^   أعتقد أن الأزمة السياسية التي مرّت بها البلاد قد كشفت بما لا يرتقي إلى الشك بأن قدرة المواطن على تحمّل الرأي الآخر المخالف لرأيه، جزئياً أو كلياً، لاتزال عند حدودها الدنيا أو المتواضعة جداً، إن لم تكن في طريقها إلى الزوال، رغم الشوط الكبير الذي قطعته البلاد في مجال التربية والتعليم، وريادتها التي يشهد بها القاصي والداني في المجال الثقافي والحضاري. وفي هذا الصدد، يمكن للمرء أن يسوق العديد من الأمثلة التي تبيِّن أن الناس صاروا، يوماً بعد يوم، يضيقون ذرعاً بأية وجهة نظر لا تتوافق مع رأيهم، مهما بدت صحيحةً ومنطقيةً، ومدعومةً بالأدلة والشواهد الملموسة. ويبدو هنا أن ضيق الأفق، معطوفاً على تداعيات الأزمة وتقلّبات الزمن المعاصر، وتسارع الأحداث العالميّة بشكل مفاجئ وغير مسبوق، قد دفع العديد من المتردِّدين والمتقلِّبين فكرياً إلى تبنِّي موقف أحادي يتقاطع في الغالب مع موقف الأقارب أو الأصحاب، في محاولة لإرضائهم وبهدف التكيّف مع ضغوط الوسط المحيط ومتطلباته الصعبة. فعندما تحاول أن تقنع شخصاً ما بفكرة أن قيام بعض المراهقين بسّد الشوارع، وتعطيل الحياة اليومية للمواطنين عن طريق السلاسل والإطارات، في الوقت والمكان الذي يختارونه، يضر بمصلحة البلاد والعباد، يجيبك على الفور بأن هذه الأعمال “سلميّة ومشروعة في جميع دول العالم”، وأن هؤلاء الشبّان يقومون بهذا الفعل بعد أن “منعتهم الدولة من ممارسة حقهم في التظاهر السلمي الذي يكفله الدستور والقانون”. وإذا ما ردّدت عليه بأن الدولة تسمح للجمعيات السياسية المعارضة بأن تقوم أسبوعياً بتنظيم مسيرةً أو أكثر من مسيرةٍ مرخّصةٍ تطالب بالإصلاحات الديمقراطية، وأن هذه المسيرات تكون تحت حماية رجال الأمن ومتابعتهم الدقيقة، يجيبك بأن القانون “يرغم الدولة على الترخيص للمسيرات”، وأنها مع ذلك “تستغلّ الثغرات في القانون لعدم الترخيص لبعضها بينما ترخِّص لتجمّعات أخرى مؤيّدة لها”، ثم يحاول جاهداً إقناعكَ بأن رأيُكَ التي تفضّلت بإبدائه هو مجرّد صدى “للرأي الرسمي المتداول في وسائل الإعلام المحلية”، وحريّ بك أن تتخلّى عنه، لأن دينك يحثّك على “الوقوف مع الحق ضد الباطل”، ولأنك ستقف دوماً في صف “الباطل” طالما تتبنّى وجهة نظر أخرى مغايرة لرأيه!.