حسن الستري
أكد رئيس تحرير صحيفة الوطن يوسف البنخليل أن هناك 8 تداعيات لتراجع النفوذ الأمريكي من الخليج العربي أبرزها ظهور القوة الخليجية ومستقبل المصالح الأمريكية ومستقبل الحرب على الإرهاب، لافتاً إلى أن دراسة أجراها قد كشفت أن 91% من الخليجيين لا يثقون بسياسة أمريكا، و62% لا يؤيدون التحالف معها.
وأشار البنخليل، خلال ندوة «مصالح ونفوذ القوى الكبرى في النزاعات الإقليمية: التفاعل، ديناميكية التحول، والانعكاسات»، نظمها مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» إلى أن الولايات المتحدة تواجه مجموعة من التحديات، أهمها زيادة نسبة الفقر وفقدان الكثير من المواطنين لبوصلة التأمين الصحي، وارتفاع كلفة الوجود العسكري في الخليج، والبالغ 17 مليار دولار سنوياً، كما أن تكلفة حربها على العراق وحدها تبلغ 700 مليار دولار، إضافة إلى تراجع احتياجها من النفط الخليجي، موضحاً أن جميع هذه العوامل تجعل احتمال خروج أمريكا من المنطقة أمراً راجحاً.
من جانبه، قال رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» خالد الفضالة، في كلمته بافتتاح الندوة، إن الصراعات كانت ولاتزال هي السمة التي تميز سياسات كافة الدول الكبرى فيما بينها، انطلاقاً من حقيقة، مؤدّاها أنّ العلاقات الدولية تؤَسس على المصالح التي يتمّ التعبير عنها، من خلال التحالفات والمعاهدات، في شتى صورها، وفقاً للتحوّلات الإقليمية والدولية.
واستعرض رئيس موحدة الدعم المعلوماتي د.محمد الهاجري، بالجلسة الأولى للندوة، نفوذ ومصالح القوى العظمى التي تعاقبت سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي بشكل خاص.
في حين، تناول مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية د.أشرف كشك المحور الثاني للندوة المتعلق «بالقوى الكبرى وصراع النفوذ الإقليمي: الأزمة السورية نموذجاً»، مشيراً إلى أن التدخل الدولي في الأزمة السورية قد أدى إلى إطالة أمد تلك الأزمة.
من جهته، تناول المدير التنفيذي لمركز «دراسات» د.خالد الرويحي نفوذ القوى الكبرى في الصراعات الإقليمية: ديناميكية التحول، لافتاً إلى أن ثمة تحولاً واضحاً في المفهوم العالمي للصراع، وأن المشهد التاريخي كان يتميز بوجود قوة واحدة مسيطرة، ولكن هذا المفهوم بدأ يتغير مع القرن العشرين وخصوصاً مع ظهور الثورة الرقمية.
القوى الكبرى
وافتتح رئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات الإستراتيجية والدولية والطاقة «دراسات» خالد الفضالة، أمس ندوة بعنوان «مصالح ونفوذ القوى الكبرى في النزاعات الإقليمية: التفاعل، ديناميكية التحول، والانعكاسات» بحضور عدد من الباحثين والمفكرين، بمقر المركز بعوالي.
وقال الفضالة، في كلمة ألقاها في مستهل الندوة، إن الصراعات كانت ولاتزال هي السمة التي تميز سياسات كافة الدول الكبرى فيما بينها، انطلاقاً من حقيقة، مؤدّاها أنّ العلاقات الدولية تؤَسس على المصالح التي يتمّ التعبير عنها، من خلال التحالفات والمعاهدات، في شتى صورها، وفقاً للتحوّلات الإقليمية والدولية، وليس هذا فحسب، وإنما تظلّ قوّة الدول بمعناها الشامل محدّدة لمدى قدرتها على حماية تلك المصالح من عدمها، ضمن مناطق الصراع الدولية والإقليمية.
