على خلفية تصاعد الإنذارات وقرع الطبول والأجراس مؤخراً بأشد مما كان عليه الوضع قبل أسبوعين، بإمكانية إيقاع ضربة استباقية إسرائيلية بالمنشآت النووية الإيرانية، وتصريحات أوباما شديدة اللهجة الموجهة إلى إيران بحضور الزعيم الإسرائيلي نتنياهو، واحتمال التهاب مياه الأرخبيل العربي، لا تخفي إيران غبطتها بالرعب الذي تنشره هذه الطبول، وأجراس الإنذار الإعلامي المبكر وغير المبكر والمخادع وأدواته، وإثارة الاضطرابات على يد خلاياها النائمة وعناصر مخابراتها ومواليها، على ضفة الخليج العربي الأخرى -البحرين أنموذجاً كما حصل بداية هذا الأسبوع- محط آمالها وطموحاتها، من احتمالات انهيار معادلات السلام النووي في الإقليم، في وقت هي بأمسِّ الحاجة إلى من يشد إزرها، لمواجهة احتمالات تصدع مواقعها في سوريا أولاً ولبنان وفلسطين تبعاً. التهديد بإلهاب المنطقة وعبارة -السلام النووي- ليس المقصود منها جر الذهن إلى نقيضها -الحرب النووية- وإنما إلى ضمانات السلام النووي واشتراطاته واحتمالات انتهاكها في ضوء التهديدات المتقابلة ما يهز ثوابته واستقراره. الأكذوبة التي يجب تصديقها ^ ويجدر القول هنا إنه لم يعد العرب في منطقة الشرق الأوسط نزولا إلى الخليج وامتداداً إلى مصر، يخفون مخاوفهم، بغض النظر عن صحتها وجدارتها، ووفق منطق الأكذوبة التي يجب تصديقها، كما سبق أن وصفت، من قرع طبول الحرب على الجبهتين الإسرائيلية (وأعني هنا الجبهة الإسرائيلية وحلفاءها في الغرب) والإيرانية، إذ تجري تعاقباً وتزامناً، مناورات عسكرية تكشف صفحاتها عن أنها لا تترك خياراً تدميرياً استباقياً، وفق العقيدتين العسكريتين الإيرانية والإسرائيلية، من دون وضعه محل الاعتبار والاحتمال الممكن، على أن يكون الميدان خارج الحدود الإسرائيلية والإيرانية، وبعبارة أدق في الأراضي العربية، وضمن رهان بلقنة الشرق الأوسط كعملية إيرانية إسرائيلية غربية مشتركة حطبها المنطقة العربية. ويأتي سباق التهديد النووي الذي لم يعد خافياً على أحد بوقائعه المكشوفة و(المضمومة) جارياً مع سعي بعض الدول العربية لتخفيف حدة اندفاع الفرسين الإسرائيلي الإيراني اللذين يعجل بعضه بعضاً، إذ قال دبلوماسيون في الأمم المتحدة إن الولايات المتحدة ومصر، تعملان لحسم الخلافات بشأن حظر مقترح للأسلحة النووية في الشرق الأوسط، وهي فكرة قد تجبر إسرائيل يوماً على التخلي عن أية قنابل ذرية تمتلكها. كما إنها تهدف إلى لجم السعي الإيراني لامتلاك قنبلة ذرية وصواريخ بالستية قادرة على إيصالها إلى أي مكان في العالم ترغب إيران في ضربه أو إرعابه وهي تسابق إسرائيل على التهديد بإلهاب المنطقة. وتعكس الجهود الأمريكية، للتوصل إلى اتفاق مع مصر ودول عربية أخرى، مخاوف واشنطن من فقدان تأييد تلك الدول لفرض عقوبات على إيران، بسبب برنامجها النووي، والاستعداد لتقديم تنازل يخص إسرائيل حليفة الولايات المتحدة، وإن كانت واشنطن أوضحت أن مثل هذا الحظر، سيظل مستحيلاً، إلى أن يتم التوصل إلى سلام في الشرق الأوسط، وهو ما تسعى إيران إلى عرقلته بالسبل كلها، لأنه يناقض استراتيجيتها في المنطقة، وهذا هو سر استعداء إيران الفصائل الفلسطينية الجهادية، على مصر وسعيها لدفع هذه الفصائل باتجاه تفجير الأوضاع، وهو ما يمكن قراءته في توسيع الهجوم الإسرائيلي على غزة ضمن خطة ما أسماه العسكر الإسرائيلي (منظومة القبة الحديد) التي يجري تنفيذ تفاصيلها الآن، وقتل خلالها أمين عام المقاومة الشعبية زهير القيسي. وكانت مناقشات حظر الانتشار النووي في الشرق الأوسط، قبل عامين فشلت في الوصول إلى نتيجة