حققت البحرين في ظل التوجيهات السديدة لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى ورعاية الحكومة الموقرة برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء وبمعاضدة ومساندة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الاعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ، العديد من الإنجازات خلال عام 2015، بالرغم من الصعوبات والعراقيل التي واجهت البلاد، سيما على الصعيدين الاقتصادي والسياسي.
وبإلقاء نظرة بسيطة على ما تحقق في سجل إنجازات الدولة في قطاعاتها ومؤسساتها المختلفة، يؤشر للكثير من الدلالات المهمة، لعل أبرزها: أن هناك جهودا تبذل من أجل الوصول لمكانة أسمى للبلاد ووضع أفضل لمواطنيها الكرام، وأن الخطط الموضوعة من أجل تحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية يجري تنفيذها على قدم وساق وبقدر المستطاع، وذلك دون كلل أو ملل، وأن هناك مبشرات عديدة تبشر بمستقبل أكثر رفاهة وازدهارا خلال السنوات القادمة بالرغم مما يعترض البلاد من تحديات وعقبات ترجع في جزء كبير منها إلى عوامل خارجة عن الإرادة، أبرزها تراجع أسعار النفط في الأسواق العالمية، فضلا عن تداعيات التطورات الأمنية والسياسية التي تشهدها بعض دول المنطقة والعالم.
وفي الحقيقة، يعبر المشهد البحريني عام 2015 عن حرص أولي الأمر، كل في موقعه، والجهات التنفيذية المسؤولة، والمواطنين سواء بسواء، على قيامهم بأداء المهام المطلوبة منهم على أكمل وجه من أجل خير البلد ورفاهيتها، واهتمامهم الكامل والشامل لإزالة أية عقبات قد تعترض مساعيهم لوضع البحرين في المكان اللائق بها على خارطة المنطقة والعالم.
ولعل أصدق برهان على هذا المعنى، ما يمكن استخلاصه من الأحداث التي مرت بالمملكة طوال الأشهر الاثني عشرة الماضية، وتكشف عن مستوى بالغ من الدقة والالتزام في البذل والعمل، والتكاتف الشعبي والتضامن المجتمعي بعيدا عن التوترات التي أصابت دولا ومجتمعات أخرى، فضلا عن التفاف الكافة من تنفيذيين ومواطنين حول القيادة الرشيدة من أجل تحقيق هدف واحد يصبو إليه الجميع ويتطلعون إليه، ألا وهو تأمين البنية الداخلية للمجتمع من أية تهديدات قد تواجهها، وتعزيز قدرة المجتمع البحريني على إطلاق المبادرات وتشجيع الجهود التي تستهدف نماء أفراده ورخاء جماعاته.
يشار هنا لمسارات الجهود الوطنية المبذولة في شتى قطاعات العمل العام والخاص، وتكاملها معا، لتحقيق ما يرجوه المجتمع من أجل مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة، وهي الجهود التي يحتل فيها الإنسان البحريني أولوية الاهتمام باعتباره عماد النهضة الحديثة وهدفها وموضوعها في آن، حيث يلاحظ ذلك الارتباط الوثيق بين ثوابت العمل الوطني الثلاثة، وهي: توفير الموارد والمقومات اللازمة للاعتناء بالعنصر البشري الوطني والارتقاء والسمو به، تعليما وصحة وإسكانا وخدمات اجتماعية وغير ذلك، وبين مجالات العمل التي يمكن أن ينطلق ويبدع فيها هذا المورد الوطني المهم، والتي ستعود بالتأكيد بالخير العميم على الناس مجددا، حاضرا ومستقبلا، في صورة مشروعات واستثمارات في مجالات الصناعة والتجارة وغير ذلك.
وليس من قبيل المبالغة القول إن جهود القيادة الرشيدة لإرساء مقومات الانطلاق للإنسان البحريني من حيث التأهيل والتنمية والرفاهة هي التي أتاحت للبلاد هذا الموقع على خارطة المنطقة، وتلك المكانة التي تحظى بها لدى دول العالم المتحضر، وذلك الثقل الذي تتمتع به في الأوساط والمحافل المختلفة، الأمر الذي مكنها من أن تكون بيئة جاذبة للعمل والاستثمار، والمضي قدما في خططها التنموية الطموحة، وبيئة قادرة على استقطاب وتوطين تجارب وخبرات العالم، ومنافسا رائدا وسباقا في المحافل والساحات الدولية، وهو ما يعود بديهيا وبدوره بالخير والنفع الوفير على كافة المواطنين.
يبدو ذلك الارتباط واضحا بالنظر إلى العديد من المؤشرات والوقائع، التي سُجلت خلال عام 2015، ومدى تكامل دوائرها مع بعضها البعض لتجلب الخير على البلاد والعباد معا، وتبشر بمشيئة الله تعالى بمستقبل واعد، كما تؤكد على ذلك توجيهات القيادة الرشيدة بمواصلة الجهد والعمل من أجل رفعة البلاد ونهضة مواطنيها.