وأضاف أنه مع التسليم بأنّ العديد من مناطق العالم تشهد صراعاً بين القوى الكبرى، فإنّ الأقاليم التي تضمّ المصالح الإستراتيجية المهمة وعلى رأسها إقليم الشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج العربي على نحو خاص، تشهد صراعاً وتنافساً دولياً وإقليمياً مزمناً؛ للعديد من الأسباب المتعلقة بالجغرافيا السياسية لهذه المنطقة، وما تمتلكه من ممرّات إستراتيجية تعدّ بمثابة الشرايين للتجارة العالمية، فضلاً عن احتوائها على احتياطات هائلة من النفط والغاز، وعلى الرغم من تعدّد الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، فقد حاولت دول مجلس التعاون تبني السياسات المعتدلة تجاه القضايا الإقليمية، والتي تستهدف الحفاظ على معادلة التوازن الإقليمي التقليدية؛ لمواجهة جميع المحاولات التي تنفذها الدول وجماعات ما دون الدول؛ لإعادة صياغة تلك المعادلة؛ مما يمثل تهديداً للمصالح الخليجية والدولية على حدّ سواء».
الصراعات الدولية
وذكر الفضالة أنه بعيداً عن الخوض في تفاصيل تاريخ الصراعات الدولية، فإنّ ثمة بعض الحقائق، التي يجب أن تكون ماثلة في أذهاننا؛ حتى نستطيع فهم المشهد العالمي الحالي، وأوّل هذه الحقائق فكرة «الصراع المنضبط» بين القوى الكبرى في العالم، حتى في ذروة الحرب الباردة، وخلال أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، والتي وضعت العالم على شفا مواجهة نووية، حرص طرفاها - وهما الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق - على أن يكون هناك سقفٌ أعلى للصراع؛ بما يحفظ مصالح الأطراف كافة، وهو ما يمكن أن نجده ضمن سياسات الدول الكبرى اليوم، تجاه الأزمات الإقليمية، التي تعكس – وبوضوح – قدرة تلك الدول الكبرى ونفوذها. أما الحقيقة الثانية فهي الأبعاد الإقليمية للصراعات الدولية. فعلى الرغم من أنّ بعض الأطراف الإقليمية ليست طرفاً مباشراً في الأزمات الإقليمية، إلا أنّ سياسات الدول الكبرى تجاه الأزمات، على هذا النحو، قد جعلت كافة الأطراف الإقليمية ذات صلة مباشرة بتلك الأزمات، في ظل انتهاء الحدود الفاصلة بين الأمن الإقليمي والأمن العالمي.
وأشار إلى أن الحقيقة الأخرى تكمن في أنّ الصراعات ليست بالضرورة أن تكون مسلحة، وإنما لها مستويات عديدة، ومنها توظيف الاختلافات الدينية، أو المذهبية، أو العرقية؛ لخلق فجوات اجتماعية، تعرقل مشاريع التنمية في الدول، تماماً مثل الصراعات المسلحة»، مؤكداً بالقول « وتأسيساً على ما سبق، فإنّ ندوتنا اليوم لا تستهدف الحديث عن أزمات محدّدة بذاتها، أو سياسات دولية معينة، من حيث التاريخ أو المضمون، وإنما نسعى- من خلالها - إلى ما هو أشمل من ذلك، حيث تستهدف هذه الندوة بحث وتحليل الجوانب المختلفة لقضية صراع القوى الكبرى عموماً، وأسباب ومظاهر ومحدّدات ذلك الصراع، بل والأهمّ موقع منطقتنا الخليجية والعربية ضمن ذلك الصراع؛ للوصول إلى بلورة خيارات استراتيجية، على المديين القريب والبعيد؛ للتفاعل مع النظام الدولي الديناميكي، بما يصون المصالح الجوهرية لدولنا وشعوبنا».
رؤية تاريخية
وفي الجلسة الأولى للندوة بعنوان «مصالح ونفوذ القوى الكبرى في الشرق الأوسط: رؤية تاريخية»، تناول رئيس موحدة الدعم المعلوماتي د.محمد الهاجري، فيها أربعة جوانب، هي: أولاً: مصالح القوى الكبرى في الشرق الأوسط خلال القرون الخمسة الماضية، ثانياً: المحطات المفصلية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، ثالثاً: مخططات التقسيم الغربية للشرق الأوسط، رابعاً: اتجاه القوى المؤثرة في النظام العالمي.
