^ كم لزيارة الكرام في قلوبنا مكانة، وكم لمحبتهم في صدورنا علامة، فنحن ننتظر منهم إشارة وسلاماً، كما نحنُّ للقائهم.. فمجيئهم لنا فيه السلامة، ولو كانت لنا فرصة لطرقنا عليهم أبوابهم، لنبثهم منا طيب التحية والاحترام.. فتقدير الكبار فيه عز وافتخار، والأمة لا تسود إذا لم يوقر فيها الشهام، ولك يا بوعيسى من أهل الفاتح تحية وعرفان، فهم أهل الكرم والكرامة الذين يحملون كبارهم في قلوبهم، ولا يرضون أن يسمعوهم إلا طيب الحديث وأجمل الكلام، فمحشوم يا بوعيسى يا ابن الكرام، فحياك دار “يحوفك” حولها ناس كرام، أولئك الذين خرجوا في ليلة ظلماء، وأقسموا أن لا يمسكم أذى وهم فيها وجود وأحياء. فهذه هي صفات المروءة والشجاعة التي بها تحيا الدول ويعم فيها العز والرخاء.. أولئك الذين يؤثرون على نفوسهم لا يهمهم نقص عيش ولا ينظرون إلى سلطة ولا يحسدون من أتاه الله نعمته. هم أهل الفاتح الذين حز في نفوسهم ما فعلته شرذمة، والذين لم يؤثر بهم وقفة ولا كرم من فتح لهم الدار وشرع لهم الأبواب وحياهم ما لا يحيي غيرهم بالمودة فقابلوه بالبغضاء.. لكن يبقى الكريم مكرماً. أخذت الأمور تسير من سيئ إلى أسوء عندما تعدت الحرية مبادئ الأخلاق، واعتبرت السلوكيات الشاذة مبادئ، وعندما اعتبرت الخصال الطيبة خضوعاً وضعفاً، وهذا الزمان الذي تحدث فيه الرسول أن القيم ستنتكس عندما يقدر اللئيم ويحسب لغضبه ويبادر لرضائه، ويتجاهل الكريم، بل ويخون ويهان، ويشطب من قائمة الأحياء.. حين يكون أديباً يتحلى بالأخلاق، صاحب حياء لا يرفع لسانه وإن كان على حق، فيصبح مجهولاً مركوناً ليس له حظ ولا نصيب، ولا يكون له حساب ولا محسوب ولا مكتوب، فتصم عنه الأذان وتغلق في وجهه الأبواب، ويختصر معه السلام والكلام، كما لا يعبره سكرتير ولا مدير ولا مسؤول، لأنه إنسان كريم يخجل أن تغلق في وجهه الأبواب، فيلتزم الهدوء ويحتسب أجره عند رب الوجود. أما من كان خلقه الشتم والتسقيط فقد أصبحت له عزة، فيصاحب درءاً لشره، ظناً أنه عون وصحبته أمان، ولكن تمر الأيام ويكشف اللثام عن اللئام الذين لم يراعوا حق كبير ولا ضيف كريم، جاءهم يقدم التحية والسلام ويواسي في مصاب. فما كان إلا أن خرج الكريم ولم يفسح له الطريق، وكان بالإمكان أن يهيأ له الدرب، كما يهيأ لكبارهم الذين تقبل رؤوسهم وأقدامهم، ويؤمن لهم الطريق ويستنكر بل ويهدد كل من يشير لهم بحرف في شريط أو في كتاب.. فتراهم يهيجون لأجله ويقومون الدنيا على من تجرأ وراسله بكل أدب واحترام، واعتبر مراسلته إهانة لمكانته وتصغيراً لعمامته، ولكن عندما يكون القادم الكبير ابن القادة الكرام لا يفسح له طريق ولا يكتم صوت بغيض ولا نقيع..، فلم تردع النساء ولم نسمع أحداً من صاحب البيت أو من الحضور أن نهر أو أسكت الجموع، بل كان الجميع واقفين شهوداً، الأمر الذي تسقط أمامه كل المبررات والاعتذار. فالمشهد قد خرج عن السيطرة وأصبح في كل دولة يبث ويذاع، مما أثار غيرة الشرفاء، الذين يقدرون الكبير ويحترمون الكريم ويبرون أولي الأمر ويقابلونه بالتحية والترحاب ويودعونه بالمودة، لا طمعاً في مكانة ولا سلطة، ولا في عطية ولا هدية، بل لأن أخلاقهم العالية التي تربوا عليها، فهي مكارم الأخلاق التي أثبتتها المواقف والمحن، التي قال فيها القائل “ما للصلايب إلا أهلها”. فأهلك وسندك يا بو عيسى هم شعبك الشرفاء، الذين لا يضيع فيهم معروف، ولا يكيدون ولا يخططون ولا يسعون لمصالح يحققونها من جواركم، هم أهلك وعزوتك وإخوانك الذين خرجوا في الليلة الظلماء بعد أن آلمهم ما حدث في البلاد، خرجوا يدعون رب العالمين أن ينجي البحرين من كيد الكائدين الذين أنكروا الجميل وظهروا على حقيقتهم، فها هي المحن والشدائد التي تزيل الحواجب وتظهر المعادن.. فهي رسالات وإشارات من الله للتنوير والتحذير وكشف للحقائق والتوضيح، فهناك من يمكرون، لكن شاء الله أن يفضحوا “وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ”. نقول مرة أخرى إن كبارنا كرامٌ وكل منهم له في قلوبنا مكان، وندعو الله أن يهيئ لهم الرجال الصادقين، والبطانة الناصحين الذين يوصلون لهم الحقائق كما هي، ويشيرون عليهم لصالح البحرين لا لمصالح تقود الغوغائيين إلى العودة من جديد.