شارك وفدٌ من هيئة البحرين للثّقافة والآثار برئاسة سعادة الوكيل المساعد للثّقافة والتّراث الوطنيّ الشّيخة عزّة بنت عبدالرّحمن آل خليفة في الاجتماع الأوّل المشترك لوكلاء الثّقافة والوكلاء المسؤولين عن السّياحة، والذي انعقد بمقرّ الأمانة العامَّة لدول مجلس التّعاون لدول الخليج العربيّ بالرّياض، وذلك يوم أمس (الثّلاثاء، الموافق 19 يناير 2016م).
وقد افتتح الجلسة صاحب السّموّ الملكيّ الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامّة للسّياحة والتّراث الوطنيّ بالمملكة العربيّة السّعوديّة بالتّأكيد على أهميّة انعقاد هذا الاجتماع، خصوصًا وأنّ منطقة الخليج العربيّ تعيش فترةً استثنائيّة، قائلاً: (يجب أن نعيش الأمر الواقع، هنالك أبعاد اقتصاديّة، خصوصًا أمام انخفاض أسعار النّفط على مستوى العالم ومنطقة الخليج على وجه التّحديد. إن الهيئة استشعرت حتميّة الاستعداد لهذا التّحوّل منذ أكثر من 15 عامًا، ونسعى للتّأكيد على دور قطاع الخدمات في تنمية مصادر الدّخل وإثراء التّنوّع الاقتصاديّ).
إلى جانب ذلك، أوضح سموّه أنّ السّياحة يجب أن تركّز على تكوين تجربة متكاملةً، تتّسع إلى سياحة ما بعد العمرة كما في المملكة العربيّة السّعوديّة إلى استفادة اقتصاديّة وتجاريّة وحتّى سياحة ثقافيّة تستلهم التّراث الثّقافيّ في تكوين ملامحها. وقال: (نريد الآن للقادمين إلى بلادنا أن يستفيدوا روحيًّا، اقتصاديًّا، ثقافيًّا وإنسانيًّا)، وأردف سموّه: (لا بدّ من تكامل قطاع الثّقافة مع قطاع السّياحة، كي يتمّ ضخّ النّاس إلى مواقعنا وتراثنا وحضاراتنا. إنّ التّرابط بين الإنسان والمكان أصيل وكذلك التّرابط ما بين الثّقافة والسّياحة). كما أشار: (نحن في الخليج العربيّ نتمنّع بمكانة كبيرة بين الأمم، ومنذ بدء التّاريخ وهذه الأرض حاضنة للحضارات ومركز للاقتصاد، ونتعاطى مع العالم بنديّة في مجالات الاقتصاد والحضارات والتّبادل التّجاريّ والمعرفيّ، وبلادنا الخليجيّة متطوّرة وتدفع نحو المستقبل بتوازن. والسّياحة ليست مجرّد ضخّ إعلاميّ أو اقتصاديّ رغم أهميّتها بل تتجاوز ذلك إلى تعزيز العلاقة والانتماء للأرض والتّاريخ).
وخلال كلمته، ركّز سموّه على أهميّة الاعتزاز بكون دول الخليج العربيّ قد سخّرت الثّروة لأجل الإنسان، موجّهًا الانتباه كذلك إلى دور الثّقافة هذا اليوم في إعادة المكانة المستحقّة لدول الخليج والجزيرة العربيّة على السّاحة الدّوليّة في مجال الثّقافة والتّاريخ ومكانة الإنسان الذي خرج من حضاراتٍ عظيمة، وذلك من خلال اقتراحاتٍ خلّاقة وبرامج مشتركة للانتقال بالطّرح الثّقافيّ إلى مختلف الأمم، مؤكّدًا: (إنّ هذا الموضوع ليس ترفًا، بل مهمًّا، خصوصًا خلال هذه المرحلة الحساسة).
على صعيدٍ متّصل، أوضحت هيئة البحرين للثّقافة والآثار أنّ الهيئة تساندُ المحاور والرّؤى المطروحة من قِبَل المملكة العربيّة السّعوديّة، مشيرةً إلى أنّ التّكامل ما بين الثّقافة والسّياحة من شأنه تهيئة بنيةٍ تحتيّة مشتركة لأوطاننا، وأنّ السّياحة الثّقافيّة هي الاتّجاه العالميّ المعاصر للسّياحة، وهي ما تؤهّل الأوطان لتشكيل صناعة سياحيّة حقيقيّة.