وفيما يتعلق بمصالح القوى الكبرى في الشرق الأوسط خلال القرون الخمسة الماضية، استعرض د.الهاجري نفوذ ومصالح القوى العظمى التي تعاقبت سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والخليج العربي بشكل خاص، حيث مدت الإمبراطورية الإسبانية ـ البرتغالية في القرن السادس عشر نفوذها إلى المنطقة بدوافع تجارية هدفها إيقاف تجارة العرب البحرية النشيطة، فيما كانت طبيعة السيطرة حكماً عسكرياً قائماً على الاستبداد والقمع، وانتهت بظهور قوة سياسية عسكرية بين الإمارات وعمان بقيادة ناصر مرشد، ووجود قوة دولية منافسة هولندا، بريطانيا، بعد ذلك جاءت الإمبراطورية الهولندية في القرن السابع عشر، وكانت تهدف إلى إيقاف تجارة البرتغاليين البحرية مع الهند، وتجسد وجودها عبر نفوذ سياسي تجاري، ومواجهات عسكرية محدودة. وانتهت سيطرتها بسبب منافسة بريطانيا لهولندا، وسقوط هولندا تحت حكم فرنسا.
بعد ذلك جاءت الإمبراطورية الفرنسية في القرن الثامن بدوافع تجارية حيث تم تأسيس شركة الهند الشرقية الفرنسية، لكن الشركة لم تتمكن من أداء دور تجاري ملحوظ مع مناطق الخليج العربي، وحتى أي تأثير سياسي. إلا أنه كان ثمة تقارب فرنسي - فارسي ضد عرب عمان، كما كان التركيز الفرنسي منصباً على البصرة، وكان هنالك صراع كبير بين فرنسا وبريطانيا على الصعيد السياسي والعسكري رغبة لفرض السيطرة. وفي القرن التاسع عشر جاءت الإمبراطورية البريطانية ومدت سيطرتها على شكل نفوذ سياسي في شكل محميات واتفاقيات، والجدير بالملاحظة أن الوجود البريطاني انتهى بسبب المطالبات بالاستقلال المحلي، وليس بسبب تهديد من قبل قوة منافسة، وأخيراً جاءت السيطرة الأمريكية بدوافع التنقيب عن النفط، والمحافظة على أمن إسرائيل، وكانت السيطرة على شكل نفوذ سياسي تحول إلى وجود عسكري.
نفوذ ومصالح
وأضاف الهاجري أنه يمكن إيجاز مصالح ونفوذ القوى الكبرى في الشرق الأوسط في العناصر التالية: مصالح ونفوذ اقتصادية حيث يقدر احتياطي النفط فيه %66 من احتياط النفط العالمي، وفي نهاية القرن العشرين أنتج حوالي ثلث الإنتاج العالمي من النفط، كما تملك المنطقة قدرة شرائية عالية بفضل عوائد النفط، ومصالح ونفوذ إستراتيجية وعسكرية حيث أن الشرق الأوسط هو همزة الوصل بين قارات العالم ويتحكم بأهم الممرات والمضائق المائية: قناة السويس، باب المندب، خليج هرمز، البسفور، والدردنيل، ومصالح ونفوذ سياسية وقد يتخذ شكل نقل الصراع السياسي الداخلي إلى الخارج، والرغبة في التوسع. وأخيراً مصالح أيديوليوجية، حيث أن «الأنا» في الفكر الغربي لا تتعرف على نفسها إلا من خلال الآخر حيث تضع نفسها كمقابل له كذات تدخل في الصراع، المسيحية مقابل الإسلام، الغرب مقابل الشرق، الرأسمالية مقابل الاشتراكية.
وفيما يتعلق بالمحطات المفصلية في القرنين العشرين والحادي والعشرين، فقد امتلأ المشهد بالعديد من الأحداث التي أثرت في تشكيل الشرق الأوسط على ماهو عليه اليوم، مثل اتفاقية الحرب العالمية الأولى، اتفاقية سايكس بيكو، وعد بلفور، الثورة العربية الكبرى، والحرب العالمية الثانية، إعلان قيام إسرائيل، وتأميم قناة السويس، اتفاقية كامب ديفيد، والثورة الإسلامية في إيران، الحرب العراقية الإيرانية، الحرب الأفغانية، تحرير الكويت، وتفكك الاتحاد السوفييتي، أما القرن الحادي والعشرين فإن أهم المحطات هي 11 سبتمبر، الحرب على الإرهاب، غزو العراق، أحداث الربيع العربي، والاتفاق النووي.
