تحتفل مملكة البحرين في الرابع عشر من فبراير الجاري بالذكرى الخامسة عشرة للتصويت على ميثاق العمل الوطني، الذي يعد وثيقة متكاملة للإصلاح والتحديث في جميع المجالات، وبلورة لمشروع جلالة الملك الإصلاحي الذي تعهد جلالته بتنفيذه منذ تولى مقاليد الأمانة عام 1999. حيث حدد الميثاق الأسس والمقومات الحضارية لمملكة البحرين الدستورية المدنية المتقدمة. وهوية البحرين الحضارية التاريخية العربية الإسلامية, والمقومات الأساسية للدولة والمجتمع, وعلاقات البحرين الخليجية والعربية والدولية.

إن مملكة البحرين إذ تبتهج لهذه الذكرى الخالدة في قلوب جميع أبناء الوطن لتتذكر بكل فخر واعتزاز ائتلاف أفئدة أبناء الوطن جميعهم في هذا اليوم الخالد في ذاكرة التاريخ على حب الوطن والعمل على ازدهاره وتنميته من خلال التصويت بنسبة 98.4% في يوم مشهود كان بداية لنهضة شاملة في جميع المجالات. فقد غدا الميثاق الوطني القاعدة الأساسية لجميع التغييرات السياسية التي شهدتها المملكة في عصرها الإصلاحي الزاهر.

وبعد 15 عامًا على التصويت على ميثاق العمل الوطني يحق للجميع أن يفتخر بالإنجازات الكبيرة التي تحققت على أرض المملكة على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنمية البشرية التي أسس لها الميثاق. فقد تحولت البحرين إلى مملكة ناهضة يشار لها بالبنان تمتلك برلمانًا قويًا أتيحت له جميع الصلاحيات التشريعية والرقابية من أجل أن يكون شريكًا في العمل الوطني، ينتخب من جميع المواطنين رجالا ونساءًا بعد أن تم فتح الباب للمرأة للترشح والانتخاب، وتكونت الجمعيات السياسية وهي أقرب لنموذج الأحزاب السياسية، كما نشأ مجتمع مدني قوي وناشط في مختلف التوجهات الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية، وتكونت النقابات التي تمثل العاملين وتعبر عن رؤيتهم وتسعى لنيل حقوقهم.

وفي مجال حقوق الإنسان استطاعت مملكة البحرين بفضل المبادرات الإصلاحية والإنفتاحية التي اتخذها حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أن تحقق إنجازات شاملة ورائدة عبر عنها بجلاء انضمام المملكة إلى معظم الاتفاقيات الحقوقية الدولية وفي مقدمتها العهدين الدوليين السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وإنشاء المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في العام 2010 وفقًا لمبادئ باريس الدولية، والتعاون مع المؤسسات الدولية الحقوقية وفي مقدمتها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، مما أوجد حالة فريدة من التعايش السلمي والوحدة الوطنية بين جميع الطوائف والأديان في إطار العدالة والمساواة ما انعكس بشكل إيجابي على تعزيز الاستقرار.

وفي المجال الاقتصادي أسس الميثاق لاقتصاد وطني متنوع قادر على مواجهة كافة التحديات الإقليمية والعالمية وذلك من خلال تعزيز دور القطاع الخاص والانفتاح على الاقتصاد العالمي والنهوض بمقدرات المواطن البحريني وتحسين مستوى معيشته. وتعد رؤيـة مملكة البحـرين الاقتصادية 2030 ترجمة حقيقية وامتدادا لمبادئ الميثاق الذي أشار في فصله الثالث إلى الأسس الاقتصادية للمجتمع المتمثلة في مبدأ الحرية الاقتصادية، والملكية الخاصة، العدالة الاقتصادية والتوازن في العقود، وتنوع النشاط الاقتصادي ومصادر الدخل القومي، والبيئة والحياة الفطرية، والأموال العامة والثروات الطبيعية، والعمالة والتدريب.

