بعد أن حفظها اللبنانيون عن ظهر قلب بفضل التسجيلات الصوتية، ها هي مسرحية "بالنسبة لبكرا شو" تتحوّل فيلما سينمائيا في الصالات اللبنانية، يتيح للجمهور اللبناني مشاهدة أنجح أعمال الفنان زياد الرحباني التي كانت عرضت في العام 1978 على خشبة المسرح في العاصمة اللبنانية.
ففي بيروت بدأت العروض الخاصة للفيلم السينمائي لمسرحية "بالنسبة لبكرا شو"، وهو عبارة عن مقاطع مسرحية تم تصويرها على مراحل من قبل الراحلة ليال الرحباني شقيقة زياد الرحباني (ممثل ومخرج المسرحية) قبل نحو 38 عاماً، بهدف مساعدة المخرج والممثلين خلال التمارين، ولم يكن مقرراً عرضها أبدا، ما يفسّر التغيير المفاجئ في الأزياء والمشاهد.
كيف اقتنع زياد الرحباني بتحويل مسرحيته إلى فيلم سينمائي؟
وفي لقاء مع "العربية.نت"، شرح محمد حمزة الناطق الرسمي لشركة أم ميديا للإنتاج كيف أبصر هذا العمل النور بعد كل هذه السنوات، فقال "في منتصف التسعينيات ألمح زياد الرحباني مرة حول أسلوبه المسرحي إلى اعتماده تصوير مسرحياته لمراقبة الأداء، كونه مشاركاً في التمثيل وبغياب مخرج يتولى مراقبة العرض وتدوين الملاحظات.
وأضاف حمزة: "هنا بدأت رحلة الانتظار، 17 عاماً نحاول إقناع زياد بالإفراج عن الأشرطة. لم نوفّر وسيلة من أجل ذلك، لكن من دون جدوى. وفي العام 2012، ونتيجة إصرارنا المتواصل وافق زياد أخيراً على تحويل اثنتين من مسرحياته إلى أشرطة سينمائية شرط ألا تؤثر التكنولوجيا الحديثة في أصالة التسجيلات".
اللقطات التي تم العمل عليها كانت قد صورت بكاميرا "سوبر 8" على أشرطة ثمانية ميليمتر، وكانت في وضع سيئ، فاضطرت الشركة المنتجة إلى إرسالها إلى لوس أنجلوس حيث استغرق ترميمها ستة أشهر، قبل أن تستقر في هامبورغ مدة سنتين لمعالجة الصوت، لتعود من بعدها إلى بيروت لإنجاز المونتاج ووضع اللمسات الأخيرة.
وتمنى محمد حمزة على الجمهور أن يغضّ النظر عن بعض الثغرات التي لم يكن ممكنا تفاديها، كالتغييرات المفاجئة في ملابس الممثلين والاقتطاع الطفيف الذي طال بعض المشاهد وغيرها من العوائق التقنية التي فرضتها طبيعة الأشرطة الأصلية، معتبراً أن هذه المسرحية قيمة مضافة للثقافة في لبنان وثروة انتظرها اللبنانيون طويلاً.
زكريا وثريا: صراع بين الحاجة والكرامة
تقدّم المسرحية رؤية موضوعية عن الصراع الاقتصادي في لبنان آنذاك على حساب المبادئ والكرامة، من خلال زكريا (زياد الرحباني) وزوجتِه ثريا (نبيلة زيتوني)، إذ تدور أحداثها في حانة في شارع الحمرا ترتادها مجموعة من الشخصيات، وفي هذه الحانة يعمل زكريا وثريا اللذان انتقلا مع ولديهما من القرية إلى العاصمة لتحسين مستوى معيشتهم. لكن غلاء المعيشة اضطر ثريا وبموافقة زوجها إلى الخروج مع الزبائن مقابل بدل مادي لتأمين مداخيل إضافية، فيبدأ الصراع الكبير مع الذات ما يؤدي إلى نتائج كارثية في النهاية.
وتعتبر "بالنسبة لبكرا شو" من أهم ما أنتجه المسرح اللبناني، إذ باتت من كلاسيكيات الأعمال الفنية التي تنتمي إلى المسرح الواقعي الذي أسسه زياد الرحباني والذي اتسم بعفوية وصراحة بالغتين، كونه يجسّد هموم الناس بلغة تشبههم وبعيداً من التصنّع والكليشيهات على خلاف ما كان سائدا آنذاك.
العرض الافتتاحي بغياب زياد
وفي العرض الافتتاحي في العاصمة اللبنانية بيروت، حضر عدد كبير من الشخصيات الفنية والإعلامية والسياسية التي شكلت هذه المسرحية جزءاً من ثقافتها الجماعية. ومن بين الحضور، المخرج اللبناني سليم الترك الذي قال لـ"العربية.نت": "إن هذه المسرحية في ذاكرة كل لبناني ولد في السبعينيات والثمانينيات، ولها أثر كبير في قلوب ونفوس الناس". أما الممثل اللبناني مجدي مشموشي، فاعتبر في حديث مع "العربية.نت" أن هذه المسرحية تذكّره بالأيام الجميلة التي كانت سائدة أيام الحرب الأهلية اللبنانية رغم بشاعتها.
الممثلان رفيق نجم (الذي يلعب دور الطبّاخ نجيب في المسرحية) وغازاروس ألطونيان (الذي يلعب دور الخواجة عدنان مالك الحانة) حضرا حفل الافتتاح وقد بدت علامات الكبر عليهما، لكنهما أعربا عن فرحتهما العارمة للبصمة التي تركتها هذه المسرحية في ذاكرة اللبنانيين، ما جعل شركة إنتاج تؤمن بتحويلها إلى فيلم سينمائي بعد كل هذه السنوات.
الفيلم الذي سيبدأ عروضه الرسمية في 21 من يناير الجاري في الصالات السينمائية ليس المفاجأة الوحيدة، فقد أعلنت الشركة المنتجة عن تحويل مسرحية "فيلم أميركي طويل" وهي أيضا لزياد الرحباني إلى فيلم سينمائي قريباً.