لم يمر عام 2015 مرورًا عابرًا.. فقد جرت خلاله العديد من الأحداث، وواجه العالم العديد من التساؤلات والمشاكل التي ما زال أغلبها يبحث عن إجابات وحلول.
وقد حاولت مملكة البحرين من خلال مشاركاتها النشطة في كافة الاجتماعات الدولية أن تساهم في إيجاد الحلول للقضايا المتعثرة دوليًا، وكان لها مبادرات عديدة في مختلف القضايا والنزاعات الإقليمية والدولية، حيث شاركت في التحالف الدولي للقضاء على تنظيم "داعش" الارهابي والتحالف لإعادة الشرعية لليمن، وعقدت العديد من المؤتمرات، وفي مقدمتها منتدى حوار المنامة، وكانت كلمتها في الأمم المتحدة محل إشادة وتقدير العالم لما اتصفت به من صدق في الطرح ومحاولة جادة للوصول بالعالم إلى بر الأمان بعيدا عن الصراعات والحروب التي لا يجن منها أحد شيئًا.
ولعل أبرز المشكلات التي واجهها العالم، وكان للبحرين موقفها الرائد منها، تلك الموجة العاتية من الإرهاب التي بدأت مناطقية، وانتهت عالمية بوقوع أحداث متتالية شملت مناطق في مختلف أنحاء الأرض كباريس وكاليفورنيا ومالي وغيرها. وكان وراء هذه الموجة تنظيم "داعش" الارهابي الذي استولى في فترة وجيزة على عدة مدن في سوريا والعراق، وبدا هذا التنظيم الارهابي خلال عام 2015 عنيفا أكثر مما كان في أي وقت سابق، خاصة مع إعلان تشكيل التحالف الدولي للقضاء عليه في أواخر عام 2014، حيث أظهرت أفلام فيديو بثها التنظيم حوادث إعدام بشعة لضحاياه بدءًا من بعض الصحفيين الأوروبيين الذين اختطفهم مرورا بالطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة ثم تصوير حالات إعدام جماعية في ليبيا وغيرها.
ولم يتوقف التنظيم عند ذلك، بل قام بتنفيذ عمليات إرهابية في العديد من دول العالم بدأت عربيا، حيث نفذ عدة تفجيرات في مساجد بالمملكة العربية السعودية ومالي ثم انتقلت إلى العالم بعد أن نفذ عمليتين إرهابيتين في فرنسا اقتصرت أولاهما على مجلة شارلي إبدو والثانية في باريس، كما نفذ هجوما بكاليفورنيا بالولايات المتحدة وهجمات أخرى في تونس ومالي وتركيا وغيرها، وهو ما استدعى العديد من الجهود الدولية للبحث عن كيفية القضاء على هذا التنظيم الذي ازداد انتشارًا وعنفا، وتمثلت الجهود لمحاربته في جهود عسكرية عن طريق التحالف الدولي وجهود أخرى لوقف مصادر تمويله ولمحاولة معالجة الأزمة السورية والتي هي الأساس لانتشاره.
يضاف لأزمة الإرهاب التي واجهها العالم عام 2015، أزمة الصراعات المسلحة في سوريا والصومال وأوكرانيا وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى ومالي وغيرها، ونتج عنها آلاف القتلى والمزيد من اللاجئين، بالإضافة إلى أزمات الفقر والجوع وغيرها، وما زالت معظم هذه الصراعات لم تجد طريقًا إلى الحل مع وجود أطراف تغذيها ومجرمي حرب ينتفعون من ورائها.
أزمة أخرى واجهها العالم تمثلت بأزمة اللاجئين التي تم تسليط الضوء عليها مع نزوح الآلاف من السوريين باتجاه أوروبا بحرًا عام 2015، وأدت هذه الرحلات على قوارب الموت إلى وقوع المزيد من الضحايا إما في عرض البحر أو أثناء انتظارهم لأيام طويلة للحصول على حق اللجوء.
