^ قد يكون السؤال أعلاه ساذجاً في صياغته وفي مضمونه! لكن من الواضح أن السذاجة قد تكون مطلوبة في بعض الأحيان لنفهم حقائق الأمر المطروح علينا في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة.. وذلك لأن الجواب القطعي على هذا السؤال هو بالنفي، ويكفي للتدليل على ذلك العودة إلى مواقف الأقوياء من مصالحنا، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية -المصنفة نظرياً على أنها من حلفائنا الموثوقين- إذ تكفي مراجعة قائمة «الفيتوهات» الأمريكية ضد القضايا العربية والحقوق العربية لنحصل على الجواب الذي يعرفه أصغر طفل في أبعد زقاق عربي. والذي يدعونا لاستعادة مثل هذا السؤال بسذاجته وبساطته الإنسانية والأخلاقية؛ هو تلك المفارقة الغريبة التي تتبدى جلية في حالة الموقف الأمريكي من الأحداث التي شهدتها البحرين ولاتزال تداعياتها قائمة إلى اليوم، وذلك لأن ما بين البحرين والولايات المتحدة الأمريكية كدولتين يتجاوز «نظرياً على الأقل» مستوى الصداقة إلى مستوى الحلف، ولسنا في حاجة هنا إلى سرد الوقائع والأدلة على ذلك، لكن وجه المفارقة هنا يتعلق بالمواقف الأمريكية إزاء هذه الأزمة التي عاشتها البحرين كدولة وكمجتمع، حيث كان كيانها مهدداً، خصوصاً بعد اتضاح التدخل الإيراني الأكيد والمعلن في شؤون البحرين الداخلية، فإيران الرسمية تقول صراحة كل يوم وليلة -من خلال مواقفها وإعلامها ورموزها- إنها تقف وراء الحراك المعارض عامة «وهذا قد يكون مفهوماً» مع أنه عدائي بالتأكيد في العرف الدولي، لو أنه بقي عند حدود التعبير عن الدعم النظري، ولكن هذا الدعم كان ولايزال في شكل تورط مباشر ومعلن، في التمويل والتحريض والتوجيه إلى آخر القصة المعروفة والمعلنة، حيث إن إيران لا تحرص حتى على تمويهه أو إخفائه أصلاً. لقد كان الموقف الأمريكي الرسمي -مع اتضاح عنصر التدخل والتورط والتهديد- متذبذباً في أحسن توصيف له، بل تجاوز حدود «دعم المعارضة» إلى حدود التورط في ما هو أبعد من ذلك، وقد كان جلياً أن هذا الموقف هو أبعد ما يكون عن موقف الصديق فما بالك بالحليف، إن لم نقل إنه كان متورطاً مباشراً في رعاية بعض أوجه هذا الحراك المدعوم من إيران مباشرة، على الأقل في تجلياته السياسية والإعلامية، وهو موقف غير ودي بالتأكيد، فضلاً عن كونه غير منصف، خصوصاً تجاه سلطة سياسية إصلاحية، اختارت الإصلاح طريقاً والمشاركة السياسية سبيلاً، والتزمت بالتحرك نحو بناء الديمقراطية والعدالة ولو بشكل تدريجي، وشاركت المعارضة في هذا التحول الديمقراطي عملياً واختبرت مدى جديته في الانتخابات البرلمانية والبلدية، بل وكان لها دور إيجابي فيه... وكان يفترض -في من يزعم أنه يدعم الديمقراطية والحرية- أن ينحاز سياسياً إلى الإصلاح الفعلي الذي يتحرك على الأرض. لقد كان الموقف الأمريكي إبان الأزمة وحتى بعدها أشبه باللعب على الحبال، كما كان ارتباطه بالتكتيكات مع إيران مكشوفاً، وتحولات مصالحه الاستراتيجية في المنطقة واضحة، ويكفي إجراء عملية مسح سريعة للمواقف الأمريكية، انطلاقاً من لبنان ومن حزب الله تحديداً الذي بات يعيش علاقة وئام تامة هذه الأيام مع الأمريكان والإسرائيليين، ومروراً بالعراق الذي تتقاسم الولايات المتحدة الأمريكية فيه النفوذ والمصالح مع إيران، ووصولاً إلى الخليج العربي وتحولات الموقف الأمريكي المتسم بالميوعة واللعب على الكلمات، حتى ندرك أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست حليفاً موثوقاً، لا بالنسبة للأنظمة ولا بالنسبة للشعوب على حد سواء، ولهذا اعتبرنا سؤال البداية ساذجاً، لأننا افترضنا في مواقف «الحليف الأمريكي» المفترض، أن تكون مبنية على أسس أخلاقية ومبدئية، وتحترم أصول الصداقة والتحالف، في حين أن هذه المواقف السياسية لا علاقة لها في الواقع بتلك القيم الأخلاقية والسياسية معاً، ويكفي في هذا السياق أن نحيل إلى ما أظهرته وثائق ويكيليكس من حقائق مرة، حتى ندرك أنه لا صداقة ولا أصدقاء ولا هم يحزنون، وإنما القصة كلها تحولات مصالح. إن الولايات المتحدة الأمريكية قد سعت -في سياق المحافظة على مصالحها- على مدى ستين عاماً إلى تحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط على حساب الديمقراطية في المرحلة السابقة، ولكنها لم تنجح في التشجيع على تحقيق لا الاستقرار ولا الديمقراطية بسبب سياساتها وتوجهاتها المرتبكة وغير المنصفة للعرب، ولذلك فهي تتبنى اليوم نهجاً ضد الاستقرار -بزعم أنه مع الديمقراطية- أساسه الفوضى الخلاقة والتي تمثل حالياً الأساس المنهجي لخلق الديمقراطية الأمريكية المنشودة والتي تقاس على مسطرة المصالح الأمريكية، فزيادة حالة الغليان وعدم الاستقرار لزيادة حدة الخلاف بين الحكام والمعارضة في دول المنطقة، سيحدث -في تقديرها- ويؤمِّن أهدافها الحيوية في بلدان الشرق الأوسط، وإحداث تغيرات محددة في المجتمعات تسمح لها بتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وتفكيك مجتمعات وأنظمة ودول، وخلخلة الوضع القائم «من خلال الفتن الأهلية وتقسيم الدول استناداً إلى معطيات عرقية وطائفية ودينية، على النحو الذي يخدم إسرائيل التي تسعى إلى أن تكون» دولة يهودية خالصة، خارج سياق الديمقراطية.. ^^ همس.. جاء في نظرية الفوضى الخلاقة: «أن التحول لن يحدث إلا عبر التدمير، الذي سينتهي بإزالة الأنقاض ورفع الأشلاء، ثم تصميم نظام سياسي جديد».