تعددت المسميات التي استخدمت لوصف المسلمين داخل الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية، خصوصاً بعد هجمات كاليفورنيا الدامية وتصاعد حدة الإرهاب دولياً وارتباطه اللصيق بتنظيم داعش، غير أن سكان نيويورك وبعيداً عن كل تلك الألقاب، مازالوا يطلقون على المسلمين لقبا مختلفا يعود تاريخه لأكثر من قرن مضى، وهو "الجيران".

ولا شك أن تلك الحقائق مُوثقة تاريخيا، فالمؤرخون منذ زمن قديم تغنوا بثقافة "سوريا الصغرى" في وسط وجنوب مدينة مانهاتن، وهي منطقة قريبة مما كان يعرف بمركز التجارة العالمية. غير أن بعض الأدلة أشارت إلى أن الحي السوري تشكل بمحاذاة "لاندمارك" الكنيسة الكاثوليكية السورية "سانت جورج" السابقة، التي شكلت بدورها الأغلبية المسيحية من المهاجرين السوريين.

ومع ذلك، فالحقائق الحديثة تشير إلى أن المسلمين لا يعيشون فقط في منطقة "سوريا الصغرى"، بل تمكنوا من ممارسة شعائرهم الدينية في مساجد بالقرب من كنيسة "سان جورج"، وتمكنوا من الاختلاط والمعايشة مع جيرانهم من الطائفة المسيحية بين شارع جرينيتش وواشنطن.

وفقا لصحيفة "نيويورك تاميز"، قال تود فاين، رئيس الجمعية التاريخية بشارع واشنطن، وطالب الدكتوراه في التاريخ بجامعة نيويورك: "إن وجود المسلمين في نيويورك تحديداً يجب ألا يولد الخوف، لأنهم ليسوا عناصر دخيلة في المجتمع، المسلمون ساهموا في بناء ثقافة نيويورك، ولا يمكن لأحد أن ينكر فضلهم ومساهمتهم في ثقافتنا، وبالأخص هنا في نيويورك".

وأضاف فاين "الأغلبية في أميركا لا تنكر فضل المهاجرين في بناء أميركا وخلق ثقافة ثرية، فعلى سبيل المثال، مسجد الجامعة في منطقة "سوريا الصغرى" هو أحد النماذج الأنيقة لتعايش الحضارات والأديان في نيويورك، وهذا المزيج الفريد يظهر أن المسلمين ينتمون بالفعل لثقافتنا".

إلى ذلك، نشرت صحيفة "السن" في فبراير عام 1912 مقولة تشير إلى ممارسة المسلمين لشعائرهم الدينية في نيويورك "رغم أن صوت الأذان لا يسمع بنيويورك، إلا أن المسلمين كانوا ومازالوا يمارسون صلاتهم بحرية في هذه المدينة".

وكشفت الصحيفة حينها، وهي تبعد 16 مفرقا عن مسجد الجامعة أنه "رغم عدم وجود أي علامات تظهر وجود مكان عبادة للمسلمين هناك، إلا أن المسلمين كانوا يجتمعون عند كل صلاة لأداء مناسكهم بكل يسر وسهولة".

وأضافت الصحيفة "وفي وقتها وبعد مرور الوقت أصبح المكان مخصصا لمحال الحلاقة ومكتبا مؤجرا للقنصلية العثمانية، وكان خاصا بمحمد أحمد أفندي الذي كان يشغل إمام وقنصل السفارة العثمانية.

وأشارت الصحيفة إلى أنه "منذ عام 1910، روج الإمام لمزيد من الأنشطة الدينية، ومن ضمنها تشجيع المسلمين على إظهار شعائرهم الدينية بشكل أوسع، وتشجيعهم على الانضمام لمزيد من حلقات العلم داخل المسجد، لذلك تم تطوير المسجد وتوسعته لاستيعاب المصلين، خصوصاً لصلاة عيد الفطر وعيد الأضحى، غير أنها كانت مخصصة للرجال فقط".

وقال فرانك موس في كتابه "ذا أميركان متروبوليس": "كان هناك أكثر من 600 مسلم في مدينة نيويورك، وكانوا ينوون إنشاء جامع للصلاة".

وقالت ليندا جيكوبس في كتابها "سترينجر إن ذا ويست": "حقبة وجود الجالية السورية في نيويورك تمتد من 1880 إلى 1900".

وقالت: ما يثبت ذلك هو وجود طالب عثماني في جامعة كولومبيا في المنشورة لمادة 1912 ضمن الأئمة للمسجد، ما يشير إلى أن المسجد كان في وقت مضى إحدى أهم الركائز في المجتمع المسلم في نيويورك، ونجح باستقطاب المسلمين من خارج الولاية.

وأضافت "حقيقة وجود المسلمين منذ 100 عام لا يمكننا تجاهلها، لكننا لا نعلم فعلياً ماذا حل بالمسجد بعد سقوط الدولة العثمانية، كل ما نعرفه أنه تم بناء ناطحة سحاب في الموقع، وأصبحت مكاتب لبعض الشركات والمحامين".

وقال كارل أنطون، مدير المخطوطات في الجمعية التاريخية بشارع واشنطن: "قد يصعب علينا إدراك حقبة ماضية من التاريخ، إلا أن جميع الدلائل تشير إلى أن المسلمين والمسيحيين لم ينجحوا فقط بالتعايش السلمي داخل سوريا ولبنان وفلسطين، إلا أن ذلك امتد إلى مانهاتن أيضا".