ودفع ذلك الوضع أوروبا إلى عقد اجتماعات عديدة لبحث الأزمة، كما عقدت اجتماعات دولية لهذا الغرض، ونسي العالم أن أزمة اللاجئين السوريين بدأت منذ عام 2011 جراء عدم رغبة دوله الكبرى الانخراط في مسارات حل الأزمة السورية، وأن دول الخليج العربي كانت هي الأولى التي فزعت لنجدة السوريين، وأقامت لهم المخيمات والمدارس والمستشفيات، كما استقبلت مئات الألوف منهم على أراضيها بدون أن تطلق عليهم مسمى لاجئين، وقامت بكل تلك الجهود بصمت وبدون أضواء إعلامية. كما نسي العالم أزمة اللاجئين الفلسطينيين، والتي إلى الآن لم تجد لها حلا وتحمل أعباءها العالم العربي، وما زال هؤلاء يعيشون في ظروف إنسانية سيئة وفي مخيمات دون أن يلجأ العالم للضغط باتجاه إعادتهم إلى موطنهم.
ولم تقتصر المخاطر التي واجهها العالم عام 2015 على الأزمات السياسية والإنسانية، إذ كانت هناك مخاطر كبرى أخرى، اقتصادية وبيئية، حيث شهد هذا العام تباطؤًا في النمو الاقتصادي لدى عدد من الدول في مقدمتها الصين واليابان إلى جانب استمرار التدهور في النمو لدى عدد من الدول الأوروبية، وتسبب هذا بالإضافة إلى ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من الغاز الصخري في تراجع كبير لأسعار النفط العالمية، حيث تدهور سعره من 114 دولارًا عام 2014 ليصل في نهاية العام عند حاجز الـ 35 دولارًا، أي أنه تراجع ثلاثة أضعاف ثمنه العام الماضي.
وتسبب ذلك في مشاكل اقتصادية لدى الدول المنتجة للنفط لم ينجح اجتماع أوبك في ديسمبر 2015 في وضع حل لها، وبات العالم وخصوصا دول المنطقة تواجه هذا المأزق الاقتصادي.
وفي قمة المناخ (قمة الأرض) التي عقدت في باريس أواخر نوفمبر 2015 الماضي بدا أن العالم يواجه أزمة من نوع مختلف وهي أزمة الانحباس الحراري، فهناك ارتفاع في متوسط درجات الحرارة العالمية بواقع درجتين فوق مستويات ما بعد الثورة الصناعية. ورغم أن الأزمة ليست جديدة فقد وصلت إلى حد تهديد العالم بذوبان الجليد في القطب الشمالي مما يؤدي إلى اختفاء دول ومعالم بكاملها أو أجزاء منها.
ودفع كل ذلك إلى بذل الجهود الدولية للحد من انبعاثات الغازات المؤدية لهذا الارتفاع في درجات الحرارة وخاصة غاز الكربون، واستبدال الوقود الأحفوري الملوث للبيئة وخصوصا الفحم بالطاقة النظيفة الناتجة عن الشمس والرياح وغيرها. ونجحت قمة المناخ جزئيًا في الوصول إلى قرارات تبعث على التفاؤل، حيث تعهد المجتمع الدولي ممثلا بـ195 دولة شاركت في المؤتمر وخاضت مفاوضات صعبة للتوصل إلى هذا الاتفاق بحصر ارتفاع درجة حرارة الأرض وإبقائه "دون درجتين مئويتين"، و"بمتابعة الجهود لوقف ارتفاع الحرارة عند 1.5 درجة مئوية"، إضافة إلى قرارات متعلقة بدعم البيئة والتنمية المستدامة عن طريق دعم الاستثمار في الطاقة النظيفة.
وعلى مستوى العمل الدولي من خلال منظمة الأمم المتحدة أيضًا، لم تأت اجتماعات الجمعية العامة في دورتها الـ 70 عام 2015 بنتائج مثمرة سياسيًا، رغم ما حملته من ملفات وقضايا متعددة وثقال، فقد كان الصراع بين إرادات الدول عائقًا أساسيًا نحو التوصل لحلول ناجعة للأزمات التي يمر بها العالم في العديد من مناطقه. وربما كان الحدث الوحيد الباعث على التفاؤل في اجتماعات هذا العام أنه ولأول مرة يُرفع في الأمم المتحدة علم فلسطين التي تحمل صفة المراقب إلى جانب أعلام باقي الدول.
إن العالم وهو يخطو إلى عام 2016 يجب عليه السعي بخطى حثيثة إلى إيجاد حلول للقضايا الكثيرة المعلقة بسبب صراعات المصالح الضيقة ولا أمل في تحقيق ذلك سوى بتوسيع مجالات التعاون وتحجيم الخلافات، فالجميع في مركب واحد يجب التعاون من أجل إصلاحه لا التصارع من أجل إحداث مزيد من الثقوب به.