في حينها، ما أدى إلى تكرار ما حدث عام 2005 ببقاء الأمور على حالها، وعدّ مؤتمر المراجعة للعام 2005 فاشلاً بدرجة كبيرة، وانهار بسبب غضب مصر من الفشل في التحرك قدماً لجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وغضب الدول النامية من الولايات المتحدة لرفضها تأكيد تعهدات نزع السلاح لعام 2000. وتحرص كل من مصر والولايات المتحدة على تفادي انهيار آخر لمؤتمر المراجعة المقبل عام 2014، بسبب تداعيات سعي إيران لإثارة الرعب النووي في إقليم الشرق الأوسط، إذا لم يتم الاعتراف بها لاعباً دولياً في المنطقة وتتم الاستجابة لمطامعها في الخليج ابتداء بتغيير النظام في البحرين، والاعتراف بهيمنتها على العراق ونفوذها في سوريا، لاسيما أنها تنظر بذعر إلى تداعي ركائزها في سوريا والاحتمالات الأخرى السيئة في لبنان وفلسطين. ووزعت مصر -وهي حتى الآن زعيمة بارزة في دول عدم الانحياز، المجموعة القوية التي تضم 118 دولة- اقتراحاً على جميع الدول الموقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي وعددها 189 دولة دعت فيه إلى عقد مؤتمر هذا العام 2012 لتخليص منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية، تشارك فيه دول المنطقة كلها. وجاءت واشنطن باقتراح مضاد يدعو إلى “عقد المؤتمر 2012-2013 بمشاركة دول الشرق الأوسط كلها لمناقشة تطبيق قرار عام 1995بهذا الخصوص”. ويدعو قرار عام 1995 الذي اتخذته الدول الموقعة لمعاهدة حظر الانتشار النووي إلى جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل الأخرى، وأكد أن عملية السلام في الشرق الأوسط تحول هذا إلى أمر واقع. وتصر مصر على ضرورة مشاركة إسرائيل وإيران في مثل هذا المؤتمر على الرغم من أن طهران لا تعترف ظاهرياً بوجود إسرائيل.قمة المخاوف العربية ويتفق الدبلوماسيون الغربيون مع هذا الرأي، وإن قالوا إن إسرائيل قد تحجم عن المشاركة. وهم يرون أنه في الإمكان إقناع إسرائيل بحضور المؤتمر. وقال دبلوماسي غربي رفيع: “إن إسرائيل ستحضر إذا كان الثمن الذي ستدفعه في حالة عدم الحضور يفوق ثمن حضورها”. وصرح دبلوماسيون غربيون أن من المحفزات المقترحة لإسرائيل هي أن يغطي مثل هذا المؤتمر الإقليمي الأسلحة البيولوجية والكيماوية لا الأسلحة النووية فقط وأيضاً الأمن الإقليمي وقضايا أخرى. ويقول دبلوماسيون إن من بين العقبات المثارة هي الشكل العام لهذا المؤتمر وما إذا كانت الأمم المتحدة هي التي ستنظمه كما تريد الدول العربية. ويقول إيميل هوكايم - المحرر السياسي لجريدة أبو ظبي إن قمة المخاوف العربية تتركز في سباق تسلح نووي إقليمي، ويشير إلى سيناريو فيلم توقعي خيالي بشأن الصدام النووي في المنطقة فيقول: في الفيلم، جملة مخاوف تستند إلى كتابTom Clancy- وثمة طائرة إسرائيلية نووية التسليح تم إسقاطها على الصحراء السورية في ذروة حرب أكتوبر العام 1973. بقية الخطة التآمرية، مؤامرة إرهابية تتسبب في مواجهة نووية في الوقت الحاضر بين الولايات المتحدة الأمريكية (و) روسيا الضعيفة- ومن المحتمل أنها تشكل للرئيس الأمريكي أوباما أسوأ كابوس. إن تجنب مثل هذا السيناريو المتطرف، كان الحافز لمعاهدة تخفيض الأسلحة الأخيرة مع روسيا وقمة واشنطن النووية. ومن المحتمل أن رد العرب والإسرائيليين يمكن أن يكون مختلفاً تجاه الفيلم. بالنسبة للعرب، رغبة إسرائيل المفترضة باستخدام أسلحتها النووية هي بالضبط الإجابة عن السؤال لماذا يُريدون نزع السلاح النووي الإسرائيلي؟. وبالنسبة للإسرائيليين، فإنهم يرون أن استخدام السلاح النووي، هو العلاج الأخير، غير المؤكد رسمياً، تجاه أي تهديد لوجودها. إسرائيل غامضة بنحو هادف بشأن ما إذا كانت تمتلك أو هي راغبة في استخدام سلاحها النووي. يرتبط هذا الموقف جزئياً بتفادي الفضيحة دولياً، وجزئياً بتفادي إجبار الأنظمة العربية الدخول في سباق التسلح النووي، وجزئياً أيضاً بالحفاظ على مرونة مبدئية أساسية (معتقدية)، كيف يمكن التعامل مع هذا الغموض؟؟ تلك مسألة حيّرت حكومات شرق أوسطية عديدة وخبراء تحليل كثيرين لمدة طويلة. وهذا اللغز صار مركباً (مضاعفاً) بفرصة إيران في السير على خطى إسرائيل: الحصول على قدرة تملك السلاح النووي، ولكن من دون أن يكون من الواضح أبداً، فيما إذا كانت (إيران) تمتلك السلاح النووي فعلاً. عليه وبتكثيف شديد: يضم الشرق الأوسط الآن طرفين من المحتمل بقوة أنهما مسلحان نووياً. وهذا الوضع يمكن أن يقود إلى أزمة قاتلة (مات الملك/ لعبة الشطرنج).. التوتر بين الطرفين قد لا يؤدي أبداً إلى حرب نووية، لكنه يمكن أن يُطيل نزاعات حالية على نحو غير محدود، وإبقاء الأنظمة العربية رهينة نزوات كل من الجانبين وطموحاتهما وابتزازهما، وربما يقود هذا الوضع إلى سباق تسلح إقليمي، أو إلى إحراق المنطقة بحروب كلاسيكية متقدمة تقدم تكنولوجيا السلاح التقليدي. رد الفعل العربي تجاه الغموض النووي الإسرائيلي، يتجسد في جهود تقودها مصر، لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي إذ كانت مصر ومازالت في هذا المجال، المدافع الثابت والأكثر تصميماً لجعل المنطقة خالية من السلاح النووي وهذا هو بعض سر عداء النظام الإيراني لمصر.. نقد مصر الشديد لإسرائيل، وإيران، على خلفية الملف النووي والتعنت الإيراني بشأن تخصيب اليورانيوم، وجد أخيراً أذناً صديقة (صاغية) لدى أوباما. إن آخر مؤتمر لمراجعة اتفاقية تحريم الأسلحة النووية NPT عقد في نيويورك 2010، إذ أرسلت الولايات المتحدة إشارة إلى مصر تتضمن رغبتها في مناقشة الأسلحة النووية. مسؤولون أمريكان، على أي حال، كانوا حذرين من أن إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط يجب أن تأتي لاحقة بتحقيق السلام والتطبيع مع إسرائيل!! وعلى الرغم من هذه التحفظات، تعطي واشنطن أكثر من التفاتة لمشروع مصر. الحوار الإقليمي حول الأسلحة النووية يمكن أن يحشد الدعم العربي لإيقاف جهود إيران النووية، وربما يوقف سباق تسلح نووي يجب إفشاله، لكن مصر الحالية غير مصر عام 2010، وربما اختلفت اهتماماتها، ودورها في العالم العربي، ما يعني خارطة تعامل جديدة واستجابات جديدة لتحديات السلام النووي في الشرق الأوسط، أرى أن دول الخليج العربي سيكون لها الشأن الأول فيه بديلاً لمصر، خاصة أنها تتلمس بقوة مدى الرعب النووي الذي تريده إيران أن يتسيد ضفة الخليج العربية، في أجواء تآمرها على النظام في البحرين، وفي ظل اتفاقات الدفاع الخليجي المشترك والدعوات المتصاعدة لإبدال التعاون الخليجي بالاتحاد الخليجي. الحقيقة غير السارة، على أي حال، أنه لا إسرائيل ولا إيران مستعدة لنزع سلاحها النووي في غياب اتفاقية واسعة عامة. (إيران لن تهجر طموحاتها النووية من دون اتفاقية سياسية مع الولايات المتحدة وبناء نظام أمني جديد يلبي طموحاتها وأطماعها في المنطقة. وإسرائيل لن تنزع سلاحها في غياب اتفاقية سلام شاملة وإطار إقليمي يحد من قدرات إيران). القدرة الحمائية ورداً على الجهد المصري بهذا الشأن يسخر الرسميون الإسرائيليون من الانضمام إلى اتفاقية تحريم الأسلحة النووية NPT أو الثقة بالقدرة الحمائية للمنظمة القائمة عليها- الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA. فمن