وفيما يتعلق بمخططات التقسيم الغربية للشرق الأوسط قال د.الهاجري إنه في القرن العشرين كانت مخططات «سايكس بيكو» (1916)، والتي نصت على منح فرنسا كلاً من: الموصل وسوريا ولبنان، ومنح بريطانيا جنوب بلاد الشام وصولاً إلى بغداد والبصرة، ومعاهدة «سيفر» (1920) لإقرار الحدود التي تم ترسيمها من معاهدة سايكس بيكو، معاهدة «سان ريمون» (1920) والتي نصت على وضع سوريا والعراق تحت الانتداب الفرنسي والبريطاني.
أما في القرن الحادي والعشرين فهنالك العديد من المخططات والدراسات التي نشرتها مراكز الدراسات الغربية، ومنها دعوة الخبير الإستراتيجي بمؤسسة «راند» لوران موريس الإدارة الأمريكية إلى تبني حلول عسكرية متشددة إذا فشلت جهود الإصلاح في المنطقة العربية وذلك في يونيو 2002، كما شارك القيادي في أوساط المحافظين الجدد وليام كريستول في مؤتمر بإيطاليا وتحدث في مداخلته عن وجود أجندة أمريكية ستبدأ بالحرب على العراق وتنتهي: «بإسقاط الأنظمة الملكية في الخليج العربي» في يونيو 2002 أيضاً.
واختتم الهاجري ورقته حول اتجاه القوى المؤثرة في النظام العالمي، وقال إن العالم يشهد اليوم انحساراً واضحاً للتأثير الغربي على منطقة الشرق الأوسط، وإن هنالك حاجة ماسة لسد فجوة وظيفية لتأمين الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط ودول المنطقة مؤهلة لذلك، ولابد من ملء الفجوة الوظيفية بمقدورها تجسير الهوة بين الغرب والشرق من خلال الحوار والتعاون، واستدعاء إرادة التحدي بدل الصراع، وأخيراً إنه من الملاحظ أن القوى من الصغرى إلى الكبرى تنحو إلى التكتل مع نظيراتها ومع الدول التي تشعر بالتهديد المستمر.
النفوذ الإقليمي
من جانبه، تناول مدير برنامج الدراسات الإستراتيجية د.أشرف كشك في الندوة عن المحور الثاني المتعلق «بالقوى الكبرى وصراع النفوذ الإقليمي: الأزمة السورية نموذجاً»، مشيراً إلى أن التدخل الدولي في الأزمة السورية أدى لإطالة أمد تلك الأزمة بل إن تسويتها سوف يرتبط بمصالح الدول الكبرى، فضلاً عن الأطراف الإقليمية ذات المصالح مع تلك القوى، وبالتالي فقد قررت القوى الكبرى إدارة الأزمة بدلاً من حلها، واستعرض مواقف الدول والقوى الدولية من تلك الأزمة حيث ذكر أن الموقف الأمريكي تجاه الأزمة السورية هو ترجمة لتقليص الوجود الأمريكي في الخارج من خلال انتهاج مبدأ» القيادة من الخلف» وتقاسم الأعباء التي لطالما نادت به الولايات المتحدة مع شركائها من خلال الاعتماد على توليفة من الوسائل العسكرية والدبلوماسية. وأما روسيا فإنقاذ النظام السوري لم يكن هو هدف التدخل العسكري الجوي الروسي في سبتمبر 2015 حيث تدرك روسيا مدى تعقيد تلك الأزمة، إلا أن الظروف الإقليمية والدولية قد أتاحت لروسيا فرصة سانحة للخروج من عزلتها الدولية ومقاومة الضغوط الغربية عليها بشأن الأزمة الأوكرانية، فضلاً عن تعزيز موقعها الإستراتيجي في سوريا التي تعد جبهة مهمة ضمن الصراع مع حلف الناتو، وقد استطاعت روسيا تحقيق عدة مكاسب من ذلك التدخل منها تعزيز مكانتها الدولية، وتعزيز الوجود الإستراتيجي الروسي على البحر المتوسط من خلال القاعدة البحرية في طرطوس الروسية ونشر منظومة صواريخ إس 400 ضمن القاعدة الجوية في سوريا، بالإضافة إلى الخبرة العسكرية الروسية التي اكتسبها الجنود الروس خلال تلك الأزمة.