وقد انعكس هذا الجهد الاقتصادي الكبير من جانب المملكة إيجابيًا على وضعها الاقتصادي فقد أصبحت تحتل المراكز المتقدمة في التقارير الاقتصادية الدولية من حيث حرية الاقتصاد وحيويته وقدرته على مواجهة الصعاب والأزمات، وأحدث هذه الإنجازات حصول مملكة البحرين على المرتبة الأولى إقليميًا والـ18 عالميًا في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2016 الصادر عن مؤسسة هيريتيج الدولية، بفضل ما تتمتع به من كفاءة تنظيمية، وحرية مالية ومرونة اقتصادية، وأشار التقرير إلى أن الحكومة تشجع الاستثمار في قطاعات غير الطاقة، مثل: التمويل والبناء لتقليل الاعتماد على تراجع احتياطيات النفط، وأن البحرين مركزًا إقليميًا للكثير من الشركات متعددة الجنسيات التي تقوم بأعمال تجارية في المنطقة، كما تمتاز البحرين ببيئة اتصالات حديثة وبنية تحتية للنقل والمواصلات.

كما أشار تقرير صادر عن مؤسسة "كي بي إم جي" أن مملكة البحرين تتمتع بكلفة تشغيل تنافسية على مستوى دول المنطقة في قطاع الخدمات المالية. حيث كشف التقرير عن متوسط تكاليف مجموعة من العوامل بما في ذلك معدلات الإيجار التجارية، وتكلفة التشغيل، وتكلفة الأيدي العاملة، والاتصالات ونفقات المرافق العامة بالإضافة إلى متوسط تكلفة المعيشة. فمملكة البحرين توفر أيدي عاملة ماهرة ذات مستويات عالية بمتوسط معدل تكلفة أقل من باقي دول المنطقة إضافة إلى تفوق البحرين في عدد المواطنين العاملين في القطاع المالي.

واجتماعيًا، اتسعت أنشطة جمعيات ومؤسسات المجتمع المدني منذ انطلاق المشروع الإصلاحي من حيث الكم والكيف تماشيا مع عهد الانفتاح السياسي ومناخ الحريات فقد أعطى الميثاق لكل القوى السياسية والفكرية والمجتمعية بكل انتماءاتها وتوجهاتها، كامل الحقوق الديمقراطية, في التنظيم, وحرية العمل وطرح ما تشاء من دون قيود. وفي الوقت الذي لم يتجاوز فيه عدد الجمعيات الأهلية 66 عام 1992 أصبح عدد هذه الجمعيات أكثر من 600 مع نهاية عام 2015.

وفي مجال تعزيز الشفافية والرقابة تم إنشاء ديوان الرقابة المالية في مملكة البحرين في 2002 في إطار سعي المملكة لاستكمال مؤسساتها الدستورية قبل أن يتحول إلى ديوان الرقابة المالية والإدارية في 2010 بهدف التحقق من سلامة ومشروعية استخدام"الأموال العامة وحسن إدارتها" من خلال قيم النزاهة والموضوعية والحياد والاستقلالية والسرية والكفاءة والتعاون، ويتم بشكل سنوي نشر التقرير وتقوم الحكومة الموقرة بتوجيه الوزارات والهيئات إلى إصلاح أوجه الخلل التي يبرزها ولا تتوانى عن تقديم المقصرين إلى النيابة إذا ثبت بحقهم أي مخالفة تستلزم ذلك.

وأقر الميثاق كفالة الدولة للخدمات التعليمية والإسكانية والرعاية الصحية والعمل.. وفي هذا المجال نجحت مملكة البحرين في تحقيق مستويات عالية في تقديم هذه الخدمات للمواطنين حيث وجهت المملكة جل جهدها ومواردها لتوفير الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والاجتماعية لجميع المواطنين مع الاهتمام بذوي الدخل المحدود وتوجيه الرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة وكان من نتاج ذلك أن حققت المملكة بنجاح أهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتحدة كما شهدت بذلك المنظمة الدولية في أحدث تقاريرها عام 2015، وتصنف البحرين من ضمن الدول ذات الفئة المرتفعة جداً في مجال التنمية البشرية في تقرير التنمية البشرية الصادر عن الأمم المتحدة متقدمة عن العديد من دول العالم رغم محدودية مواردها.

