^ مضى أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً على قيام الثورة في إيران، هذه الثورة التي كانت الشعوب الإيرانية قد ضحت بأغلى ما تملك بهدف إزاحة نظام البهلوي وإقامة نظام يحترم إنسانية المواطن الإيراني، ويطبق العدل والمساواة بين جميع الشعوب والقوميات والمذاهب والطوائف القومية والدينية الإيرانية. غير أن ما حصل كان مخيباً لآمال الإيرانيين ومحزناً لهم، وذلك بعد أن تم خطف ثورتهم من قبل مجموعة من الملالي تمكنت من التلاعب بعواطف البسطاء من الناس باسم الدين والمذهب، وأقامت لها نظاماً كهنوتياً قائماً على استعباد الناس ومصادرة حرياتهم وحقوقهم الإنسانية، أطلق عليه جزافاً اسم نظام (ولاية الفقيه)، هذا الفقيه المستبد الظالم طبعاً وليس الفقيه المستبد العادل. و قد استطاع هذا النظام أن يقيم شبكة إعلامية داخلية وخارجية، إلى جانب شبكاته الاستخباراتية وأجهزته القمعية، للعمل على تلميع صورته عبر تضليل الرأي العام والتلاعب بعواطف البلهاء والبسطاء. لكن ما هي الإنجازات التي حققها نظام ولاية الفقيه للشعوب الإيرانية خلال أكثر من ثلاثة عقود من عمره في السلطة، لكي أن يكون نموذجاً يحتذى به؟ وهذا السؤال نطرحه على الذين رهنوا أنفسهم لهذا النظام بعد أن غرتهم دعاياته الإعلامية وخطبه وبياناته الطائفية المحرضة على الفتن بين أبناء دول المنطقة؟. في الواقع، لا أحد من أتباع نظام ولاية الفقيه الإيراني يستطيع أن يقدم لنا إنجازاً واحداً ناجحاً؛ سواء على المستوى الإنساني أو الثقافي أو الاقتصادي أو السياسي. يقال عنه إنه نموذج إيجابي لنظام الولي الفقيه ويمكن أن يكون قدوة لغيره من الأنظمة الأخرى. بالمقابل يمكننا تقديم عشرات بل المئات من النماذج السيئة والأعمال الخاسرة والجرائم البشعة التي قام بها نظام الولي الفقيه، وتسببت في حدوث كوارث إنسانية وأخلاقية وبيئية واقتصادية وسياسية وأمنية، على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى مستوى القيم الأخلاقية الذي يجب أن تكون على رأس اهتمامات هذا النظام الديني الكهنوتي نجد أن هذه القيم قد أصبحت في أسوأ حالاتها في ظل نظام الملالي، حيث سجلت الإحصائيات التي نشرتها وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية أن مستوى أعمار بائعات الهوى في المدن الرئيسة انخفض إلى سن السادسة عشر عاماً، أما نسبة أعداد الأطفال المشردين وأبناء الشوارع فقد زادت بنسبة عشرة بالمائة. وفيما يتعلق بعمليات الإجهاض بين الطالبات الجامعيات؛ فقد صرح رئيس دائرة الأمن الجنائي في طهران أن المعلومات المتوفرة لديهم تؤكد أن سعر عملية الإجهاض الواحدة تتراوح ما بين نصف إلى مليون ونصف تومان إيرانياي ما يعادل الـ 500 إلى 1500 دولار أمريكي. وبالنسبة إلى حالة الإدمان على المخدرات بين الطلبة الجامعيين؛ فقد نقلت وكالة أنباء «جهان» أن التحاليل المخبرية التي أجريت لـ 40 طالباً في جامعتين رئيسيتين في البلاد أكدت تساوي نسبة المدمنين بين الجنسين من الطلبة. وأشار التقرير إلى أن سن الإدمان على المخدرات بين النساء يتراوح ما بين سن الثانية والعشرين والخامسة والعشرين عاماً. وأكد التقرير أن ما بين عشرة إلى خمسة عشر مليون إيراني معرضون لخطر الإدمان، وفي الوقت الحالي هناك أكثر من ستة مليون مدمن مخدرات في إيران. وذلك وفقاً لتصريحات أمين عام هيئة مكافحة المخدرات العميد إسماعيل أحمدي مقدم. وعن نسبة نساء الشوارع أو بائعات الهوى؛ فإن هناك ستة آلاف وثلاثة وخمسين واحدة في مدينة مشهد وحدها، التي تعد من المدن المقدسة في إيران، وتتراوح أعمار أغلبهن ما بين 12 و25 عاماً. أما في العاصمة طهران فإن عدد نساء الشوارع حسب دراسة أجريت قبل ثلاثة سنوات بلغ 300 ألف امرأة، وذلك حسب ما نقلته صحيفة «سرماية» عن الدكتور أمان الله قرائي مقدم أخصائي علم الاجتماع في جامعة طهران. وبشأن نسبة الانتحار بين النساء؛ فقد صرح قائد قوى الأمن العميد دکتر إسماعيل أحمدي مقدم، أن نسبة ضحايا الانتحار تفوق نسبة ضحايا جرائم القتل بمرتين. وعن الوضع التعليمي الذي بلغ حد المأساة؛ فقد جاء في التقرير الذي تم نشره على مواقع إيرانية عديدة تمثل جزءاً من إعلام النظام، أن 37% من طلاب المدارس الإيرانية تركوا المدارس مجبرين، والفشل الدراسي تسبب أيضاً بفشل 25% من باقي الطلاب في المدارس، والإحصائيات تفيد أن 50% من سجناء الإصلاح الاجتماعي الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً هم من طلاب المدارس الذين يتركون مدارسهم، ما يعني أن ما يقارب الـ 80% من الذين يتركون المدارس يعتقلون بسبب جرائم ارتكبوها. علماً أنه ورغم مرور ثلاثة عقود ونيف من عمر نظام الملالي فهناك العديد من بنود الدستور مازالت معطلة، ومنها خاصة تلك المواد المتعلقة بحقوق أهل السنة والقوميات والشعوب غير الفارسية، ولا نريد أن نزيد أكثر من هذا على أمل أن نترك البقية إلى المقالات القادمة. وبعد هذا يبقى السؤال موجهاً إلى أتباع ولاية الفقيه.. هل يرضيكم أن يكون هذا النظام قدوة لكم؟.