^  «لقي ما لا يقل عن 20 شخصاً مصرعهم، بينهم جنديان على الأقل، وجرح عشرات آخرون، في مواجهات تجددت مساء الخميس (19 أبريل 2012)، وتواصلت حتى صباح الجمعة، بين قوات الجيش اليمني، وعناصر يُشتبه في انتمائها لتنظيم (القاعدة في شبه الجزيرة العربية)، بالقرب من مدينة زنجبار، في محافظة أبين، جنوبي اليمن. وأكد مصدر مسؤول في وزارة الدفاع اليمنية، أن قوات من الجيش، وبمساندة شعبية من السكان، حاصروا بعض المواقع الخاضعة لسيطرة العناصر المسلحة، ما بين مدينتي زنجبار ولودر، في محافظة أبين، والتي كانت جماعات ترتبط بتنظيم القاعدة قد أعلنتها (إمارة إسلامية)”. وقبل أيام من تلك الحادثة “أكدت مصادر في وزارة الداخلية اليمنية أن ثمة تحركات عاجلة بدأتها السلطات الأمنية، للتثبت من صحة احتجاز نائب القنصل السعودي عبدالله الخالدي من قبل مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم القاعدة في مديرية (جعار) بأبين جنوب البلاد”، الذي اختطف في شهر مارس 2012، وحينها رجح مصدر أمني يمني “أن تكون جماعة (أنصار الشريعة) التابعة لتنظيم (القاعدة) وراء اختطاف نائب القنصل السعودي عبدالله الخالدي”. قائمة العمليات التي تحاول واشنطن أن تشيع أنها من تنفيذ “تنظيم القاعدة” تطول حتى نكاد أن نفقد القدرة على الوصول إلى آخرها، ومن ثم القبول بها، الأمر الذي يثير علامة استفهام كبيرة حول حقيقة حجم “تنظيم القاعدة”، وقدرته على الاستمرار في العمل، رغم التكتل الدولي والإقليمي الضخم الذي تقوده الولايات المتحدة منذ تفجير البرجين الشهيرين في العام 2001، والتي عرفت بأحداث سبتمبر ضده. فمنذ ذلك التاريخ كرست الولايات قواها ومن ورائها تحالفاتها الدولية لشن حروب واسعة شرسة فاقت الدائرة التي يمكن أن تملؤها نشطات تنظيم مثل القاعدة، مهما بلغت إمكاناته البشرية أو المالية، أو اتسع نطاق تحالفاته، فشهدنا دخول قواتها إلى دول مثل أفغانستان، وتنصيب حلفائها مثل كرزاي على رأس الحكم فيها، وإطاحة الجيش الأمريكي، معززاً بقوات حليفة، بأنظمة مثل نظام صدام في العراق، وتمزيقه وشل حركته. وتطورت أشكال، ومن ورائها، مبررات التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة العربية، من أجل إعادة رسم خارطتها، ومعها موازين القوى فيها، فوجدناها تتدخل مباشرة في ليبيا، وتبحث لنفسها عن موطئ قدم في سوريا، وتهدد بالتدخل في اليمن، كما جاء على لسان وزير الدفاع الأمريكي، ليون بانيتا، في جلسة استماع أمام الكونغرس، إبان الأحداث اليمنية. فقد طالب الوزير الأمريكي بالسماح له باستخدام “الطائرات دون طيار لاستهداف القاعدة في اليمن، رداً على استنكارات بعدم شرعية الاستراتيجية التي صعدت الولايات المتحدة من استخدامها مؤخراً”. ندعو إلى التمعن في تطور الأحداث، دون أن يقودنا ذلك إلى السقوط في فخ تضخيم القوة الأمريكية، واعتبارها المحرك الذي يتحكم في أحداث العالم، ومن ثم تقزيم نضالات الشعوب، وتصويرها أنها مجرد أدوات في لعبة الصراعات الدولية ولفهم الحالة العربية السائدة اليوم، وما يحلق في سمائها السياسي من إعلام حول عمليات “تنظيم القاعدة”، لا بد من ربط ذلك بنظرية “الإرهاب” التي تروج لها مؤسسات صنع القرار الأمريكية، لما يقارب من نصف قرن. فليست هذه المرة الأولى التي يشهد فيها تاريخ المنطقة العربية المعاصر مثل هذه الاتهامات التي صنفت تحت فئة الإرهاب. ففي عقد السبعينات ومطلع الثمانينات من القرن الماضي، وقبل خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان في العام 1982، ألصقت التهمة ذاتها بالثورة الفلسطينية من خلال ربط عملياتها بمنظمات اعتبرت حينها أيضاً أنها إرهابية من أمثال “الألوية الحمراء”، التي تأسست في ميلانو في العام 1970، وكانت أشهر عملياتها في العام 1978 عندما قامت باختطاف رئيس الوزراء الإيطالي “ألدو مورو”، نفذت فيه حكم الإعدام في ظروف وصفت بأنها درامية. ولمع في سماء التصنيف نفسه اسم “كارلوس” المعروف باسم “ابن آوى”، وكانت أشهر عملياته اختطاف المشاركين في اجتماع أوبك في ديسمبر 1975، من بينهم 11 وزيراً من أمثال السعودي أحمد زكي اليماني والكويتي علي الصباح. وانضم إلى لائحة التنظيمات المتهمة بالإرهاب “الجيش الأحمر الياباني”، الذي كانت له علاقات وثيقة مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وكانت معظم العمليات التي قام بها هي اختطاف الطائرات، ومن أشهرها تلك التي نفذها في 30 مايو 1972 في مطار “بن غوريون الدولي”، وكان يعرف حينها باسم مطار اللد، وترك الهجوم وراءه 26 قتيلاً و80 مصاباً. ولا يمكننا إغفال اسم “منظمة بادر ماينهوف” التي أصدرت إحدى المحاكم الألمانية حكماً بإطلاق سراح زعيمها كريستيان كلار، في مطلع هذا القرن بعد أن أمضى 26 عاماً في السجن، والتي نفذت مجموعة من العمليات المسلحة التي قتلت فيها “30 شخصاً من بينهم رجال أعمال ومدراء بنوك وجنود أمريكيون في ألمانيا”. كان لا بد من سرد هذه القائمة، لالتصاق أسماء منظماتها بالثورة الفلسطينية، التي كانت في تلك الفترة تشكل ظاهرة ثورية متميزة، وتمثل في الوقت ذاته، خطراً حقيقياً يهدد الكيان الصهيوني من جهة، ويستقطب القوى العربية الشابة المتحمسة من ناحية أخرى. حينها انصب جام الإعلام الغربي على تلك الثورة، ودبرت لها الكثير من “تهم الإرهاب”، التي بررت، في تلك اللحظة التاريخية، تجيير قوى عالمية من أجل الإجهاز عليها. وأثبت التاريخ في مراحل لاحقة أن الثورة الفلسطينية كانت براء من الكثير من تلك التهم الباطلة، التي صاغتها دوائر صناعة القرار الأمريكية من أجل تنفيذ مشروعات كبيرة ذات علاقة بالمصالح الأمريكية المباشرة في الشرق الأوسط عموما، والمنطقة العربية على وجه الخصوص. حينها كان رأس المقاومة الفلسطينية مطلوباً من أجل إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، وكان الوجود الفلسطيني في لبنان، سياسياً كان ذلك الوجود أم عسكرياً، يشكل عقبة يصعب تجاوزها من قبل القوى التي تحاول أن تأتي النتائج بما يخدم مصالحها في المنطقة، ولا يعيق مشروعاتها تجاهها. ومن يتابع تطور الأحداث التي عرفتها المنطقة منذ الثمانينات من القرن الماضي حتى اليوم، يستطيع أن يلمس الدور السلبي للفراغ الذي تركه الخروج الفلسطيني من لبنان. ولعل الطوفان غير المحدد الاتجاه، الذي يجتاح المنطقة العربية اليوم، هو أحد العلامات البارزة على ذلك الدور السلبي، دون أن نحمل المقاومة الفلسطينية تبعات ذلك. هذا يقودنا إلى ضرورة التمعن فيما يطرح اليوم حول العمليات التي يروج أنها من صنع “تنظيم القاعدة”، لفهم الأهداف الخفية الحقيقية التي تكمن وراءها