تأتي مبادرة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى، بإطلاق اسم المغفور له بإذن الله تعالى صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية السابق على أحد شوارع مملكة البحرين، تكريما ووفاء للراحل الكبير الذي لم يبخل بجهد في الدفاع عن مصالح البحرين الحيوية في المحافل المختلفة، وتعبيراً صادقاً لما له من مكانه خاصة في قلوب قادة المملكة الذين رأوه خبيرا دبلوماسيا محنكا وواحدا منهم، وتعبيراً صادقاً لما له من مكانه خاصة في نفوس الشعب البحريني الذين فقدوا رجلا من أبرز رجالات الفكر والسياسة والدبلوماسية العربية والخليجية.
ولا شك أن هذه الخطوة الكبيرة، التي ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بالتأكيد، حيث سبقها في مارس عام 1976 افتتاح أحد أكبر شوارع البحرين الرئيسية، والذي يمثل واجهتها الحضارية الحديثة، وتقع على جانبيه أكثر مؤسسات الدولة أهمية، السياسية منها والاقتصادية والتجارية، وهو شارع الملك فيصل والد الأمير الراحل ـ طيب الله ثراهما..
لا شك أن هذه الخطوة المشهودة تجيء لتخلد وفاء قادة البحرين وشعبها لما قدمه المغفور له بإذن الله تعالى الأمير سعود الفيصل من مواقف لا تنسى سواء لبلاده وللبحرين التي اعتبرها دائما وأبدا بلده الثاني، أو للأمتين العربية والإسلامية، ولما عرف عن دوره الدولي والإنساني في المحافل والقضايا المختلفة.
وتجيء الخطوة البحرينية العظيمة لتضع لبنة أخرى ضمن لبنات البناء البحريني السعودي المشترك، ولتؤكد أن مملكة البحرين لن تنسى مواقف سمو الأمير الراحل الداعمة لأمنها ودفاعه عن سيادة المملكة التي لطالما اعتبر أمنها جزء لا يتجزأ من أمن المملكة العربية السعودية الشقيقة الكبرى التي تشكل العلاقات الثنائية بين البلدين أنموذجًا فريدًا لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول فهي علاقات مترسخة ومتشعبة في جميع المجالات.
لقد كانت البحرين دوماً في قلب ووجدان عميد السلك الدبلوماسي العربي والدولي، وأحد أبرع مهندسي السياسة الخارجية العرب الراحل سعود الفيصل، حيث كانت لسموه وقفات شجاعة مع المملكة، وسعى حثيثًا لمساندة البحرين والدفاع عن حقوقها وقضاياها العادلة في كافة المحافل والمنابر الدولية، دعماً لأمنها واستقرارها وتعزيزاً لجهودها في التنمية والتقدم، بل وكانت مصالح البحرين وأمنها وسيادتها بالنسبة للأمير سعود الفيصل مسألة مصيرية ولا تقبل النقاش، حيث كان بمثابة حائط صد للمؤامرات التي كانت تحاك ضد البحرين سواء في المحافل الدولية أو الإقليمية.
وأدى الأمير الراحل دورا دبلوماسيا عظيما وحكيما وناجحا، خاصة خلال الفترة التي مرت بها مملكة البحرين عام 2011, في مواقف لن ينساها شعب المملكة ويقدرها بعظيم الإجلال والامتنان، حيث رفع سموه راية الدفاع عن سيادة ووحدة مملكة البحرين وصد المؤامرة التي كانت تحاك ضدها، وجال سموه دول العالم، موضحًا الصورة للكثيرين خلال اجتماعاته غفر الله له معهم لإيضاح الصورة الصحيحة، وكان سموه يبين الحقيقة للقاصي والداني من الحلفاء والأصدقاء، وكذلك لمن كان لديهم رأى آخر أو نحوه, وكان سموه مستعدا على الدوام بإظهار الحقائق وما يجرى على الأرض في المملكة.
لقد كان الأمير الراحل سعود الفيصل يتواصل هاتفيا مع معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة خلال الأحداث المؤسفة في فبراير ومارس 2011 حتى في الليل وفي ساعات الفجر للاطلاع على كافة الأمور في المملكة, كما زار سموه البحرين في تلك الفترة عدة مرات, ووضع سموه كل جهده لإيضاح الصورة الحقيقية في مملكة البحرين, وكانت كلمات سموه كفيلة بزرع الطمأنينة والأمن والأمان في قلوب المواطنين، كما كان دوره بارزًا في تواجد قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الحيوية في المملكة.
