التغريد عادة ما يكون أزرق، نسبة للون طائر تويتر الشهير، ولكن البعض يستخدمه هنا باللون الأحمر، فقط من أجل تحقيق مصالح معينة، أو إثارة الرأي العام المحلي تجاه قضية معينة، أو يمكن أن يلجأ للتغريد الأحمر لتشويه سمعة أشخاص أو مؤسسات. وأحياناً أخرى يتم اللجوء لمثل هذا النوع من التغريد بهدف الضغط لإلغاء قرار حكومي، أو السعي نحو تغيير سياسة معينة دون مراعاة أي اعتبارات أخرى قد تتصل بها سواءً كانت سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية.
التغريد الأحمر، هو ذلك النشاط المقصود وغير المقصود الذي يلجأ إليه مجموعة من المغردين في تويتر وشبكات التواصل الاجتماعي الأخرى من أجل تحقيق مكاسب خاصة دون مراعاة المنطق أو القانون. وهذا النوع من النشاط الإعلامي تطور سريعاً حتى تحول الأشخاص العاديين إلى منصات إعلامية قادرة على التأثير بما يتجاوز قدرات بعض المؤسسات بفضل المزايا التي يتيحها الفضاء الإلكتروني. وانساق البعض وراء الأضواء التي يتم تسليطها عليه بسبب ممارسته التغريد الأحمر ليحترف هذا النوع من النشاط دون اكتراث للقوانين الوطنية، ويكون الستار «حرية التعبير» التي يعتقد أنها مطلقة!
قضية مسكوت عنها
«الوطن» تفتح ملف التغريد الأحمر في البحرين، لتحاول إثارة تساؤلات قبل أن تقدم إجابات للقراء تتعلق بهذا الفضاء الواسع، والمسكوت عنه، إعلامياً، وسياسياً، وقانونياً. وتم إعداد هذا الملف على مدى 4 شهور.
ما مظاهر التغريد الأحمر في البحرين؟ ومن الذي يقف وراء هذا النشاط؟ وهل فعلاً أنشطة بعض المغردين مخالفة للقانون؟ وهل يتقبل المواطنين مثل هذا النوع من الإعلام؟ وما هو الحد الفاصل بين النقد والإساءة؟ وهل يجوز للموظف الحكومي أن ينتقد القرارات الحكومية الخاصة بالحكومة التي يعمل فيها؟
أيضاً من الأسئلة التي تثار في ملف التغريد الأحمر: هل أنشطة المغردين عشوائية أو منظمة؟ وهل هناك علاقات بين المغردين بعضهم بعضاً؟ وإلى أي مدى يشكلون خطراً مجتمعياً؟ وما تداعيات هذه الظاهرة؟
«الوطن» تابعت باهتمام بالغ الحملات الإعلامية على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي حملات متعددة باتت متصاعدة منذ العام 2011، وما يميزها أنها تتعلق بقضية معينة تهدف إلى توجيه الرأي العام، وإشاعة الاستياء والرفض لسياسات وقرارات حكومية هامة، إضافة إلى استهداف بعضها شخصيات رفيعة المستوى بالتشويه والسب والقذف، وكذلك مؤسسات الدولة وسلطاتها الثلاث.
حملات إعلامية لا مسؤولة
يمكن استعراض 5 حملات مهمة، كان الهدف منها إسقاط سياسات وقرارات حكومية أو قوانين هامة، بداية من الحملة التي اعتمدت التغريد الأحمر من أجل إسقاط قانون المرور ولائحته التنفيذية الذي تم تشريعه من أجل ضبط الحركة المرورية والحد من الحوادث. ثم الحملة الثانية التي تمت بالتغريد الأحمر واستغرقت شهوراً ضد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة نتيجة انخفاض أسعار النفط، وإعادة توجيه الدعم الحكومي رغم أنه توجه عام في جميع دول مجلس التعاون الخليجي.
