^   مع الذكرى التاسعة لاحتلال العراق أصدرالأستاذ الدكتور عبدالستار الراوي (معجم العقل السياسي الأمريكي المعاصر.. مصطلحات الحرب العدوانية على العراق)، عن دار الدراسات العلمية للنشر والتوزيع في مكة المكرمة. وهذا الكتاب وصفه الناقدون بأنه إنجاز علمي يرقى إلى مصاف الأعمال التاريخية، فهو ثمرة جهد ثماني سنين، في تقصّي الأفكار والمصطلحات والمفاهيم والشعارات التي رافقت غزو العراق واحتلاله، على وفق منهج علمي دقيق، وجهد دؤوب حريص على تقديم أفضل ما يمكن، فعلاً. كنت كتبت، قبل أكثر من سنتين، عن هذا المعجم ووصفته بأنه من أوائل ما كتب في أدبيات المقاومة العراقية فهو يدين الاحتلال الأمريكي من خلال رصده الدقيق للمصطلحات التي أطلقها الأمريكان وحلفاؤهم ومن جاء معهم على ظهور دباباتهم، كما رصد المصطلحات الشعبية العراقية المقابلة، وأرخ ووثق لما يمكن أن نسميه “حرب المصطلحات”. فالمصطلح فكرة يريد المحتل من خلالها أن يرسخ مفاهيم جديدة في الأذهان، كمصطلح “التحرير”، مثلاً، الذي أراد من خلاله تغطية فعله الإجرامي الذي هو احتلال بلد ذي سيادة. نعم، فالمعجم وثِّق انطلاق الفعل العراقي الوطني المقاوم، والإرادة الوطنية، وكشف عن الشرارة الأولى للفعل الجهادي المقاوم لشعب العراق بوجه الغزو والاحتلال، واستعرض فلسفة المقاومة واستراتيجية الدفاع والهجوم، وأشار إلى المعارك والعمليات الفدائية والمتطوعين العرب والجنود المجهولين، كما وثق أدبيات المقاومة من بيانات وصحف ودوريات ومواقع وشبكات إلكترونية، وأدوات الفعل الشعبي المقاوم الأخرى، مثل التظاهرات والاحتجاجات وشعارات الجدران، وغير ذلك، فضلاً عن تعريته ـ بالاعترافات والشهادات والكتب والوثائق والأفلام ـ أدوات الاحتلال: أفراداً ومؤسسات وأحزاباً ومعاهد فكرية ومراكز بحوث، ووعاظ سلاطين، ووسائل إعلام على اختلاف أدواتها، وفضح جميع ما رافق العملية السياسية، كما تسمى كذباً، منذ تأسيسها على يد الحاكم المدني للعراق بول بريمر، وما رافقها من فساد ولصوصية وإجرام ومحاصصة طائفية وغير ذلك. إني أشبه الجهد الذي بذله الراوي في هذا المعجم بجهد القاضي التنوخي (المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم التنوخي البصري)، صاحب كتاب “الفرج بعد الشدة” وكتاب “نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة” وكتاب “المستجاد من فعلات الأجواد”، إذ وثق لنا فيها حياة الناس في عصره (العصر العباسي)، وبعد ألف سنة من وضعه هذه المصنفات حققها الأديب عبود الشالجي فعرفنا من خلالها كيف عاش الناس في ذلك العصر وماذا كانوا يستعملون وما المصطلحات التي تداولوها، وهي مصطلحات مازال أهل بغداد خاصة والعراق عامة يتداولون بعضها. وإذا كان الناس الآن سيستقبلون معجم الراوي بقليل من الاهتمام كونهم يعرفون المصطلحات الواردة فيه وعايشوها، فهذا ليس مهماً أبداً، فالراوي وضع هذا المعجم للمستقبل ليقدم للأجيال المقبلة صورة عن العراقيين وكيف يعيشون تحت الاحتلال وما يتداولونه من قصص ومصطلحات ذهب بعضها أمثالاً بينهم الآن. ثم إن هذا المعجم يخاطب المثقفين العرب تحذيراً لهم من تسلل هذه المصطلحات إلى عقولهم، فهي لغة موازية للغة الوحدوية التي ينشدها العرب بصفتها هوية الأمة، ولذلك فإن المعجم ينتقل من الخاص إلى العام.. من العراق إلى الأمة، ومن الأمة إلى العالم، ومن الحاضر إلى المستقبل. وهذا المعجم ليس الوحيد، إذ سيصدر للراوي قريباً معجم آخر يحمل المصطلحات الإيرانية بثلاثة أجزاء، في إطار حرب المصطلحات والأفكار التي يريد أعداء الأمة تسريبها إلى عقولنا. وتحية إلى شهداء العراق والأمة، وهي التحية التي تصدرت مقدمة المعجمين الأمريكي والإيراني.