^  “نشرت صحيفة لوس أنجيليس تايمز صوراً لجنود أمريكيين وهم يهزؤون بجثث قتلى أفغان. وقد سارعت قيادة الجيش الأمريكي إلى إدانة هذه التصرفات وأمرت بفتح تحقيق فوري في ملابساتها.... ويأتي نشر هذه الصور بعد فضيحة الفيديو الذي أظهر جنوداً أمريكيين وهم يتبولون على جثث قتلى أفغان في يونيو الماضي”. هذا المقطع هو ملخص لشريط فيديو مصاحب له بثهما، سوية، موقع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، ويكشف بالصورة “عبث” الجنود الأمريكان، بجثة مواطن أفغاني. كان يمكن أن نعتبر ما جرى حادثاً عرضياً قامت به مجموعة “منفعلة” من القوات الأمريكية، لكن عندما نربط بينه وبين سلسلة أخرى من المسلكيات المتكررة التي أصبحت تجتاح المجتمع الأمريكي، تبدو الصورة مختلفة بعض الشيء، وتبرز معالم تشوه، يصل إلى مستوى الانحطاط، بات يسود الحضارة الأمريكية، سواء خارج الولايات المتحدة أو داخلها. فعلى الصعيد الخارجي، يمكننا أن نقيس مدى هذا التدهور أو الانحدار بالسلوك السائد في صفوف القوات الأمريكية في العراق أو أفغانستان، فلاتزال صورة الجنود الأمريكان وهم يحرقون “المصحف الشريف” في قاعدة باغرام الجوية عالقة في الأذهان. وفشلت حينها اعتذارات وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا في امتصاص نقمة الشعب الأفغاني الذي عبر عن حنقه بخروجه في مظاهرات حاشدة استمرت عدة أيام. تلا ذلك وبعد أقل من شهر، جريمة أخرى ارتكبها جندي أمريكي قام، كما تناقلت وسائل الإعلام “بإطلاق النار على عشرات المدنيين مما أسفر عن مصرع 16 شخصاً على الأقل في ولاية قندهار، اعترف، الرئيس الأفغاني، حامد كرزاي حينها أن القتلى الـ 16 الذين سقطوا بنيران الجندي الأمريكي، بينهم تسعة أطفال وثلاث نساء”. ما يكرس مظاهر الانحطاط الحضاري الأمريكي، الذي نتحدث عنه، هو إصرار الإدارة الأمريكية المتكرر على تزوير الحقائق، وتزييفها، فبعد الهجوم الجوي الأمريكي الذي استهدف يوم 22 أغسطس 2008، قرية عزيز أباد بولاية هيرات، أكدت سلطات كابول وممثليات الأمم المتحدة في أفغانستان “أن الهجوم الجوي على بلدة عزيز أباد خلف 90 قتيلاً غالبيتهم العظمى من الأطفال والنساء، (في حين) أعلن بيان صادر عن قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة يوم 2 سبتمبر 2008 عن مقتل 5 إلى 7 مدنيين إضافة لمقتل 35 من عناصر طالبان، وذلك بعد تحقيق داخلي قامت به قوات التحالف”! اعتبرت القيادة الأمريكية أن مثل هذه الجرائم، تماماً كما صرحت عند حرق القرآن الكريم، والعبث بجثة القتيل، ليست سوى “حوادث مؤسفة للغاية، ونحن نعبر عن أسفنا وتعاطفنا مع أسر الضحايا”. وفي وسع من يتابع جرائم القوات الأمريكية في الخارج، كتلك التي في العراق أن يرصد عشرات إن لم يكن المئات من أمثال تلك الجرائم التي تعتبر شواهد حية متكررة تؤكد على تدهور، إن لم يكن انحطاط، الحضارة الأمريكية. فقد كشفت وثائق ويكيليكس التي تناقلتها وسائل الإعلام حملات الإبادة التي تعرض لها “المدنيون العراقيون بينهم النساء الحوامل والعجائز والأطفال وحتى المرضى النفسيين الذين كانوا يقتلون طيلة سنوات الحرب على نقاط التفتيش العسكرية وبنيران الطائرات الأمريكية المقاتلة”. وأظهرت الوثائق نفسها “عن وجود 285 ألف ضحية عموماً، وأن معدلات القتلى كانت في ارتفاع