حذيفة إبراهيم


افتتح وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، نيابة عن راعي الحفل سمو الشيخ محمد بن مبارك آل خليفة نائب رئيس الوزراء، المؤتمر الخليجي الاستراتيجي الثاني بعنوان، التحولات الجيو سياسية في الفضاء العالمي لمركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
وأكد المشاركون في المؤتمر أن مملكة البحرين هي المكان الأفضل لاتخاذ القرارات لمنع الإرهابيين من الحصول على التمويل، وذلك وفقاً للمعايير التي وضعتها سابقاً.
التحولات الجيوسياسية
وقال رئيس مجلس أمناء مركز «دراسات» خالد الفضالة إن التطورات والأحداث المتتابعة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط منذ 2011، وبما أفرزته من اضطراب سياسي وأمني واجتماعي واقتصادي في العديد من الدول، جنباً إلى جنب مع الثورة المعلوماتية وأدواتها الرقمية، بدء في وضع المعالم لتشكيل مشهد عالمي جديد، تتداخل فيه القوى التقليدية مع قوى متحولة غير مرئية.
وأشار خلال كلمته الافتتاحية في المؤتمر، إلى أن المعالم الجديدة ستؤدي إلى حدوث تحول كبير في ميزان القوى العالمي، ونشوء تحالفات غير تقليدية، وربما تزداد خلال المرحلة المقبلة.
وقال إن هذا الأمر يحتاج إلى معالجات ذات رؤية استراتيجية واعدة، قادرة على فك شفرة الأحداث الديناميكية المتسارعة ذات الاتفاقات الخفية التي تتم بين بعض الدول الكبرى من جهة، وبعض دول منطقة الشرق الأوسط من جهة أخرى، كما حدث في الاتفاق النووي الأخير، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية بين مجموعة دول «5+1» وإيران.
وأشار الفضالة إلى أن الصراعات الإقليمية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، لم تكن لتستمر بهذا الحجم من الدمار لولا وجود قوى عالمية تحاول الحفاظ على مصالحها في هذه المنطقة، متجاهلة النتائج الكارثية المترتبة على تدخلاتها.
وقال «هناك مؤشرات أولية توحي بوجود بعض التفاهمات الإقليمية والدولية الحاسمة لمعالجة الأزمة السورية، والاستعداد للعب دور أكبر في مرحلة ما بعد النظام، في ظل وجود جماعات ما دون الدول مثل داعش وحزب الله الإرهابي».
وأشار إلى أن العام الماضي، شهد تحولاً جذرياً في السياسة الخارجية الخليجية، باستخدام القوة العسكرية بشكل مباشر، مع بدء الحرب ضد الانقلاب على الشرعية في اليمن، بدعم ومساندة من التحالف العربي.
وأشار إلى أن التحديات الأمنية التي تواجه المجتمعات في واقعنا المعاصر تحولت مع بزوغ فجر الألفية الثالثة لتصبح تحديات قائمة على المعرفة الحديثة والتقنيات المتقدمة، وهذا في حد ذاته تحدٍّ كبير للمجتمعات النامية أو التي في مراحل التطور، كالمجتمعات العربية على سبيل المثال.
وتابع «أما الأبعاد الجيوسياسية لهذه التحولات فإنها تحتاج منا إلى وضع صيغ وأطر فعالة، تمكننا من صياغة مقاربة أفضل لقضايا الأمن القومي، وبعيداً عن أية تدخلات خارجية تستغل الثغرات التقنية في البنية الأساسية للدول، حيث ساهمت مناطق التوتر والصراعات، وانحسار سلطة الدولة، في تواجد وامتداد المنظمات الإرهابية التي اتخذت من تلك الدول قواعد لها للانطلاق لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، باستخدام التقنيات الرقمية، الأمر الذي يتطلب صياغة استراتيجية شاملة وفاعلة ومتعددة الأبعاد؛ للتصدي للجماعات الإرهابية والمتطرفة بكافة أشكالها ومسمياتها، ووضع الآليات الكفيلة بدحرها، سواء في مجال التمويل أو التسليح أو الاتصال الرقمي والإعلامي والدعوي، لحماية المجتمعات، وخصوصاً فئة الشباب، من الفكر التكفيري والمتطرف.
وبين أن هبوط أسعار النفط في الأسواق العالمية، من أكبر التحديات التي واجهتها الدول المصدرة للنفط، وخصوصاً دول الخليج العربية، وهي تحديات بالغة الأهمية تتطلب تبني إصلاحات متعددة الاتجاهات؛ للحد من تأثير ذلك الانخفاض على مشاريع التنمية والتطوير في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تعتمد سلطنة عمان والبحرين على النفط بصورة كبيرة في ميزانيتيهما، إلا أن النفط يمثل عصب الحياة في بقية الدول الخليجية.
وتابع «إذا استمرت أسعار النفط في ديناميكية الهبوط، فإن مجتمعات المنطقة ستواجه أخطاراً جديدة، وخصوصاً في سياسات الإنفاق الحكومي، وهي أخطار ربما لم تمر على شعوب المنطقة في ماضيها المنظور».