وأشار إلى المنطقة العسكرية تنفق 196 مليار دولار على التسلح، وأضاف أن هناك محددات للصراع الدولي في الأزمات وهي أن هناك سقفاً لهذا الصراع، بمعنى آخر أن الصراع دائماً ما يكون مسيطراً عليه ويتم خلاله توظيف كافة الأدوات التي يمتلكها طرف تجاه الآخر وهو ما نطلق عليه الأدوات الضاغطة والتوفيقية في الأزمات، كما أنه من الخطأ الشديد اختزال الصراع بين القوى الكبرى في منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي ولكن يجب النظر إلى المنظور الأكبر لهذا الصراع حيث إن هناك مناطق أخرى للصراع والتنافس الدولي ففي مقابل الناتو هناك منظمة شنغهاي للتعاون الآسيوي تضم عدة دول تناوئ السياسات الغربية عموماً والأمريكية على نحو خاص ومنها روسيا وإيران، بالإضافة إلى أنه ربما يكون هناك تقاسم للنفوذ بين القوى الكبرى والتي – تتلاقى مصالحها – ومن ذلك النفوذ الروسي في سوريا وهو ما كان هدفاً أساسياً للتدخل الروسي والنفوذ الأمريكي في العراق، فضلاً عن إدراك القوى الكبرى أن حالة التحول التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن لن يكون التدخل الدولي حلاً ناجزاً وبالتالي فقد قررت القوى إدارة الأزمات الإقليمية بدلاً من حلها.
السياسة الأمريكية
أما الجلسة الثانية للندوة، والتي كانت تحت عنوان «القوى الكبرى والأزمات الإقليمية: تغير الإستراتيجيات»، فقد تحدث في هذه الجلسة رئيس تحرير صحيفة الوطن يوسف البنخليل عن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
وبدأ البنخليل عرضه بالتطرق إلى نظرية هامان في عام 1890 والتي تقول إن من يسيطر على البحار فكأنما سيطر على العالم بأسره واليوم بدأ الجدل حول هذه النظرية. كما تطرق إلى الأطر الزمنية للهيمنة الأجنبية على الخليج العربي حيث أشار إلى أن الهيمنة الأمريكية على الخليج العربي استمرت على 45 سنة وبأن متوسط الهيمنة الأجنبية على الخليج هي 113 سنة.
كما تحدث البنخليل عن عوامل تحول السياسة الأمريكية في الخليج العربي، حيث أن هنالك العديد من العوامل الأمريكية التي تؤثر على ذلك، فالحروب العسكرية الكثيرة المكلفة، وبخاصة الحرب على الإرهاب، والتحول الإستراتيجي في مفهوم حماية أمن الطاقة، ثم انتقل إلى العوامل الأقليمية، والعوامل الخليجية حيث يرى البنخليل أن ثمة تحولات في الرأي العام الخليجي تجاه السياسة الأمريكية في الخليج العربي.
وبين البنخليل أن الولايات المتحدة الأمريكية تمر بمرحلة مشابهة لما مرت به المملكة المتحدة في نهاية ستينات القرن الماضي، حين أعلنت عن نيتها الانسحاب من منطقة شرق السويس، مما يوحي باحتمالية خروج أمريكا من المنطقة العربية.
وأشار البنخليل إلى مجموعة من التحديات التي تتزايد في أمريكا، وأهمها زيادة نسبة الفقر، وفقدان الكثير من المواطنين لبوصلة التأمين الصحي، وارتفاع كلفة الوجود العسكري في الخليج والبالغة 17 مليار دولار سنوياً، كما أن تكلفة حربها على العراق وحدها بلغت 700 مليار دولار، إضافة لتراجع احتياجها من النفط الخليجي.