وعزز الميثاق الحقوق السياسية والقانونية للمرأة البحرينية باعتبارها شريكًا للرجل في مسيرة الإصلاح والانجاز، وكفل لها ممارسة حقوقها السياسية كاملة لأول مرة متقدمة على نظيراتها في العديد من دول العالم، حيث نص الميثاق على منح المرأة حقوقها السياسية كاملة ترشحاً وانتخاباً، ومساواتها مع الرجل في جميع ميادين الحياة . كما تضمن الدستور البحريني عام 2002 الكثير من المبادئ الدستورية التي دعمت الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية للمرأة، والتي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1984.والآن ونتيجة الجهود المبذولة من جانب القيادة الرشيدة والحكومة الموقرة والمجلس الأعلى للمرأة برئاسة صاحبة السمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة حققت المرأة البحرينية إنجازات هائلة فقد وصلت بالانتخاب المباشر إلى مجلس النواب والمجالس البلدية كما أصبحت تمثل 25% من تشكيلة مجلس الشورى وأصبحت المرأة وزيرة ومديرة وقاضية وسفيرة وسيدة أعمال ورئيسة جمعية وغيرها من المناصب الرفيعة كما أصبحت تشكل حوالي 50% من القوة العاملة في الحكومة والقطاع الخاص.

ومنذ إقرار ميثاق العمل الوطني شهدت مملكة البحرين تحقيق عدة انجازات ومكاسب على صعيد حرية التعبير والرأي المسؤول في كافة وسائل الإعلام والتعبير في ظل دولة المؤسسات والقانون حيث نص الميثاق على أن لكل مواطن حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بأي طريقة أخرى من طرق التعبير عن الرأي أو الإبداع الشخصي وأن حرية البحث العلمي وحرية النشر والصحافة والطباعة مكفولة في الحدود التي يبينها القانون وهو ما أكدته المادة 23 من الدستور المعدل بأن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة أو الطائفية. وبعد 15 عاما من إقرار الميثاق ارتفع مستوى طرح الصحف من حيث التحرير والنقد بكل قوة وحرية, كما زادت أعدادها في فترة قياسية من أربع صحف يومية فقط قبل تولي جلالة الملك مقاليد الحكم إلى 14 صحيفة يومية وأسبوعية إلى جانب إصدار العشرات من المجلات والمطبوعات والنشرات الدورية المتخصصة عن العديد من الجهات الرسمية والأهلية من بينها 65 مجلة أسبوعية وشهرية .

إن شعب مملكة البحرين ينظر إلى ذكرى التصويت على ميثاق العمل الوطني بعيون ملؤها الفخر والاعتزاز وتجديد الولاء لهذا الوطن الغالي وقيادته الرشيدة، معتبرا هذه الذكرى الغالية يوم فرح وعرس وطني بعدما دخلت المملكة منذ إقرار ميثاق العمل الوطني في مرحلة جديدة يعمها الأمل والطموح. فقد استطاعت أن تقطع أشواطا كبيرة على صعيد النهوض والازدهار، وأصبح لديها تجربة رائدة وشاملة في الإصلاح ينظر إليها العالم بكل تقدير، وها هي تستكمل المسيرة نحو التقدم والازدهار متسلحة بعزيمة قيادتها الحكيمة على مواصلة المشروع الإصلاحي الكبير والبناء عليه ووحدة أبنائها الذين أثبتوا أن وحدتهم أقوى من كل المكائد والمخططات الخارجية.