مطرد، وأن شهر ديسمبر 2006 كان الأكثر دموية حيث قتل 5183 في ذلك الشهر وحده، وصنف 4000 منهم بأنهم مدنيون”. وفي مقالة موثقة، يستعين فيها بمجموعة من الكتابات المعمقة، يحاول الكاتب الإسلامي طلعت رميح أن يربط بين ما تقوم به الولايات المتحدة اليوم في الدول التي تحتلها وبين مفهوم إبادة الحضارة والبشر الذي يمتد في تاريخ الحضارة الأمريكية عميقاً “من إبادة الهنود الحمر إلى إبادة اليابانيين إلى الفيتناميين إلى إبادة المسلمين حالياً. مفهوم خطف الناس واستعبادهم وقتلهم وإرهابهم ممتد من خطف الأفارقة إلى خطف الأفغان ومن معتقل جانجي إلى معتقل أبو غريب”. أما الانحطاط على المستوى الداخلي فيكشفه بوضوح صارخ ارتفاع معدلات الجريمة، وتدهور القيم الأخلاقية، في المجتمع الأمريكي، الذي ترصده إحصاءات صادرة عن مؤسسات بحثية أمريكية. فينقل موقع “مفكرة الإسلام” تقريراً عن موقع، منظمة ‘الجريمة’ الأمريكية http://www.crime.org/do/Home أرقاماً تؤكد على “أنه في كلّ دقيقتين تقريباً يتم الاعتداء جنسياً على شخص ما داخل الأراضي الأمريكية، وأنه في خلال عام 2002 وحده كانت هناك حصيلة لحالات الجرائم والاعتداءات الجنسية تصل إلى 4854 داخل مقاطعة كولومبيا في العاصمة الأمريكية واشنطن فقط. وأن هذه الحصيلة تعني وقوع 13.2 جريمة اعتداء في هذه المنطقة الأمريكية يومياً، أما في ميريلاند، فقد وقعت هناك حوالي 3228 من حالات السرقة والجرائم في كل مائة ألف شخص خلال عام 2002. وفي ديترويت وقعت 4179 جريمة قتل في كل مائة ألف شخص خلال عام 2002”. وتشير دراسات أخرى نشرها موقع “بوابة العلم والنور”، نقلاً عن مصادر أمريكية أيضاً “أنه في كل يوم هنالك 1871 امرأة بالغة تغتصب في أمريكا أي ما يعادل 56916 امرأة شهرياً. وقد أثبتت الدراسات أن 90% من كل حالات الاغتصاب يخطط لها سابقاً. ففي 87% من حالات الاغتصاب إما أن يحمل المعتدي سلاحاً أو يهدد الضحية بالموت إذا قاومته. ونتج عن الدراسة التي أجريت في إحدى الجامعات الأمريكية سنة 1998 أن 25% من الإناث اللاتي أجريت عليهن الدراسة إما أنهن تعرضن للاغتصاب أو أنهن تعرضن لمحاولة اغتصاب”. يرافق ذلك التهتك الأخلاقي، جهل ذهني يعريه فقر ذخيرة الفرد الأمريكي من المعلومات العامة، إذ يدحض موريس بيرمان، كل الادعاءات التي تحاول أن تروج لتلك الحضارة، حين يقول في كتابه “انحطاط الحضارة الأمريكية”، الذي قام بترجمته حسين الشوفي، والذي يعرض بعض ما جاء فيه بشكل مكثف محمد إسماعيل زاهر، “في أمريكا، 40 % من الأمريكيين لا يستطيعون تحديد مكان اليابان على خريطة العالم، 15 % لا يعرفون مكان الولايات المتحدة نفسها، 58 % لا يفهمون افتتاحية الصحف الكبرى، 60 % لا يعرفون كيف تأسست بلادهم، 21 % يعتقدون أن الشمس تدور حول الأرض، 60 % لم يقرؤوا كتاباً طوال حياتهم”. لم يعد من حاجة لدلائل أسطع، وفي الجعبة الكثير منها، للتأكيد على مظاهر انحطاط الحضارة الأمريكية، وليس هناك من تجن في وصف الحضارة الأمريكية بالانحطاط، بعد سبق الجميع إلى ذلك كاتب أمريكي هو موريس بيرمان، وسلط على بعض جوانبه نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ألبرت أرنولد آل جور، في كتابه الشهير “هجوم على العقل”، الذي قامت بترجمته نشوى ماهر كرم الله، ونشرته بشكل مشترك: دار العبيكان، والكلمة