وذكر أن دراسة أجراها كشفت أن 91% من الخليجيين لا يثقون بسياسة أمريكا، و62% لا يؤيدون التحالف معها.
وفيما يتعلق بالعوامل الدولية، اعتبرها البنخليل مهمة ومؤثرة كوجود القوى الدولية مثل روسيا وبريطانيا وحكم الخبرة التاريخية لبريطانيا في الخليج.
كما أشار البنخليل إلى الصين باعتبارها القوة الاقتصادية الثانية في العالم، وهي ترى أن بقوتها الاقتصادية ستسيطر على العالم، أما القوة الرابعة وهي الهند فقد أعلنت عن الإستراتيجية في الخليج وعن استعدادها للدفاع عن المنطقة.
وتطرق البنخليل إلى تداعيات تراجع النفوذ الأمريكي من الخليج العربي ولخصها في ثماني نقاط: الفراغ السياسي، وصراع ما بعد الفراغ السياسي، وفشل النموذج الأمريكي في الديمقراطية، والعلاقات مع دول الجوار، ومستقبل النخب الخليجية الحاكمة، ومستقبل الجماعات السياسية، ومستقبل المصالح الأمريكية في الخليج، ومستقبل الحرب على الإرهاب، مؤكداً أن مرحلة ما بعد تراجع النفوذ الأمريكي قد تتسبب بتحول يكمن في ظهور القوة الخليجية.
ولفت البنخليل خلال عرضه إلى سيناريوهات مستقبلية للخليج، وهي: سيناريو رحيل الأمريكي عبر الإعلان المفاجئ للانسحاب من الخليج، أما السيناريو الثاني فهو العلاقات المذبذبة عبر استمرار الوجود العسكري في الخليج وانعدام الثقة في العلاقات الخليجية الأمريكية واستمرار الأزمات، والسيناريو الأخير وهو الرجوع إلى المربع الأول وعودة الثقة إلى العلاقات الأمريكية - الخليجية واستمرار الوجود العسكري الأمريكي واستمرار النفوذين السياسي والاقتصادي.
ديناميكية التحول
من جهته، تناول المدير التنفيذي لمركز «دراسات» د.خالد الرويحي «نفوذ القوى الكبرى في الصراعات الإقليمية: ديناميكية التحول»، لافتاً إلى أن ثمة تحولاً واضحاً في المفهوم العالمي للصراع، حيث أن المشهد التاريخي كان يتميز بوجود قوة واحدة مسيطرة، ولكن هذا المفهوم بدأ يتغير مع القرن العشرين وخصوصاً مع ظهور الثورة الرقمية.
وتطرق الرويحي إلى حجم الإنفاق العسكري العالمي على التسلح في عام 2014 وخصوصاً بعد الغزو الأمريكي للعراق، مؤكداً بأن ثمة تحولاً في تعريف القوة في المشهد العالمي خلال العقد القادم وأن القوة الاقتصادية سيكون لها أثر فاعل في المستقبل.
وأضاف أن أمريكا أصبحت ترى أنها سوف تخسر موقعها العالمي بسبب تواجد القوة الاقتصادية الصينية، وبأن الصين استطاعت السيطرة بقوة اقتصادها من خلال اعتمادها على الاقتصاد المعرفي.
كما تطرق د.الرويحي إلى مشروع الشرق الأوسط الجديد، والذي تدارست فيه مراكز الفكر الغربية خطط تقسيم دول الشرق الأوسط ليكون مكاناً لتطبيق نظرية الفوضى الخلاقة التي تبنتها كوندليزا رايس.
وأشار د.الرويحي إلى أن إنشاء المملكة العربية السعودية الصندوق السيادي العالمي والذي يبلغ 2.2 بليون دولار وهو الأكبر في العالم وهذا الرقم يشبه حجم الصادرات الأمريكية للسلع. واختتم الدكتور الرويحي ورقته مشيراً إلى دور القوى المؤثرة في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، والذي أصبح لكل من أمريكا وروسيا والسعودية دور مؤثر، واستشرف أن المستقبل سيكون زاخراً للدور السعودي بشكل رئيسي.