الحرية، الاعتماد على الذات، تنويع مصادر الدخل، التوفير، الإقرار بحق التعايش… الحوار.


كلمات ترددت أمام سمعي عشرات المرات منذ دخلت البحرين حتى غادرتها.

جميل أن تتراقص أمامك هذه الكلمات، والأجمل أن تراها موضع تطبيق حقيقي في جزيرة تملك أكبر رأسمال في الخليج، وهو الديناميكية البشرية… الفائض الجيد من العقول التي تخوض مارثونًا من إرادة البقاء، وتحقيق التواجد المشترك، على سطح موقع متشبث بالماء، زاخر بالحياة والايام الداكنة والمشمسة. ليلة ويوم واحد غير كافيين لملء رئتيك من هذا العالم السريع الحركة كي تتنفس مع معلومات طليقة من شبهات وحدانية الرأي، والاتجاه الأبتر..


كل ما يمكن قوله إن البحرين ينمو بشكل مريح… لوحة فنان أمضى وقتًا كافيًا لتجميع ألوانها بتناسق على درجة غير صادمة، بل تؤدة ظاهرة.


ظلت روح الوزير القدير يوسف الشيراوي ترفرف على أجواء المنامة كلما لممت بها… فوق الجسر، في المطار، في آفاق التنمية المولودة أو التي لم تلد ولم تولد.


تحدث نبيل الحمر عن علاقته بيوسف لليالٍ وكيف اختلفا، ثم تصافيا، وفي مجلس الشيخ خليفة بن سلمان بن خليفة أعتق مسؤولين خليجيين فاعلين: الشيخ صباح الأحمد الجابر، الملك سلمان، السلطان قابوس. «كان الاستاذ يوسف الشيراوي يكتب لي الرسالة تلو الرسالة، ناصحًا، مقترحًا، مناقشاً، حتى صرت أملك صندوقين من رسائله، ما زلت أحتفظ بهما، وقد دونت بعض الملاحظات». بادرت سائلاً السياسي الخليجي المحترف: وهل يأذن سموكم لي كصديق ليوسف ومحب له الاطلاع على هذين الصندوقين؟! ابتسم وقال مازحًا ومتخلصًا: «وانت لديك أوراق كثيرة». أعجبني تخلص الرئيس وإن كان لي أمل في ظهور هذه الأوراق.


استقبلني الشيخ خليفة المختلف، الذي يملك رصيدًا ضخمًا من المؤيدين وخلافهم في قصر القضيبية، إذ يستعد لترؤس جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، وبجانبه السياسي القدير محمد بن مبارك نائب رئيس الوزراء وأول وزير خارجية بحريني إبان إشعاع الاستقلال، وجمع من الوزراء وعدد آخر من مجلسي النواب والشيوخ. المجلس كان غنيًا مليئًا بالحوارات وتبادل الآراء بين السلطتين التشريعية والتنفيذية... الشيخ الحاسم كما يسميه أهل البحرين، متوقد الذهن يأخذ الحاضرين الى مواضيع متعددة من البحرين حيث حديث رفع الدعم على السلع، والأمور المعيشية التي تهم المواطن البحريني وأعضاء المجلسين على غير اتفاق تام. ثم ينطلق الشيخ الحاضر الذهن والبديهة «هذه صفة بحرينية لدى الجميع»، متحدثًا ومعلقًا على احداث الصباح وصحف الصباح، مطالبًا الإعلام بالتوسع في الرأي والوصول الى الأعماق… ومناديًا بالحوار المستمر بين كافة الاطياف. استوقفتني كلمة الحوار وكأنها تقال للمرة الاولى… نعم بالحوار ستكون البحرين لكسمبورغ المنطقة. بالحوار ستغدو البحرين أعلى وأغلى وأكمل. وحول ذلك يمكن قول الكثير من الكلام.


على طول تجوالي منذ مطلع العام… وإنفاقي تليد الوقت، وصبوتي الى السفر، ولقاءاتي المتعددة، لم أجد شخصًا متفائلاً، مشبعًا بالأمل فرحًا بالأوضاع كما هو ولي عهد البحرين الشيخ سلمان… وهو يشغل عدة مناصب في مقدمتها نيابته الأولى لعمه الشيخ خليفة في مجلس الوزراء. وما التفاؤل سمو ولي العهد.. أعلى هذه الأوضاع السيئة اقتصادًا، حربًا، سياسةً تناثرًا…؟ يجيب ولي العهد المثقف المتعلم وقد أجلسني على يمينه: الأوضاع التي مرت بِنَا غير طبيعية، لقد حذرت قبل خمس سنوات وكان مشروعي قائمًا وما زال على حرية السوق، والانفتاح، وتطبيق قيم العمل… أشعر الآن أننا نعيش حركة تصحيحية اقتصادية واجتماعية نحتاج لها بعد فترة طويلة من الاسترخاء، ولي العهد البحريني له رؤية خاصة في ما يجري من عواصف. لم نتطرق في حديثنا الى تلك الدعوة إلى الحوار الوطني التي أطلقها الشيخ سلمان منذ سنوات كأنها خفتت أو تم تجاوزها. كان ولي العهد «ولد عام 1969» منصرفًا في حديثه إلى التنمية… إلى التطلع إلى آفاق جديدة للاستثمار وتحويل البحرين إلى قاعدة سياحية واقتصادية. كان يتحدث بحماس وثقة.


فهو ليس ولي عهد بل مهامه تشمل رئاسة القوات المسلحة وعضوية مجلس الوزراء كنائب أول ورئاسة لجان للتنمية والإنعاش… مناصب متعددة لولي عهد مثقف، تستطيع التوسع بالحوار معه حتى حول الموسيقى الكلاسيكية. يتحدث بثقة عن البحرين التي يراها شعبًا واحدًا مع تعددية الالتقاء: «لم ننجز الكثير لكننا في الطريق الى الإنجاز، بعض الثمار بدأت تظهر… نحتاج إلى نظرة متكاملة حين نتحدث عن مشروع ما، السياحة، مثلا، تحتاج إلى قوائم متعددة ترتكز عليها لكي يكون هناك جذب سياحي».


هنا أُلخص بعض أفكار ولي العهد البحريني التي قالها: * التحديات الماثلة جراء انخفاض أسعار النفط تمثل فرصة حقيقية لنا لإصلاح هيكلة الصرف والميزانيات بالمنطقة.


*مبادىء ثابتة نعمل عليها وهي الاستدامة والتنافسية والعدالة.


* إعادة الهيكلة تتطلب مبدأ أساسياً: لا خدمة بلا رسم ولا رسم بلا خدمة مع الاستمرار بتحسين وتطوير الخدمات الحكومية.


* الأدوات الاساسية التي نستند إليها هي:


- حكم القانون


- الرأسمالية


- الشورى


* متفائل جداً وأساس التفائل إننا كنّا متوقعين هذه التحديات وعملنا منذ سنوات ليكون اقتصادنا قادراً على التعامل مع الوضع من خلال التنوع والقدرة على النمو.


* هناك مشاريع استراتيجية قائمة وقادمة سواء من خلال برنامج التنمية الخليجي والمشاريع الحكومية المستمرة والقطاع الخاص خلال فترة إعادة الهيكلة، وهي ما ستجعلنا نحافظ على وتيرة النمو والاستقرار.


قلت للملك حمد: صاحب الجلالة، كنت مع ولي العهد وكان متفائلاً هل توافقه مولاي؟


قال جلالته: إنه شيء يسر الخاطر هذا الشعور أنني اثق في نظرة سلمان.


انطلقت كالعادة لزيارة جلالة الملك مصحوبًا بالمستشار الاعلامي العريق نبيل الحمر.


كالعادة استقبلني جلالته بكامل الاناقة وأدقة الوقت… وكان كعادته مملؤًا بالحيوية والثقة بمستقبل للبحرين يستند الى المدروسة الاقتصادية والحريّة قال جلالته كلامًا طمأنني .. فيه نبرة الرغبة في الإسراع بعجلة التطوير والتغيير.


كلام الملوك… تختزنه الصدور حتى يعلونه هم ..!