أما الحملة الثالثة فهي تلك الحملة التي شنها بعض المغردين ضد فرض القانون على من يملكون «كبائن» في السواحل بعد أن تحولت إلى عشوائيات تمارس فيها جرائم ومخالفات متنوعة. والحملة الرابعة تلك التي انتهت قبل أقل من شهر، وشن فيها بعض المغردين حملة ضد اتفاقية السيداو، وأكدوا خلال تغريدهم الأحمر أن مرسوم الاتفاقية سيؤدي إلى تجاوزات أخلاقية في المجتمع، ويثير الفساد الاجتماعي والأخلاقي. لاحقاً وعندما تجاوز محترفي التغريد الأحمر القانون، وتقدم ضدهم عدد من النواب بشكوى في النيابة العامة ظهرت الحملة الخامسة التي ترفض ما سمي بـ «المساس بالمغردين» أو محاسبتهم قانونياً من ممثلي الشعب.
اللافت في الحملات الخمس أنها لم تأت بنتيجة، وهدفها ما يكون إثارة الرأي العام عبر شبكات التواصل الاجتماعي لفترة معينة، ثم الهدوء والانتقال لقضية أخرى. أنشطة جماعات التغريد الأحمر تجاوزت القانون، ووصلت إلى المساس بشخوص القيادة، والدول الخليجية الشقيقة، أو المساس بمؤسسات الدولة وسياساتها. فهل ليست نقداً مقبولاً، وإنما هي إساءات هدفها الإثارة وزيادة استياء المواطنين، ما يؤدي إلى تشويه سمعة الدولة في عدة جوانب.
نتائج التغريد الأحمر فاشلة دائماً، ففي الحملة المضادة لقانون المرور، فشل المغردون في إسقاط القانون، وأقره أعضاء البرلمان، وتم العمل به حسب الآلية الدستورية، وهناك التزام كبير من قبل المواطنين والمقيمين بهذا القانون وأنظمته. وفي قضية الدعم الحكومي، فإن هناك توافقاً بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على جميع برامج إعادة توجيه الدعم، وهناك قناعة كبيرة لدى المواطنين بأسباب ودوافع هذه القرارات رغم قساوتها. أما في قضية كبائن السواحل المخالفة للقانون، فالقضية انتهت، وبدأت الجهات الحكومية باتخاذ اللازم لإزالة هذه الكبائن وفتح السواحل للعامة. وفي قضية اتفاقية السيداو، فإن المجلس النيابي توافق عليها، وتبين للرأي العام أن مملكة البحرين وقعت عليها منذ نحو 12 عاماً، ولم يتم خلالها المساس بالشريعة الإسلامية أو انتشار التجاوزات الأخلاقية بسبب تحفظ المملكة على كافة البنود الواردة فيها إذا تعارضت مع الشريعة كما قامت بذلك جميع دول مجلس التعاون الخليجي، ومعظم الدول العربية. كذلك الحال في حملة التغريد الأحمر ضد لجوء عدد من النواب لرفع شكاوى قضائية ضد المغردين أنفسهم، حيث اعتمدت الحملة على «عدم جواز المساس بالمغردين لأنهم يمارسون حقهم بالتعبير»، ويتم تجاهل مبدأ سيادة القانون الذي يقوم على خضوع جميع الأفراد للقوانين الوطنية، كما يعكس تشكيكاً في نزاهة واستقلالية السلطة القضائية التي تملك الصلاحيات الدستورية للتحقيق والمحاسبة وسلطة العقاب.
مثل هذه الحقائق تؤكد أن جميع حملات التغريد الأحمر دائماً تفشل، ولكنها تحقق بعداً آخر وهو إثارة استياء المواطنين وتشويه سمعة الدولة، إضافة إلى الإساءات التي تشهدها الحملات ضد شخصيات أو مؤسسات عامة. ما يفسر هذا الفشل أن الحملات لا تعتمد على معلومات حقيقية، أو آراء منطقية، وإنما تقوم على آراء سطحية من بعض المغردين ويتم نشرها على أوسع نطاق في شبكات التواصل الاجتماعي حتى تتحول إلى صورة نمطية، أو إلى اتجاه أساس لدى الرأي العام.