المورد البشري عماد التقدم..
يملك المواطن البحريني مستوى كبيرا من مستويات التأهيل البشري، حيث بلغت نسبة الاستيعاب الصافية في المرحلة الابتدائية 100%، وبنسبة تمدرس بلغت في نفس المرحلة 100%، ونسبة مساواة عالية بين الجنسين تقارب100%، هذا مع انخفاض نسبة التسرب من التعليم إلى أقل من نصف في المائة (0.40%)، وانخفاض نسبة الأمية إلى 2.46%.
ويضاف هذا المستوى التعليمي العالي لخدمات تنمية المجتمع والرعاية والتأهيل الاجتماعي، التي تقدم لكافة الشرائح في القطاعات التي تمثل الناس، حيث الدعم المالي وتلبية الاحتياجات وتنمية روح العمل الطوعي وخدمة الغير، وهو ما أدى على سبيل المثال لا الحصر إلى فوز برنامج الربط الإلكتروني لمشروع الدعم المالي ضمن المشروعات التي تم توثيقها كأفضل الممارسات الحكومية، ووصول عدد أرباب الأسر الذين استلموا التعويض النقدي مقابل رفع الدعم عن اللحوم 144,474 رب أسرة بإجمالي وصل إلى 5,785,728 دينار بحريني.
وكذلك الأمر بالنسبة لمستويات الرعاية الصحية التي يتلقاها المواطن البحريني، والتي تعد الأعلى في المنطقة، حيث بلغ عدد المترددين على 28 مركزا صحيا عام 2015 حوالي 4 مليون فرد بمختلف المحافظات والتخصصات، وتجاوزت التغطية بالتطعيمات الروتينية للأطفال 97%، ولطلبة المدارس 90%، ولكبار السن في دور الرعاية النهارية ودور المسنين 95%، ناهيك بالطبع عن الرعاية الثانوية في نحو 7 مرافق صحية رئيسية، حيث يُعد مجمع السلمانية الطبي الأضخم، وبلغ عدد المترددين عليه 348.354، وعلى دائرة الطوارئ والحوادث 215.250، وعلى وحدة الحالات اليومية 6.503، وعلى العمليات الجراحية 14.125، وبعدد ولادات 5.503، وعدد المواليد الأحياء 5.456.
ولا شك أن لذلك المستوى الخدمي مدلولاته، حيث قدرة المواطن البحريني على العمل والكسب بدليل المحافظة على معدلات البطالة في الحدود الطبيعية والآمنة، وخاصة في الربع الثالث من عام 2015، والتي استقرت عند 3.1%، مع توظيف 25578 بحرينياً بعقود دائمة حتى نهاية أكتوبر 2015 في مختلف مؤسسات القطاع الخاص ضمن برامج البحرنة، فضلا عن مشروعات تحسين الأجور والرواتب ودعم الموارد والخبرات البشرية الوطنية.
هذا بجانب العيش في رفاهة ربما يُحسد البحرينيون عليها، حيث لا يقل متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي عن 15 ألف دينار سنويا، حسب كثير من الإحصائيات، وهو أمر يترافق معه توفير السكن الملائم للمواطنين، حيث يبلغ عدد الوحدات قيد التنفيذ عام 2015 في مشاريع المدن الجديدة، 6226 وحدة سكنية، وذلك ضمن الجدول الزمني لبناء 25 ألف وحدة سكنية تنتهي بنهاية عام 2018.
البنية التحتية وإطلاق الطاقات..
على صعيد البنية الأساسية، والتي جعلت من البحرين خيارا رئيسيا للعمل والاستثمار، تبرز هنا العديد من الإنجازات المحققة خلال عام 2015، والتي تبشر بالمزيد خلال السنوات القادمة، حيث تسجل المؤشرات، مثلا لا حصرا، نجاح قطاع الكهرباء في تلبية الطلب عليه بقيمة استهلاك تقدر بـ3441 ميجاواط بارتفاع قدره 9.2% عن العام 2014، وكذلك الأمر بالنسبة للمياه، ودون انقطاعات جوهرية مؤثرة، كما استكمل جزء ملموس من عملية تأسيس وتشغيل 11 محطة فرعية جديدة لنقل الإمداد الكهربائي سعة 220 و66 كيلو فولط، وتم اتخاذ العديد من الإجراءات والتدابير لتحقيق الاستخدام الأمثل للماء والطاقة المستهلكة، ومنها: إنارة بعض الشوارع العامة بواسطة الطاقة الشمسية، هذا فضلا عن المشاريع النفطية التطويرية كمشروع تحديث مصفاة التكرير ومرفأ البحرين للغاز المسال وخط أنابيب النفط الجديد بين البحرين والسعودية وغيرها من المشروعات.