وجهة نظرهم لا معنى للانضمام إلى نظام نووي فاشل، سمح ويسمح لأعضائه بممارسة أنشطة نووية سرية لغاية امتلاكها السلاح النووي. ومن دون شك فإن إسرائيل في موقع يمكنها أن تطلب التزام بلدان أخرى بمعايير المنظمة وليس ذاتها، ويظهر أن هذا الأمر مع ذلك لا يؤثر في حساباتها. ولا تستطيع البلدان العربية لوحدها إقناع إسرائيل أو إيران أو إجبارهما على اتخاذ خطوات ثابتة باتجاه نزع سلاحهما النووي. فقط الولايات المتحدة تستطيع تسهيل هذا الأمر بالتوسط للوصول إلى اتفاقيات سلام وعرض الضمانات الأمنية لكلا الطرفين. وكما كان الحال مع عملية السلام الإسرائيلية العربية فإن رغبة أمريكا وقوتها ستبقى المفتاح المركزي. ما يستطيع العرب فعله، وما تتمكن منه دول الخليج، على أية حال، هو إعداد منظم ليس فقط للهدف، بل للعملية والإجراءات أيضاً. في غياب انضمامها إلى اتفاقية نزع السلاح النوويNPT، تبقى إمكانية أن تتخذ إسرائيل إجراءات بناء الثقة قائمة، مثل تصديق معاهدة منع التجارب الشاملة، الانضمام إلى معاهدة قطع المواد الانشطارية، وإيقاف بحث الأسلحة النووية وتطويرها، بينما تبقى إيران تمارس دورها لإثارة الرعب وزعزعة السلام النووي في المنطقة. وهذا ما يمكننا ملاحظته في موقف السعودية الذي أبرزه الأحد الماضي وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، الذي شدد على ضرورة أن تستفيد إيران من المهلة الممنوحة لها، وأن تفتح منشآتها للتفتيش الدولي، مع إزالة الشكوك كافة حول برنامجها النووي، بما يكفل حقها ودول المنطقة في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية. قلاقل تثيرها إيران إلى ذلك، أوضح الوزير الفيصل خلال مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية الألماني غيدو فيستر فيلي، أن الطرفين بحثا ما وصفه بالتدخل السافر لإيران في شؤون دول عربية عدة (في إشارة إلى القلاقل التي تثيرها إيران في البحرين منذ فبراير العام الماضي، والتدخل السافر في العراق وسوريا)، ودعوتها للكف عنه. وعلينا ألا نغفل أن إسرائيل حققت امتلاكها للسلاح النووي قبل صياغة مسودة معاهدة تحريمه، وفي ظل غياب أي احتجاج عربي، لتبقى إيران المنتهكة الأسوأ للاتفاقية. وفي ظل بيئة تتساقط فيها ركائز ولاية الفقيه في المشرق العربي -سوريا ولبنان وفلسطين- وفي الخليج العربي، اشتداد ساعد دول مجلس التعاون وهي تهشم النظام السوري حليف إيران القوي، ووقوفها إلى جانب البحرين في تصديها للانقلاب الطائفي والمؤامرة الإيرانية على النظام، يبدو أن خيار إيران المتبقي هو نشر الرعب النووي خليجياً، تساوقاً مع التغطية الثقيلة على مفهوم أن السلاح النووي لم يعد مرعباً، وأن التهديد به لم يعد مثيراً للقلق، بل إنه لم يعد يدفع إلى سباقات تسلح بتلك الشدة التي كان يتوقعها الخبراء والمحللون كالعامين الماضيين في منطقة الخليج العربي. كما إن المسألة الاستراتيجية والسياسية لنزع السلاح النووي هي الأكثر إلحاحاً، لكنها تتطلب خطابات أكثر تعقيداً، بحيث تربط المسألة بالتطبيع بالنسبة لإسرائيل، ومحيطها العربي، وبالنسبة لإيران قبولها كمهيمن إقليمي فاعل جائزته الأولية رأس النظام البحريني، كمعبر إلى بقية الجوائز (بقية دول الخليج العربية) التي ينشط نظام ولاية الفقيه للحصول عليها في ظل يقينه التام أن الحرب التي تهدده بها إسرائيل وأمريكا ليست إلا أكذوبة، وأن من جوائزه أن تصدق دول الخليج هذه الأكذوبة. ومنذ بداية العام الماضي 2011 ونحن نسمع أن إسرائيل ستبذل أقصى ما في وسعها، بما في ذلك استخدام القوة