نستطيع الجزم بالقول إننا دولة مازلنا نحتاج الكثير في مجال رعاية المتقاعدين، هذه حقيقة وواقع مؤسف يعيشه المتقاعدون في البحرين. يمكننا تصور حجم المشكلة بمجرد توجيه سؤال لأي متقاعد عن أحواله، سوف يمطركم بسيل من القصص التي تروي معاناته النفسية والمعيشية والاجتماعية. مرحلة التقاعد في الدول المتقدمة يحسب لها ألف حساب سواء على مستوى الفرد أو الحكومة والمؤسسات الأهلية، وتبذل الحكومات والمؤسسات الأهلية بهذه الدول جهود كبيرة وتصرف الملايين من أجل توفير حياة كريمة لمواطنيها في مرحلة التقاعد، وذلك إكراماً وتقديراً من الدولة للمواطن الذي قضى كل عمره في خدمة بلده. المؤسف حقاً أننا نعيش وضعاً بعيداً بعض الشيء عن ذلك في البحرين، فهذه الفئة مهمشة على كافة المستويات المعيشية من قبل المؤسسات الحكومية والأهلية، كما إننا كأفراد نفتقر بشدة ثقافة الإعداد والتخطيط لهذه المرحلة المهمة والحساسة من حياتنا. فعلى المستوى الفردي مطلوب نشر وتعزيز ثقافة التخطيط والإعداد الجيد لمرحلة عمرية جميلة لا تعيسه. هذا السلوك الإيجابي لابد من زرعه ونشره في مراحل عمرية تسبق التقاعد، من خلال جهود تعليمية وإعلامية وأهلية ترعاها المؤسسات الحكومية والأهلية، لابد أن نسعى لإيصال رسالة حقوق المتقاعد إلى الرأي العام وتشكيل جماعات دعم أهلية ونيابية، حيث لا اعتبار لهذه الفئة ضمن مخطط الحكومة وبرنامجها السنوي. فقد حان الوقت لإحداث تغيير جوهري بتخصيص جزء من ميزانية الحكومة السنوية لتحسين مستوى معيشة المتقاعد وإنشاء الأندية الترفيهية الكفيلة بخدمته ورعايته نفسياً واجتماعياً. وفي هذا الشأن الحكومة غير متعاونة مع المجلس النيابي فمن بين 23 توصية نيابية رفعت لتحسين وضع المتقاعدين لم ينفذ منها إلا توصيتين. في حين أن جهود النواب مقتصرة على تقديم الاقتراحات دون جهود تذكر لكسب الحقوق. فعلى سبيل المثال لا الحصر قدم المجلس النيابي بعض المقترحات الجديرة بتحسين معيشة المتقاعد ولكنها رفضت جملة وتفصيلاً من قبل الحكومة. رغم أنها لن تكلف إلا اليسير من دخل الدولة، منها منح المتقاعد سجلاً تجارياً لمزاولة نشاطه، بطاقة تموين شهرية للسلع الضرورية، وتخفيض رسوم الخدمات الحكومية، بناء مراكز للمتقاعدين. فهذه المقترحات يجب ألا تقف عند حد رفضها، وإنما تشكل بداية لانطلاق مساع جديدة ومكثفة تدفع الحكومة للمبادرة والتعاون مع القطاع الخاص والأهلي لتحقيق ما يتيسر منها. تشير الأرقام البرلمانية إلى أن 68% من المتقاعدين يتقاضون أقل من 500 دينار شهرياً، فضعف الراتب التقاعدي قضية إنسانية واجتماعية تحتاج إلى دراسة وإعادة نظر من الحكومة وهي جزء كبير من معاناة المتقاعد. فالراتب التقاعدي لا يسد مصاريف فحص وشراء أدوية، فما بالكم ببقية الاحتياجات والمصروفات الأساسية. التقاعس من قبل مختلف الجهات بحق المتقاعدين يحتاج إلى صحوة ومبادرة فعلية لتحقيق شراكة حكومية وأهلية تعمل بجد تتجاوز حدود الكلام والمقترحات والتصريحات اللامعة وذلك لن يتحقق بالتمني وإنما بالأفعال ووضع رؤية واستراتيجية تنفذها جهة رسمية وأهلية مشتركة عالية المستوى.