وعبر معالي وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة عن هذه المواقف النبيلة بالقول: "إن سمو الأمير الراحل كان يعتبر في هذه الفترة بمثابة وزير خارجية مملكة البحرين بالإضافة إلى عمله"، وهي إشارة لا يدرك مغزاها غير العالمون ببواطن الأمور الذين يعرفون حجم الدور الذي قام به المغفور له في الدفاع عن قضايا البحرين أمام العالم أجمع، وحجم التقدير البحريني الكبير والواسع لهذا الجهد العظيم الذي نسأل الله أن يكون ضمن ميزان حسناته.
لقد خدم سمو الأمير الراحل سعود الفيصل بلاده وأمته الخليجية والعربية والإسلامية بغاية الهمة والتفاني والإخلاص. فقد كان دبلوماسيًا محنكًا له قوة ومواقف يحترمها كل السياسيين على مستوى العالم ويحسبون له حساب، وكان له بصماته الواضحة في رسم خارطة الدبلوماسية الخليجية بشكل عام والسعودية بشكل خاص، حيث كان له التأثير الأكبر في تعزيز الدبلوماسية الخليجية وكان صاحب آراء مؤثرة صنعت قرارات حاسمة في كثير من القضايا الإقليمية والدولية. ورحل الفيصل تاركا وراءه سجلا حافلا بالمواقف المشرفة التي لا ينكرها إلا جاحد.
وكان من أبرز جهوده ـ طيب الله ثراه ـ تدعيم مسيرة مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ إنشائه عام 1981 نحو الوحدة الكاملة، وتعزيز العمل العربي المشترك، ومساندة قضايا الأمة الإسلامية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي دعمها بقوة وكان يدافع دائما عن عروبة قضية القدس.
وقُدر للأمير الراحل أن يكون أحد أبرز وجوه المشهد السياسي في الشرق الأوسط، حيث عاصر أحداث هامة أبرزها الحرب الأهلية في لبنان وحرب العراق وإيران وكذلك العدوان على الكويت وحرب التحرير واتفاق الطائف الذي جمع الفرقاء السياسيين وأنهى مرحلة مأساوية في تاريخ لبنان الشقيق، كذلك مواقفه من الأزمة السورية وأحداث مصر وتطورات الملفات والساحات العربية خلال السنوات الأخيرة والموقف الحازم من تمدد النفوذ الإيراني.
لقد قضى سمو الأمير الراحل أربعة عقود على رأس وزارة الخارجية السعودية كان خلالها نموذجًا في الانتماء للوطن وخدمة الدين والإنسانية والكلمة الصادقة والجريئة، والوقفات الحاسمة في نصرة القضايا العربية والإسلامية في مختلف المحافل الإقليمية والدولية، وحل المشكلات والنزاعات الدولية بالسبل الدبلوماسية، وترسيخ قواعد الحوار والتعايش بين الحضارات والثقافات والأديان، وكان ملهما في مواجهة الظروف العصيبة التي تمر بها الأمة العربية.
وقد ترك الفقيد الراحل إرثًا عظيمًا ومدرسة رائدة في السياسة الخارجية الحكيمة والعقلانية، والحرص على الأمن والسلم الإقليمي والدولي وترسيخ العدالة في العلاقات الدولية.
فضلا عن ذلك، تميز سمو الأمير الراحل سعود الفيصل بسمات إنسانية رفيعة وسعي حثيث ودائم لأعمال الخير وتمسك قويم بالمبادئ السامية التي تعلي قدر الإنسان في كل مكان وفي ظل رؤية إنسانية وسياسية ثاقبة كان يتمتع بها، ولا غرو أن يسجل هاشتاق: #وداعاً_سعود_الفيصل الذي أنشأه ناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي يوم وفاته رحمه الله كأكثر هاشتاق تداولاً في العالم.
إن عميد الدبلوماسية الخليجية والعربية كان قامة قل أن يجود الزمان بمثله، وسيسطر التاريخ بحروف من نور مواقفه التاريخية حيال قضايا أمتيه العربية والإسلامية، فهو رجل لم يهاب في قول كلمة الحق لومة لائم، وشخصية استثنائية حاضرة في وجدان قيادة وشعب البحرين الذين سيتذكرونه دومًا بوقفته الشجاعة معهم ومساندته الدائمة لهم، كما ستتذكره كل الشعوب المحبة للسلام.