وقال الفضالة «ربما لم تتبلور القناعة بعد للبدء بحوارات ومصالحات استراتيجية موسعة وشاملة، في منطقتنا الخليجية؛ لتظهر ثمارها في العام الجاري، فعام واحد لن يكون كافياً على الأرجح لمعالجة أزمات توالت على مدى السنوات الماضية، غير أن جذور التحالفات الإقليمية بدأت تنمو وتتبلور منذ العام 2015، ومن المتوقع أن تزداد تفاعلاً في الفترة القادمة؛ لتهيئ لمسار جديد يخرج منطقتنا من أزمتها، ويحتاج هذا الأمر لجهود مضنية، وقناعات وافرة، بضرورة تحييد عوامل الصراع، وتشجيع الحوار والمصالحة البناءة بين جميع دول منطقة الشرق الأوسط والقوى الكبرى المؤثرة فيه.
وقال «من هنا يأتي دور المراكز الفكرية في البحث عن أسباب الصراعات الاستراتيجية، ومحاولة الوصول لرؤى جديدة، تمكن صناع القرار السياسي من تحديد الاتجاهات المثالية لعبور هذه الصراعات».
وأشار إلى أن أعمال المؤتمر الخليجي الاستراتيجي الثاني جاء لتحقيق جزء من هذا الهدف الذي يسعى مركز «دراسات» دائماً لتحقيقه، من خلال مناقشة القضايا الاستراتيجية المهمة المتعلقة بالتحولات الجيوسياسية في الفضاء العالمي الجديد، وبمشاركة نخبة من المفكرين والباحثين من مختلف دول العالم.
الكوارث القادمة
فيما أشار وزير خارجية رومانيا الأسبق وعضو أول في مركز الاستراتيجيات الجديدة في رومانيا السفير سيرجيو سيلاك، إلى أن العالم متشكك من الكوارث القادمة التي قد تحل بالشرق الأوسط والعالم، جراء التدخلات وصراع الحضارات الذي يحدث اليوم في العالم.
وقال: «إن العقود الثلاثة الأخيرة كانت هي الأنجح في العالم، رغم ما مر به من أزمات شديدة، ومواجهات عسكرية وإرهابية، إلا أن العالم أحرز تقدماً على جميع المستويات، وهو ما يبشر بأن العقود المقبلة قد تكون أفضل».
وأكد سيلاك أن مستوى العنف في العالم منخفض مقارنة بالسابق، على الرغم من كل ما يدور حولنا من أمور وجرائم قتل، ولابد من الانتباه إلى تقلص الطبقة المتوسطة حول العالم، ولكنها قد تعاود الارتفاع مجدداً».
وأضاف: «العالم سابقاً كان متعدد الأقطاب، أما اليوم فهو متداخل الأقطاب، كون الصعوبات التي نواجهها أكثر بعالم أصبح أقل استقلالية. إن هناك دوراً متزايداً للمنظمات الإقليمية مثل مجلس التعاون الخليجي الذي نال ثقة كبيرة، ويقوم بالإسهام في الكثير من القضايا التي نواجهها اليوم. كما أن هناك الكثير من الشك أيضاً في مسائل أخرى مثل الاقتصاد العالمي، والذي أكد البنك الدولي أنه يواجه بعض التحديات، في مجالات الاستثمار والتجارة».
وأشار إلى أن هناك تحولاً اقتصادياً وفقاً للتحديات الجديدة، حيث هناك الكثير من المشروعات التي كانت قائمة بين الولايات المتحدة ودول الخليج، فبدلاً من أن تكون أحد زبائن دول مجلس التعاون في النفط، أصبحت منافساً لها في البيع.
وشدد على ضرورة أن يجلس «اللاعبين في المنطقة» معاً ليتخذوا قرارات لحل المشاكل العالقة، وتحديد ما إذا كانت التحالفات القديمة ستسمر أم لا، وهل سيستمر الاعتماد على النفط كحل على المدى الطويل، أم سيكون نقطة انطلاق لأنشطة متنوعة كالسياحة وتقنية المعلومات وغيرها».
فرنسا والتطرف
عضو مجلس الشيوخ الفرنسي نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية وقوة الدفاع بفرنسا، السيناتور نتالي جوليت، قالت إن هناك 10 آلاف فرنسي مشتركين في التطرف، 40% منهم ممن انتقلوا من المسيحية إلى الإسلام.
وأشارت خلال كلمتها إلى أن مملكة البحرين هي المكان الأفضل لاتخاذ القرارات لمنع الإرهابيين من الحصول على التمويل، وفقاً للمعايير التي وضعتها سابقاً، مشددة على ضرورة توفير تعليم أفضل للشعوب أيضاً للتخلص من الإرهاب.
وبيّنت جوليت أن الأحداث في الشرق الأوسط لا تسير إلى الأفضل، فسوريا وليبيا معرضات لتقسيم أراضيهم، كما أن داعش ملأت الفراغ السياسي في تلك الدول، ولذا يجب مكافحة داعش بشتى الوسائل.