الأمر ذاته بالنسبة لمشاريع تطوير شبكة الطرق الرئيسية كشارع المحرق الدائري، ومشروع التقاطع الثاني على شارع الشيخ خليفة بن سلمان والطريق الرابط بين دواري 13 و18 بمدينة حمد، وشارع الجفير الدائري، ومشروع تطوير تقاطعي ألبا والنويدرات وغيرها، وهو ما يضاف بالتأكيد إلى 683 مشروعا من مشاريع صيانة وتطوير الطرق بمختلف المحافظات، وكذلك الأمر بالنسبة لمحطات معالجة الصرف الصحي، وأبرزها إنشاء محطة الهملة، وغيرها، علاوة على مشروعات أعمال الصيانة الشاملة لـ 39 مدرسة حكومية للأعوام الدراسية2015-2016 بتكلفة بلغت مليونين وخمسمائة وستة وخمسين ألفا وثمانمائة دينار.
ولا يقتصر تطوير البنى التحتية على مقوماتها المادية فحسب من طرق ومحطات وما إلى ذلك، وإنما تشمل أيضا البنى التنظيمية التي تحتاجها البحرين في الفترة المقبلة، من قبيل: إصدار عدة قوانين جاذبة للأعمال كالمناطق الصناعية والشركات التجارية والسجل التجاري والتصنيف الجديد للفنادق والنظام الجديد للتراخيص التجارية واللوائح الجديدة للمناطق الصناعية، كما تبرز موافقة وزارة الصناعة والتجارة المبدئية على 163 مشروعا في العديد من القطاعات بقيمة استثمــارات تبلغ 160,221,079 ديناراً بحرينياً توفر 4,549 فرصة عمل جديدة، فضلا عن 83 ترخيصاً صناعياً لمشروعات تبلغ الاستثمارات فيها 41,505,868 ديناراً بحرينياً، توفر حوالي 1,820 فرصة عمل جديدة.
مستقبل واعد رغم التحديات..
يبدو واضحا هنا كيف ساهمت مستويات التنمية البشرية العالية التي يتمتع ويحظى بها المواطن البحريني في جذب مزيد من برامج ورواد الأعمال والاستثمارات إليها، كما يمكن التأكيد على أن مستوى البنية التحتية التي تتفوق فيها البحرين على غيرها من الدول الصغيرة والشبيهة، طرقا واتصالات وطاقة، هي التي بوأتها موقع الصدارة ضمن الأسواق التنافسية سواء على مستوى المنطقة والعالم، وهو أمر بلا شك تعود عوائده وثمراته المنشودة على أهل هذه البلد الكرام، حيث من المؤكد أن يجني البحرينيون كافة، سيما من الأجيال القادمة، ثمرات الجهد المبذول حاليا، خاصة إذا ما علمنا أن البحرين وبنيتها التحتية وكوادرها وأجوائها باتت الخيار الأول لكثير من المشروعات.
ولعل ما يؤكد ذلك العديد من المؤشرات البديهية، منها: أن مواصلة الإنفاق الحكومي على البشر والمشروعات العامة، مثلما تبين سلفا خلال عام 2015 والمتوقع استمراره عام 2016، والذي ربما يواجه بعقبة كبيرة من جراء تراجع أسعار النفط، لكنه ومع ذلك سيخلق قيمة مضاعفة في القطاعات الاقتصادية المختلفة، فكل دينار ينفق على مقعد تعليمي أو سرير صحي أو منشأة عامة أو غير ذلك، سيعود أثره آجلا أو عاجلا على الاقتصاد المحلي بمجالاته ومستوياته المختلفة، وهو ما يضاعف من مردوده بالتأكيد.
كذلك، فإن الدورة الاقتصادية لعملية الإنفاق العام لا يمكن أن تتوقف عند حد معين، فالتدفق المالي إلى قطاعات الخدمة الاجتماعية المختلفة وتأهيل المورد البشري الوطني وتسليحه بما يتوفر من مؤهلات وخبرات وتجارب تجعله محور التنمية وأساسها الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وهو أمر بالتأكيد سيضعه في مقدمة عملية توطين الوظائف والتشغيل، ما يرفع بدوره من القيمة المضاعفة للعنصر البشري البحريني، ويوفر له أساس الانطلاق اللازم للخلق والإبداع، ويوسع من الخيارات الحياتية أمامه، وهو بالتأكيد هدف عملية التنمية وخططها الطموحة في البحرين.
ويرى خبراء في التنمية والتخطيط أن الوضعية التي تحتلها البحرين على صعيد التنافسية والحرية الاقتصادية وجاذبية بيئة الأعمال، فضلا عن مستويات التنمية البشرية العالية، وأجواء الأمن والاستقرار التي تتمتع بها وسط محيط إقليمي من التوتر، والنجاح الكبير في مواصلة عمليتي الإصلاح والدعم المؤسساتي والتنظيمي، وغير ذلك مما تسطره التقارير الدولية المتخصصة، خاصة خلال عام 2015، كل ذلك يضمن للبحرين على الأقل الحفاظ على موقعها كدولة صغيرة ناجحة استطاعت اجتياز كل الصعاب التي واجهتها بكل المقاييس، إن لم يكن التقدم بدرجات أكبر وخطوات أسرع خلال العام المقبل.