مفاجأة صادمة
الصحيفة تتبعت المغردين البحرينيين الذين يمارسون التغريد الأحمر، فكانت المفاجأة أن معظمهم يعملون في وزارات ومؤسسات حكومية، وبعضهم يتولى مسؤولية رئيس قسم، أو مدير وحتى وكيل وزارة مساعد. إضافة إلى أن بعضهم موظف حكومي متقاعد، أو يعمل في القطاع الخاص.
والسؤال الذي يثار هنا؛ هل يجوز لموظف الحكومة أن يمارس تغريداً أحمر؟ ويسيء لسمعة الحكومة التي يعمل فيها؟ وهل هناك ضبط قانوني لموظفي الحكومة يضبط سلوكهم ونشاطهم في شبكات التواصل الاجتماعي دون المساس بحقهم الدستوري في التعبير عن الرأي؟
التغريد الأحمر لا يشمل التغريد العادي فقط، بل يشمل إعادة التغريد التي تستهدف القوانين الوطنية، أو السياسات الحكومية، أو الشخصيات العامة ومؤسسات الدولة.
أحد موظفي الحكومة الذين يمارسون التغريد الأحمر اعتاد في تغريداته على التقليل من مشاريع الدولة، واستهداف مشاريع معينة، كما قام بنشر تغريدات ومقاطع متلفزة فيها إساءة للقيادة السياسية. وفي الحملة المضادة لشكوى مجلس النواب ضد المغردين شكك في القضاء ونزاهته.
أيضاً موظف حكومي آخر تخصص في تغريده الأحمر على نشر أفكاره الحزبية، وتشويه سياسات الدولة. كما انتقد بشدة تعامل حكومة الإمارات مع جماعة الإخوان المسلمين داخل بلادها، وهو ما دفع عدد من المغردين الإماراتيين إلى الرد عليه، ومطالبته بالاعتذار وحذف تغريداته الحمراء.
حساب شهير في تويتر يديره مجموعة من الموظفين الحكوميين المنتمين لإحدى الجمعيات السياسية، ويحمل الحساب شعاراً وطنياً، ولكنه اعتاد على التغريد الأحمر من خلال الطعن في التشريعات والقرارات المتخذة في الحكومة رغم عملهم فيها. كما اعتاد الحساب نفسه إعادة التغريد للتغريدات الأخرى التي تشوه سمعة الدولة وتثير استياء المواطنين.
أحد المغردين في تويتر أساء بتغريداته الحمراء للمؤسسة العسكرية، فتمت ملاحقته قضائياً، ويتمتع بصلات مع شخصيات سياسية. كذلك أحد الإعلاميين في وزارة من الوزارات تخصص في نشر الاستياء والرفض لكل قرار أو سياسة حكومية بالسخرية، وهو ما دفع المسؤولين في الوزارة التي يعمل فيها إلى تنبيهه وظيفياً، إلا أنه واصل تغريداته الحمراء.
بعض المغردين يحاولون استخدام أسلوب اللمز والغمز في تغريداتهم الحمراء وكذلك في تعليقاتهم بهدف تشويه سمعة الحكومة وقراراتها.
مغرد أحمر آخر تتسم مواقفه بالتطرف، عمل على الترويج لجماعة الإخوان المسلمين وانتقاد قرارات الحكومة الإماراتية تجاه هذه الجماعة. كما قام بإعادة التغريد لشخصية خليجية معروفة بمواقفها المسيئة للبحرين.
هذه مجرد نماذج بسيطة للتغريد الأحمر، و»الوطن» تترفع عن تناول معظمها لأنها مخجلة ومسيئة ولا مسؤولة. وتبقى القضية مفتوحة لدى الجهات المعنية بالأمن الإعلامي للبحرين من وزارات ومؤسسات حكومية، إضافة إلى السلطة التشريعية لتقـــــوم بدورها في معالجة هذه القضـــية الماسة بالأمـــن الإعلامي.