^   دائماً ما كانت واشنطن حريصة على التعاون مع السلطات الأمنية في البحرين سواءً كانت وزارة الداخلية أو جهاز الأمن الوطني عندما يتعلق الأمر بمعلومات حول التنظيمات الإرهابية، وتحركات الشخصيات الإرهابية التي تطاردها أجهزة “السي آي أيه” والـ«إف بي آي” في المنطقة الممتدة من العاصمة الأفغانية كابول وحتى لوس أنجليس غرباً بالنسبة للبحرين. وكذلك الحال بالنسبة للتحويلات المالية المشبوهة التي تتم عبر القارات لتمويل بعض الأنشطة الإرهابية والمناهضة للحكومات. يأتي ذلك كله في مساعي واشنطن التي أنفقت مئات المليارات من أموال دافعي الضرائب في حروب مكافحة الإرهاب في العالم منذ العام 2001، وملاحقة تنظيم القاعدة وقياداته وتصفيتهم. ولكن هل فكّرت في يوم ما أنها تعمل حالياً بشكل مقصود على إنشاء المزيد من التنظيمات الإرهابية المعادية للسياسة الأمريكية؟ قد تكون مراكز الأبحاث الأمريكية فكّرت جيداً في مثل هذه الخطوة، ومن الممكن أنها لم تدرس مثل هذا الخيار القابل للتنفيذ جداً. لنتحدث قليلاً عن هذا السيناريو الذي نرى فيه إمكانية مرتفعة للتنفيذ: هناك شعور عام بين شعوب دول مجلس التعاون الخليجي أن واشنطن تحولت من دولة صديقة وحليفة إلى دولة غير صديقة وقد يصنفها البعض بشكل متطرف بأنها دولة عدوة وسبب كافة المشاكل التي تواجهها بلدان المجلس حالياً. ومثل هذا الشعور جاء بسبب المواقف الأمريكية المعلنة منذ اندلاع موجة التغيير في منطقة الشرق الأوسط خلال ديسمبر 2010 وحتى الآن. المحصلة النهائية أن هناك اتجاهاً عريضاً لدى الرأي العام الخليجي يرى عدم الجدوى في مزيد من التحالفات مع واشنطن لأنها لا تشكل مكسباً حقيقياً لحكومات الخليج فضلاً عن شعوبها، وبالتالي يجب البحث عن بدائل. هذه الحالة أدت إلى تصاعد الكراهية والسخط ضد السياسة الأمريكية ومواقفها، وصار لدينا من يطالب بطرد القوات الأمريكية المقيمة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، والبعض الآخر يطالب بإلغاء التسهيلات التجارية والاقتصادية والعسكرية المقدمة لها. بحرينياً هذا الاتجاه لدى الرأي العام معروف وموجود، وأعتقد أن السفارة الأمريكية في المنامة تعرفه جيداً ويمكنها قياسه بشكل دقيق من خلال أدوات مختلفة. إذ يمكننا ببساطة معرفة اتجاهات الرأي العام المناهضة لسياسات واشنطن عبر شبكات التواصل الاجتماعي مثلاً، وكذلك الحال في النقاشات التي تتم في المجالس العامة والخاصة. هنا نطرح سؤالاً أعتقد بأنه جوهري، وهو موجه للإدارة الأمريكية وسفارتها في المنامة؛ هناك تواجد لتنظيم القاعدة ولديه الكثير من العناصر في البلاد، وأجهزة الاستخبارات الأمريكية تعلم جيداً مثل هذه المعلومات، وهي تعلم أيضاً أن الأجهزة الأمنية البحرينية لديها معرفة تامة بتفاصيل هذا التواجد، واستطاعت أيضاً السيطرة عليه ومنع تصاعد أنشطته حتى خلال فترة الأحداث التي شهدتها البلاد في فبراير ومارس 2011. وكذلك سيطرت عليه في فترة ما بعد عودة الاستقرار إلى الدولة إثر تلك الأحداث، والدليل على ذلك أن المصالح الأمريكية في البحرين لم تكن ضمن بؤر الاستهداف تماماً من قبل عناصر القاعدة الموجودين في البلاد. فهل تدرك واشنطن إمكانية القيام بأعمال إرهابية ضد مصالحها في البحرين؟ المصداقية والثقة في واشنطن باتت مفقودة في المنامة من قبل الحكومة والشعب بسبب سياساتها ومواقفها غير الموضوعية تجاه الأوضاع في البحرين، فضلاً عن تدخلاتها التي أدت إلى الأزمة التي مازلنا نعاني من تداعياتها. أخيراً إذا كانت واشنطن قد كافحت تنظيم القاعدة في البحرين، فإنها بسياساتها ومواقفها تجاه الأوضاع في البلاد خلقت حملة كراهية وعداء تجاه الولايات المتحدة الأمريكية من الصعوبة بمكان السيطرة عليها خلال الفترة المقبلة، وهو ما يساعد على ظهور العديد من التنظيمات الإرهابية قريباً إذا استمرت مواقفها على ما هي عليه. وأترك احتساب مقدار الربح والخسارة لمراكز الأبحاث الأمريكية التي يمكن أن تقدم لنا نتائج بحثية دقيقة حول هذا الموضوع.