العسكرية، لمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية، أو بحسب التعبيرات الإعلامية المبهمة أو غير الواقعية الأخيرة، منع إيران من دخول منطقة الحصانة النووية، مؤكدة أن إسرائيل بدأت بالفعل، اتخاذ خطوات عسكرية جدية بهذا الاتجاه، عندما وقعت إيران مع البرازيل، اتفاقاً، يقضى بنقل جزء من اليورانيوم الإيراني المخصب إلى تركيا، والاحتفاظ به هناك لمدة معينة، وهو الأمر الذي قد يتيح لإيران تفادي العقوبات الدولية، التي كان من المنتظر إيقاعها عليها، لكن فشل هذا الاتفاق، وإيقاع العقوبات، رفع اليد الإسرائيلية، كما يقول بعضهم، عن الزناد !! وفي رأيي، إن الأمر ليس بهذه السهولة، فإن اليد الإسرائيلية لم تكن أصلاً على الزناد فيما يتعلق بإيران إلا شكلاً خارجياً إعلامياً، إذ إنها مرتبطة بشبكة مؤثرات أخرى في مقدمتها الموافقة الأمريكية المتعذرة أو المستحيلة حتى الآن. يقول المحلل الاستخباري الإسرائيلي المعروف يوسي ميلمان إن من ينصت لتصريحات نتنياهو والاقتباسات التاريخية التي يستخدمها ابتداء من أبريل نيسان 2009 حتى الآن يتوهم أن إسرائيل تظن أن امتلاك إيران السلاح النووي يعنى دمارها الأخير، لذلك فإن تل أبيب لن تسمح لطهران بهذه الخطوة أبداً. وأوضح ميلمان أن إسرائيل لديها سابقتان في هذا الاتجاه تعززان هذا الوهم، فقد شنت ضربة وقائية ضد العراق في يونيو 1981 لمنعه من الحصول على السلاح النووي ودمرت الطائرات الإسرائيلية المفاعل العراقي أوزيراك في ظرف دقيقتين. إيران وسوريا وحزب الله وأشار ميلمان إلى السابقة الثانية التي وقعت في سبتمبر2007، عندما دمرت الطائرات الإسرائيلية مفاعلاً نووياً على ضفة الفرات، شيدته سوريا بتمويل إيراني، وخبرة كوريا الشمالية. ونقلت الصحيفة عن المحرر العسكري عاموس هارئيل قوله إن المناورة العسكرية التي نفذتها إسرائيل في الداخل، قبل عام، اشتملت على نقل آلاف السكان اليهود وتهجيرهم إلى مدن مختلفة في العمق الإسرائيلي، هرباً من ضربات صاروخية “قد توجهها إيران وسوريا وحزب الله وربما حركة حماس للعمق الإسرائيلي”، انتقاماً من الضربات الجوية التي ستتعرض لها هذه الأطراف في أي حرب تنشأ بين الطرفين، لكن هذا القول فقد واقعيته كما أرى، وبات يتناقض مع: أولاً: إن إيران ليست سوريا ولا العراق وإجراءات الحماية الإيرانية قد لا تكون دفاعية فحسب، وإنما هجومية تتضمن مصالح أمريكية في الخليج، لا تستطيع أمريكا المجازفة بشأنها والسماح لإسرائيل بضرب إيران المتهيئة للانقضاض يأساً واقتداء بمقولة “عليّ وعلى أعدائي”. ثانياً: إن سوريا مشغولة بنفسها الآن. ثالثاً: إن حزب الله عام 2012 ليس هو عام 2006. رابعاً: إن حماس لم تعد في الصف الإيراني تماماً، وفق موقفها الأخير المناوئ للنظام السوري، وجولة خالد مشعل الأخيرة في الخليج مؤشر على ذلك، من هنا فإن مفتاح الخلاص الخليجي، يكمن في إزاحة كابوس الضغط النفسي الذي تسلطه إيران وإسرائيل وأمريكا والغرب بعامة ابتزازاً، وإلقاء رعبها وكل ما يثيره، في حاويات قمامتها الحافلة بنفايات المستهلكات ذات المصادر الإيرانية والأمريكية والغربية، وترصين جبهتها الداخلية، الأمر الذي أدركته بفهم متقدم قيادة البحرين، واندفعت تردم الخنادق التي حفرتها المعاول الإيرانية بين مكونات شعب البحرين، بالدعوة إلى الحوار ولم الشمل والإصلاح، وهو ما أرى أن من يسمون أنفسهم المعارضة الوطنية، ترتب عليهم واجب لا مناص منه، إن كانوا يقدمون الولاء للوطن حقاً، هو التقدم نحو حوار جاد، ووضع كل شيء على الطاولة، من أجل بحرين حرة الإرادة عربية الهوية.