وأكدت أن قرارات حلف النيتو فيما يختص بمواجهة الإرهاب ليست دائماً صحيحة، والأهم هو منع التمويل عن الإرهابيين، وقطع جميع التمويلات عنها، مشيرة إلى أن داعش، هي أكثر منظمة إرهابية تتمتع بالأموال حول العالم.
وأشارت إلى أن تكلفة العمليات الإرهابية منخفضة جداً أحياناً، فمثلاً تفجيرات (تشارل إيبدوا) لم تتعد تكلفتها 5 آلاف دولار، فيما تكلف العمليات الأمنية أكثر بكثير من ذلك.
وتابعت: هناك تقديرات بأن تمويل الإرهاب في 2014 لم يتعد 7 ملايين يورو فقط، وهناك 10 دول يتم ممارسة نشاطات غسيل الأموال فيها».
وعبرت جوليت عن شكرها للبحرين لاتخاذها المعايير الصارمة في منع تمويل الإرهاب، مشيرة إلى ضرورة معرفة اللوائح التي وضعتها البحرين لمكافحة تمويل الإرهاب وتعميمها على العالم، وأن على الدول «سيئة السمعة» في المنطقة إنهاء تلك السمعة عنها.
وبيّنت أن ما فعلته البحرين من لوائح للمؤسسات الخيرية في جمع الأموال أمر جيد، كما أن شرعنة المؤسسات الخيرية ومراقبة تمويلها بكافة أشكالها، وأن يكون لها إدارة مالية هو أمر جيد جداً أيضاً.
وأشارت إلى ضرورة تظافر الجهود لمحاربة تمويل الإرهاب، من خلال مشاركة المعلومات الاستخباراتية والتعاون في ذلك المجال، إضافة لمتابعة وسائل التواصل الاجتماعي على مدار الساعة، داعية إلى وجود قانون دولي حول الإرهاب لإيقاف الجدل حول الازدواجية الموجودة حالياً فيما يتعلق بقضايا الإرهاب.
ولفتت جولييت إلى أن القضية الأساسية في الشرق الأوسط والتي توضح مدى ازدواجية المعايير هي القضية الفلسطينية، مع وجود معايير مزدوجة في الشرق الأوسط، فإسرائيل مسموح لها القيام بكل شيء، فيما تعتبر فلسطين ضحية ولا توجد أي إدانة لإسرائيل.
وبينت الحاجة إلى إعادة إحياء «الحوار الشرق أوسطي»، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية. معربة عن أملها في إيجاد الحل في حال توافق الاتحاد الأوربي مع دول مجلس التعاون.
وبالعودة لموضوع الإرهاب، أشارت جوليت إلى أن القضاء على تنظيم داعش في سوريا والعراق سيأخذ وقتاً طويلاً، مشددة على أن الخليج وأوربا والعالم في ذات المركب ويجب أن يكون المؤتمر القادمة حول وضع لوائح مكافحة تمويل الإرهاب. وقالت «يجب أن نحل القضية الفلسطينية أيضاً من خلال منع الازدواجية الدولية الحاصلة هناك».
حزب الله معضلة
أما المستشار في الأمن الإقليمي، نائب رئيس كلية الحوكمة والشؤون الدولية في جامعة دارام البريطانية د. كليف جونز، أكد أن حزب الله يشكل معضلة أمنية كبيرة بسبب الأسلحة التي يمتلكها، مشيراً إلى أن جميع اللاعبين في المنطقة يعتمدون على الطاقة، ويسعون للتكامل الاقتصادي.
وأكد وجود صراعات جديدة في المنطقة وبصور جديدة، كما أن هناك مخاطر حقيقية بغض النظر عن السيادة التي انتهكت في العديد من الدول، داعياً إلى تكامل اقتصادي لمواجهة التحديات التي تمر بها المنطقة، سواء المشاكل الجيو سياسية أو الداخلية.
وأوضح جونز أن انخفاض سعر الغاز سيكون مشكلة كبيرة، مبيناً في الوقت نفسه أن هناك تغييرات تحدث في العالم العربي، وأن هناك اتفاقية «سايكس بيكو» جديدة تحدث في العالم العربي.
وشدد على أن السلام الدائم في المنطقة تحدده العديد من العوامل المشتركة، في وقت يعتمد فيه الأمن في دول العالم أجمع على مصطلحات القوى الاقتصادية بدلاً من المصطلحات الأمنية والسلمية الحقيقية.
وقال جونز إن النظام الأمني في الدول العربية يجب أن لا يكون مهيمناً، كما أنه لا يجب أن يكون مؤسسي، وإنما وفقاً لمعايير حقوق الإنسان ومتطلبات الشعوب، مبيناً أن المشكلة التي يواجهها العالم العربي هي الجماعات المسلحة التي لا تنتمي إلى الدولة، ومن بين تلك الجماعات حزب الله الإرهابي الذي تم تصنيفه كمنظمة إرهابية.