^ لا نختلف حين تكون الأزمة في البحرين سياسية محضة بكل درجاتها ومستوياتها، الشرسة منها والهادئة، الكبيرة والصغيرة، القاتلة والناعمة، لأننا على يقين أن كل أزمة سياسية ولها حل. إلى هنا وكل شيء “حلو” وواضح ومفهوم، لأن السياسة هذا عالمها وهذه سِكَّتها وهذا قدرها وقدر أصحابها، فهي تصل لذروتها لكن مع تشابك المصالح وتلاقي الرؤى والمشتركات ينقلب العدو صديقاً والصديق عدواً، وهي تلك الأيام التي تتداولها الناس في ما بينها، هذا كله مفهوم؛ لكن أن تنحرف الأزمة السياسية فتنقلب إلى أزمة دينية وطائفية بامتياز فهذا ما لا يمكن السكوت عنه، أو تركه للقضاء والقدر والتفسيرات الفلسفية الأخرى، بل حينها “وهو الحاصل اليوم” سنؤكد أن خلف كل ذلك أيادي خفية تريد العبث بمقدّرات وتاريخ وذاكرة وتراب وضمير هذا الوطن، إنه الانقلاب على الشرعية المدنية في سبيل معارك دينية وصراعات مذهبية خطيرة. ليس هنالك من جماعات سياسية في البحرين تتحدث “سياسة” إلا ما ندر، بل هنالك جماعات دينية تتحدث في “الإسلام السياسي” وهي الغالبية مع الأسف الشديد، فمن خلال متابعتي لكل التغريدات الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المواقع السياسية الأخرى، اكتشفت أن المعركة أخذت طابعاً مذهبياً وطائفياً دون أن يشعر بذلك المحاربون، فهم وفي غفلة من أمرهم بدؤوا يتحدثون عن أحقية أهل السُنة أو الشيعة في العيش، وعن أحقية رموز التاريخ في الولاية آنذاك، كما أصبحوا يتناولون الفكاهات السياسية الدينية حول الخلافة الإسلامية، أما المقاطع الصوتية والمتلفزة التي تتعرض للجدالات العقدية بين المدارس الفكرية الإسلامية فهي على “أفا من يشيل” في أجهزتنا الذكية، حتى صرت حين يصلني مقطع “فيديو” لعلماء دينٍ يتحدثون في قضايا العقيدة والمذهب من هذا الطرف أو من ذاك، أمسحه قبل أن أفكر في مشاهدته. لقد حذرنا مراراً وتكراراً من مغبّة أن يتجه أهل البحرين وشعوب المنطقة للصراعات الدينية والعقائدية، تلك المعارك المكلفة التي لم ينجح الأوائل في تخطِّيها إلا عبر جسور من الجماجم ومن قطع للرؤوس. إنني أصبحت على يقين من أن هناك كثيراً من الناس يحن لتلك الذاكرة السيئة ليعيد تفاصيلها في معارك دينية شرسة، يكون حدودها الدم. «خَلْكُمْ” على السياسة ولا تذهبوا إلى تفاصيل العقائد فتلك لو كانت تحل لحلت من قبل، لكنها الاختلافات التي لا يمكن أن تنتهي، لا بالحوار ولا بالقتل، لأنها صراعات تتعلق بمعتقدات الإنسان، وما يؤمن به من قناعات واعتقادات راسخة في قلبه وضميره كالجبال، كما قال علي بن أبي طالب. نسي الكثير من الناس كيف يختلفون، وفيما يختلفون، فاتجهوا بعد النسيان الكبير إلى ساحات العقيدة فلبسوا الأكفان، واصطفوا اصطفافاً قبيحاً خلف إسلامهم السياسي وزعمائه، من دون مراعاة لمنظومة المجتمع المدني وقوانينه وأحكامه. كفرتُ اليوم بكل الأصوات الحداثية والليبرالية والعلمانية والإسلامية الوسطية، لأنني كلما أقرأ هؤلاء في مواقعهم الخاصة، وفيما ينثرونه من جمر الكلام، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تيقنتُ أنهم مازالوا يعيشون عقدة الخلافة، ومازالوا يستحضرون الإمارة الإسلامية، وهم لحد الآن يطرحون أحقية علي وأبي بكر، رغم أنهم لا يصلون ولا يصومون، لكنه الدين السياسي الذي مازال يعيش في جوانيهم إرثاً توارثوه أباً عن جد، فلم يستطيعوا أن يمسكوه ولا هم بقادرين على أن يتركوه!!. حداثي حتى النخاع، لكن حين يختم حديثه مع صديقه الحداثي الآخر في “تويتر” لا ينسى أن يقول له “نسألكم الدعاء”، وذاك يقول لصاحبه إن “موعدنا الجنة”، في اللحظة التي لا يؤمنون كلهم بوجود الله، لكنها “الجمبزة” التي تحدثنا عنها من قبل.