كتب - علي الشرقاوي: في بادرة ذكية قامت أسرة الأدباء والكتاب في البحرين، بإخراج الفن الشعبي من المجالس والبيوت والسهرات الخاصة إلى فضاء نادي الخريجين، في أمسية أحيتها مؤخرا فرقة جاسم الحربان الشعبية، التي لطالما مدت البحرين والخليج العربي والعالم ، بالفنون الخاصة بشعب البحرين. هذه الفنون التي ولدت كنتاج طبيعي للبيئة البحرية التي رعتها كما تحتضن النخلة فطايمها، و ارتعشت بها كما يرتعش الشراع لريح الشمال. فرقة شعبية أوصلت فنوننا إلى عواصم ومدن الشرق الغرب. لقاء الأحبة حينما يلتقي رفاق الفن والحياة في مكان واحد، ويعرف كل منهما الأخر، طفولته وأحلامه وصباه، يكون اللقاء بمثابة مناجاة خارجة من الزمن، لتعبر عن نفسها في مكان وزمان محدد. وهذا ما حدث للطائرين د. راشد نجم عبدالله وجاسم محمد الحربان. حيث عاش د. نجم قريباً من دار بن حربان، هذه الدار التي تخرج منها جاسم قبل أن يبدأ مشاوره الدراسي في القاهرة، وقبل أن يتحول إلى واحد من أهم الدارسين للتراث الشعبي الغنائي بكل أشكاله وأنواعه. إن لقاء هذين الطائران المغردان ومعهما الطيور الأخرى المغردة، أعضاء فرقة بن حربان ، يعني لنا شيئاً واحدا، وهو أن الفن الذي قدماه إلى الحضور، ليس إلا تذكيراً بما تملكه هذه الأرض، بلد الحضارات ، ميناء العالم، جسر الشرق والغرب . من إمكانات هائلة، ما زالت بكراً وما زالت تحتاج إلى مئات الدراسات. ابن الفريج الذي تشرب الفن الشعبي قال مقدم الأمسية د. راشد عبدالله، محاولا إلقاء بعض الضوء على تجربة جاسم الحربان وبالتالي فرقة بن حربان، إنه عايش تجربة المحاضر منذ بدايتها الأولى، حيث دار بن حربان تقع قريباً من بيته. وحضر مئات المرات لفعاليات الدار التي كانت آنذاك تحت قيادة محمد بن حربان، الوالد ، الذي قاد بنظرته الثاقبة، حركة الدار، في مد الحياة وجزرها، إلى أن جعلها واحدة من الدور الشعبية التي يشار إليها بالبنان في كل مكان. «إضافة إلى استقبالها الدائم لزوار البحرين من الباحثين في التراث الشعبي و فنون الشعوب التي تلتقي كلها في الخروج من تربة البيئة ، وتأثيرها على الفن بأنواعه وأشكاله العديدة». الحربان ينقد بحوث الغناء أما جاسم بن حربان فبدأ بإعطاء صورة عن طبيعة البحث في أصول الغناء البحري والخلط الذي يقوم به الباحثون دون قصد، بين فن وآخر، بسبب الوسطاء الذين ينقلون للباحثين وجهات نظرهم القاصرة ، حيث يستنكفون العودة إلى من يملك دراية وممارسة له. وتحدث عن وجهة نظر بعض المتشددين الذي لا يرون الفن إلا بمثابة لهو، في حين أن هذا الفن يعبر بصورة رائعة عن طبيعة أغنية العمل. وعرج في حديثه على فن (الفجري) الذي ارتبط ظهوره بحكاية أسطورية تحكي عن سماع أحد أهل البحرين صوتاً شجياً يهتف به صوت غريب، وانتشر فيما بعد أن رأى مجموعة من الجن كانت تنشد هذا النوع من الغناء الشعبي. هذا الفن الذي تطور عبر قوالب وبحور الشعر العربي وموسيقاه، ليتولد لنا فن آخر أصيل عرف بفن (الصوت البحريني). كما شكّل غناء المرأة حضوره الجلي في فنوننا الشعبية. وتحدث الحربان عن الفروقات في غناء الفجري بين الحدادي الذي يعتمد في إيقاعاته على ضربة الحداد، وبين المخولفي المغاير، بالإضافة إلى العدساني والحساوي وغيرهم. وكل ذلك عبر التطبيق العملي الذي يقوم به مجموعة من أعضاء فرقة بن حربان. إن حضور مثل هذه الندوات أو المحاضرات التطبيقية التي تقوم بها فرقة بن حربان والمايسترو الذي يقودها بإتقان - اعتبرها بمثابة نوع من أنواع التربية الوطنية التي تربط الأحفاد بما قام به الأجداد.