة أو تلك، أو يكون معنياً بقضايا ليست مصيرية بالنسبة للناس. أين الخلل هنا وأين القصور؟! هل هو في بعض المسؤولين في الدولة الذين لا يقومون بأدوارهم بشكل صحيح، أم في حراك النواب أنفسهم؟! المسؤولية تقع على الجانبين، بيد أنها أكبر على مجلس النواب إن اكتفى بالتفرج وعدم التحرك الجدي، فسباته هو ما يدعو المتهاون لمزيد من التهاون. أسهل ما يمكن أن يقوم به أي نائب هو لوم الحكومة، وأسهل ما يمكن أن يقال هو الكلام العام المطلق على عواهنه، دون تحديد واضح للقضية وتشخيص للخلل والإشارة الصريحة للمعنيين بها. رئيس الحكومة الأمير خليفة بن سلمان هو أكثر مسؤول يتحرك في الدولة، مجلسه مفتوح على الدوام وتواجده على الأرض بتفقده أحوال الناس والمشاريع الحكومية مسألة لا يضاهيه أحد فيها، وكلنا يتذكر توجيهاته الدائمة للوزراء بالنزول للأرض ومقابلة الناس والعمل على الاستماع لشكواهم وحل أمورهم العالقة. كثير من المشاكل عندما تصل إلى رئيس الوزراء يتم حلها بأسرع وقت إن لم يكن في ذات اللحظة، لكن هل يعقل بأن يتحول هذا الرجل إلى لعب دور كثير من وزراء الدولة حينما تصل إليه أمور عالقة كان يفترض بأن تحل عبر قيام الوزراء بدورهم، وهنا لن نقول كلهم لكن بعضاً منهم؟! أكثر شخص متعاون مع السلطة التشريعية هو رئيس السلطة التنفيذية، وتصريحات رئيس الوزراء المستمرة بشأن ضرورة التعاون الكثيف بين السلطتين يفترض أن يكون دافعاً لكل النواب للتحرك بجدية للمساعدة في إصلاح أي خلل موجود. منصب الوزير اليوم ليس منصباً فيه ترف وبرستيج ووجاهة كما كان سابقاً حينما لم يكن لدينا برلمان، بل منصبه اليوم يضعه في دائرة الضوء ويخضع عمله للتقييم من قبل ممثلي الشعب ومن قبل الشعب نفسه، بالتالي نحن نطالب النواب بالمساءلة القوية لكل من لا يقوم بواجبه على الوجه الأكمل، مثلما نمتلك حقنا كشعب بمساءلة النواب عن حراكهم إن لم يكن يتجه ليحقق مكاسب وإصلاحات للشعب نفسه. كثيرة هي الجوانب التي يمكن أن يتحرك فيها النواب، تقارير الرقابة على رأسها، وضعية الشركات التي تمتلك الدولة أسهماً فيها وأسباب تراجع الإيرادات عما كانت عليه سابقاً وارتباط ذلك بسوء الإدارة في بعضها، مثل حال بعض الشركات التي باتت ترهق كاهل موازنة الحكومة بشكل غير معقول؟! سهل أن نلقي الكلام جزافاً ونحمل كبار المسؤولين المسؤولية والسلام، لكن الصعب هو التحرك لتشديد الرقابة والمحاسبة والمساءلة وإصلاح الأخطاء عبر محاسبة المسؤولين المباشرين عن التقصير. المنطق يقول بأنه لو كان حراك مجلس النواب مركزاً على محاربة إهدار المال العام والفساد الإداري وبالاستناد على تقارير ديوان الرقابة لكنا الآن وصلنا إلى “رقم قياسي” في عدد المساءلات والاستجوابات وطرح الثقة. أدعو الناس لقراءة تقارير ديوان الرقابة بعناية، وبعدها ليقرنوا ما فيها بحراك النواب، ويقرنوها تحديداً بالمشاهد الدرامية التي يقوم بها بعضهم، خاصة من يلقي كلاماً عاطفياً متحدثاً فيه عن معاناة الناس فقط لعلمه بأن كلامه سيسمعه الناس وسيتفاعلون معه، وليبحثوا بعدها عما فعله هؤلاء “فعلياً” لتحويل كلامهم إلى واقع، وعما فعلوه لمحاربة الأخطاء. الناس “شبعت” من الكلام الانفعالي والمواقف العاطفية، تريد أفعالاً وتطبيقاً حقيقياً على أرض الواقع. بالتأكيد ستكون قسوتنا على مجلس النواب أكبر من قسوتنا على الحكومة، لأن النواب هم من يعبرون عن أصواتنا كشعب، وهم من يمتلكون القدرة على مساءلة هذا المسؤول أو ذاك، أو حجب الثقة عنه، لكن للأسف كثير منهم -إلا من رحم ربي- “يقولون ما لا يفعلون”! ^ اتجاه معاكس.. على ذكر “يقولون ما لا يفعلون”، فقط نتساءل عل أحدهم يمتلك الإجابة: إذ ما الذي يحصل لرجال الشرطة والأمن في البحرين؟! قال عديد من المسؤولين -سنتعب في عملية إحصائهم- إن الأمن أولوية في البحرين، وأن الدولة لن تسمح للإرهاب بأن يسود في أرضنا، وأن الجميع سواسية أمام القانون، وأنه لا تسامح وتعاطف مع من يخرب ويرهب، لكن رغم ذلك نرى أن رجال الأمن تحولوا إلى “فرائس” لا يتم اصطيادها فقط بل يتم قتلها بسبق الإصرار والترصد. أعلنت حالة السلامة الوطنية العام الماضي عندما طفح الكيل وعندما بلغ الإرهاب مبلغه، اليوم الوضع أصبح أكثر خطورة عبر استهدافات صريحة وواضحة بهدف القتل طالت الشرطة وعامة الناس، أفلا يستدعي ذلك أن “تفعلوا ما قلتموه” بأن أمن البلد لا مساومة فيه، وأن الإرهاب سيحارب وسيضرب على يد مرتكبيه بيد من حديد؟! ملاحظة أخيرة، ما يحصل من إرهاب غائب عن شاشات إعلامنا بينما الإعلام الغربي يعرض مشاهد شبه يومية مما يوصله لهم دعاة الانقلاب أغلبها إما قديم أو مفبرك وممنتج بحيث يخدم حراكهم، بينما تغيب عن هذه الشاشات الحوادث الإرهابية التي يقومون بها، وعمليات استهداف الشرطة بالقتل، بل حتى تصريحات المسؤولين الأجنبيين الأمريكي والبريطاني اللذين يتواجدان في الأجهزة المعنية بالأمن لدينا، والتي بحد ذاتها يمكن أن تصنع فارقاً كبيراًً في الغرب. يقولون بأن نظرة الغرب مهمة، طيب ما الذي تم فعله لأجل تصحيح نظرة الغرب التي نراها ظالمة وخاطئة بحق البحرين؟!