وأشارت سعادة الوكيل المساعد للثقافة والتراث الوطني أثناء الاجتماع إلى ضرورة وضع وتنفيذ مشاريع ذات رؤية موحّدة لجميع دول الخليج العربيّ، لاستثمار المقوّمات الثّقافيّة والتّراثيّة والتّاريخيّة لكلّ بلدٍ خليجيّ، عبر الحفاظ على هويّتة الثّقافيّة الاستثنائيّة من جهة، والتّرويج للسّياحة الثّقافيّة على المستوى الدّوليّ والعالميّ ضمن منظورٍ خليجيّ متكاملٍ، وأوضحت أنّ هذا من شأنه تأهيل أوطاننا لتشكيل تجارب متكاملة تحفظ الخصوصيّة الفريدة لكلّ موطنٍ، وتنسجُ تجاربَ متّصلة ما بين الأوطان. وقد جاء هذا الاقتراح مؤيّدًا لما وردَ في كلمة صاحب السّموّ الملكيّ الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامّة للسّياحة والتّراث الوطنيّ بالمملكة العربيّة السّعوديّة الذي أشار بالقول إلى (ضرورة إيجاد رابطٍ محوريّ ما بين الدّول، لتطوير السّياحة ودفع الزّائر القادم لأغراض السّياحة الدّينيّة ينتقل إلى تجارب أخرى في جميع دول الخليج العربيّ).
من جهة أخرى، أشارت سعادتها إلى أهميّة تحقيق تكاملٍ في السّياحة الثّقافيّة بين دول مجلس التّعاون لدول الخليج العربيّة وذلك من خلال التّكامل في التّرويج لموارد السّياحة الثّقافيّة أو التّراثية لدول المجلس، مقدّمةً مثالاً للمواقع الأثريّة ذات العلاقة التّاريخيّة والتي تعود إلى الألفيّة الثّانية قبل الميلاد، كما في سلطنة عمان وموقع قلعة البحرين في مملكة البحرين والمواقع الدّلمونيّة ذات العلاقة في دولة الكويت. كما وجّهت سعادتها بضرورة أن يكون ذلك التّكامل موازيًا أيضًا للتّرويج للتّراث غير المادّيّ المشترك، وهو ما تمّ تحقيقه في خطوات سابقة عبر الاشتغال على عددٍ من ملفّات التّراث الإنسانيّ العالميّ كتراث المجالس وتراث القهوة العربيّة (تراث إنسانيّ عالميّ أُدرِجَ على قائمة اليونيسكو بالاشتراك ما بين دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، المملكة العربيّة السّعوديّة، دولة قطر وسلطنة عمان)، تراث الرّزفة (بالاشتراك ما بين دولة الإمارات العربيّة المتّحدة وسلطنة عمان)، بالإضافة إلى العديد من المقوّمات التّراثيّة المشتركة مثل الصّقارة والتّغرودة والعيّالة والسّدو.
وفي إطار الاشتغال على تجربة متكاملة للتّراث الثّقافيّ التي تشمل التّراثين المادّيّ واللّاماديّ، اقترحت هيئة البحرين للثّقافة والآثار إطلاق مبادرة تُعنى بالتّراث الثّقافيّ يتمّ تفعيلها انطلاقًا من مملكة البحرين بناءً على توجيه صاحب السّموّ الملكيّ الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود رئيس الهيئة العامّة للسّياحة والآثار الذي دعا هيئة البحرين للثّقافة والآثار لمتابعة تنفيذ ميثاق المحافظة على التّراث العمرانيّ في الدّول العربيّة من خلال المجلس الوزاريّ العربيّ للسيّاحة في دورته (16)، وهو ما يتيح لدول الخليج العربيّ تحقيق الرّيادة في هذا الاتّجاه على المستوى العربيّ، بالإضافة إلى المستوى العالميّ لوجود المركز الإقليميّ العربيّ للتّراث العالميّ في مملكة البحرين، والذي يُدرجُ السّياحة الثّقافيّة كهدفٍ رئيسيّ للاشتغال على المواقع التّراثيّة والأثريّة، والتي بإمكانها تجاوز التّحدّيات الاقتصاديّة كما فعلت كمبوديا التي تمكّنت من تحقيق 25% من عائد الدّولة من خلال السّياحة الثّقافيّة خلال أعوام معدودة، وكذلك الفيتنام استطاعت تجاوز خطّ الفقر خلال أقلّ من 10 أعوام عبر السّياحة الثّقافيّة والتّراثيّة.