العربية :
في ذكرياتها التي أسمتها (أشياء كنتُ ساكتةً عنها) للأكاديمية الإيرانية الرفيعة آذر نفيسي، وصدرت بالعربية عام 2014 وترجمها علي عبد الأمير صالح، ثمة جملة طويلة تختم بها كتابها الذي ناهز الـ 500 صفحة، وفي هذه الجملة تختصر ماكانت ساكتة عنه في زمن مضى: "بعد الثورة الإسلامية، بدأتُ أدرك هشاشة وجودنا الدنيوي، والسهولة التي يمكنهم بها أن ينتزعوا منكَ كل ماتقدر أن تسميه وطناً، كل مايمنحك كياناً وهوية، وإحساسك بالذات والانتماء".
وتكتسب تلك الخاتمة لكتاب هو أقرب إلى المذكرات، أهمية خاصة، نظراً لكون المؤلفة أستاذة جامعية وحملت لقب "بروفيسور" وسبق لها التدريس في بعض جامعات طهران، قبل أن تفصل من عملها بعد أن رفضت ارتداء الحجاب، لتغادر هي وأفراد أسرتها إيران، نهائياً، في عام 1997 وهي الآن تكتب في كبريات الصحف في الولايات المتحدة الأميركية، وتقيم هناك.
إلا أن اختتام كتابها، بتلك العبارة الدالة إلى ماآلت إليه إيران، بعيد انتصار ثورة الخميني الإسلامية، هناك، جاء بعد أن "تذكّرت" نفيسي أشياءها بالغة الأهمية، ومنها أشياء لا تتمكن الصحافة العربية من نقلها، لأسباب رقابية، وتحديدا عندما سردت ماجرى معها وهي طفلة، في إحدى الليالي.. أو حتى في حصة دراسية بريئة، عندما قام أحد المتشدديين الإيرانيين بما قام به!
يجتمع عند آذر نفيسي، التذكر بالنقد، لأنها وهي في صدد كتابة ما يمكن أن يكون مذكرات شخصية، يتوسع التذكر ليصبح إدانات مسجّلة على نظام بدأ بـ"تقديس" ذاته ومنحها صفات "إلهية"، وتعامل من هذا المنطلق مع معارضيه، ولهذا تتذكر نفيسي ماقاله الخميني في الساعات الأولى التي تلت عودته إلى طهران: "إن التمرّد على الحكومة الإلهية تمرّدٌ على الله. والتمرد على الله بمنزلة الكفر". وأن هذا "التكفير" للمعارضين لتلك "الحكومة الإلهية" هو المقدمة الطبيعية للاستئصال والقتل.
فبعد قيام الخميني بتشكيل "منظمات مسلحة ولجان ثورية وميليشيا ثورية" وصل الاعتقال حتى إلى عشاق الموسيقى الغربية، إذ قامت تلك الميليشيات باعتقالات غير مسبوقة، انتهت بإحدى أكبر عمليات التصفية الجماعية بعدما "أعدم مئات الموظفين المنسوبين الى النظام السابق". ذلك أن الخميني كان نظّر لـ"دولة دينية يقودها "ممثل عن الله" وهو يمتلك الحق حتى بمنع النساء من التصويت بل بوصفه "شكلاً من أشكال العهر"!
لهذا تحسم المؤلفة في شهادتها وذكرياتها بأن "الثورة الاسلامية قد آذت كثيرا من المؤمنين أكثر مما آذت الكفار".
وتعيد نفيسي التذكر، والتذكير، بما قاله الخميني بعدما سيطر على الأوضاع، حيث شكل لبنة جوهرية ضد الآخر حتى لو كان هذا الآخر ايرانياً: "أطلق تصريحات لاحصر لها ضد الأقليات الدينية والعرقية" كاليهود والبهائيين، وسواهم.
وتعترف نفيسي، أن العداء للعرب، في إيران، يوجد منه "مقدار وافر في الوعي القومي الإيراني" وأن هناك ماوصفته بـ"الوجدان المناهض للعرب" في إيران.
معترفةً بأن ذلك الوجدان القومي الإيراني يطلق على العرب اسم "البرابرة" حتى انها تنقل عن أبيها الذي وفّر لها تلك المعلومات، كما ذكرت هي في كتابها، تنقل عنه إن ثمة في إيران من يقول: "ثمة أسئلة في مايتعلق بدورنا في هزيمتنا أمام العرب، ومع ذلك: من هم الذين فتحوا بوابات المملكة (الفارسية) لأولئك البرابرة؟ من هم الذين سهّلوا لهم فتح بلادهم؟".
ولعل من الأهمية بمكان، في ماذكرته نفيسي عن الصورة النمطية للعرب، في الوجدان القومي الإيراني، على حد تعبيرها، أن يطلع القارئ العربي الى صورته في تلك البلاد، وهي صورة قد يتم إخفاؤها أو عدم إظهارها، خصوصا في الفترة الأخيرة من تدخلات إيران في المنطقة العربية من العراق وسوريا ولبنان الى اليمن وغيره، حيث تنقل آذر نفيسي أن الإيرانيين لديهم "أسطورة" تقول عن العرب إنهم "فاتحون مفسدون" وأن همّ العرب هو محو "الثقافة الفارسية وبخاصة الكلمة المكتوبة".
ذكريات نفيسي ليست مجرد اختبار شخصي للواقع، لأنها تنحدر من بيت سياسي عريق، مكّنها من معرفة تفاصيل هامة، لقرب أبيها من أهل الحكم فهو كان واحداً منهم، ثم انتهت أيامه شيئا فشيئا بعد الثورة الإسلامية. وبإضافة الثقافة النقدية ومبدأ "الاعترافات" الذي ميّز جرأتها بالحديث عن كل شيء، مهما كان سريا وحميميا وحساساً، فإن ذكرياتها تتحول شهادة، وشهادتها تصبح تأريخاً يفسّر صورة إيران في المنطقة العربية الآن، وتكشُّف حقيقة نواياها العدائية تجاه العرب، وربما لهذا قالت نفيسي في شهادتها ونقلا عن أبيها: "تاريخ بلدنا مليء بالحروب والفتوحات، وبعد الثورة الإسلامية واجهنا أسوأ الفاتحين قاطبةً لأنهم كانوا أعداء من الداخل".
970x90
{{ article.article_title }}
970x90