^   حينما ترفع شعارات تقول فيها إنك تقاتل من أجل حرية الرأي والتعبير، وإنك مع إدارة الاختلاف بطريقة ديمقراطية، وأن من حق الناس التعبيرعن آرائهم دون حجر أو قيد، ثم تقوم بأفعال تناقض هذه الأقوال، ماذا يسمى ذلك، كذب، تقية سياسية .. إلخ؟! ما تقوم به الوفاق المعارضة في حراكها كله مبني على شعارات لا تطبيق حقيقي لها على الأرض، إذ أساس حراكها يقوم على نفس المعادلة الأمريكية التي كانت أساس انطلاقها لدخول العراق وغيره من الدول بحجة محاربة الإرهاب والتي تقول: “إن لم تكن معنا فأنت ضدنا”. ما حصل قبل يومين من ردة فعل على تصريحات عضو جمعية الوفاق النائب السابق الدكتور جاسم حسين بعد تغريداته في “التويتر” بشأن سباق البحرين للفورمولا واحد، إثبات صريح بأن الوفاق وجمهورها لا يتقبلون أي رأي يخالفهم، حتى لو كان رأياً معتدلاً يبتعد عن السياسة. الدكتور جاسم حسين موقفه معروف من سباق الفورمولا واحد، ولكونه خبيراً اقتصادياً فإنه يعرف تماماً مدى نفع وفائدة هذا الحدث على الاقتصاد البحريني، وتغريداته على التويتر تتضمن العديد من التحليلات بشأن الخسائر التي تكبدها الاقتصاد البحريني بشأن الأزمة التي مرت فيها مملكة البحرين. شخصياً استضفت الدكتور جاسم في برنامج تلفزيوني قبل ثلاثة أعوام عن التأثير الاقتصادي لسباق الفورمولا واحد، وللأمانة أقول كان من أفضل المتحدثين عن الجدوى الاقتصادية للسباق، وكيفية استثماره لإبراز منجزات مملكة البحرين. لست في موقع الدفاع عن الرجل، فهو –يفترض- يعرف تماماً كيف يدافع عن أفكاره، وبرغم اختلافنا في الشأن السياسي، وخاصة ما حصل من الوفاق كونه عضواً فيها، إلا أن الحادثة الأخيرة تبين أن شعار “الدولة المدنية” الذي ترفعه الوفاق كمطلب غير حقيقي على الإطلاق، فالدولة المدنية يفترض فيها احترام آراء ومواقف كل طرف معني فيها مهما صغر حجمه أو قل ثقله، فكيف بالتالي نصدق هذا الشعار الذي ترفعه جمعية كمطلب وهي عاجزة عن احترام وقبول رأي أحد عناصرها كونه جاء مغايراً للاتجاه الذي تدفع فيه؟! أرسل الدكتور جاسم تغريدته فقوبلت برد فعل عنيف من قبل المتواجدين في مواقع التحريض ومن في التويتر، ووصلوا لمطالبة الوفاق بشطبه وطرده وسحب عضويته، فما كان من الوفاق التي تعيش اليوم في وضع حرج خوفاً من فقدان المزيد من هتافات الشارع المنفلت إلا أن تنصلت من تصريح عضوها وقالت بأنه لا يمثلها. هنا عليكم أن تنتبهوا لواقع يعيشه عديد من أعضاء الوفاق خاصة من كانوا أعضاء في مجلس النواب، إذ رغم كل الشعارات الرنانة الخاصة باحترام الآراء والحرية الشخصية، إلا أن العملية في النهاية مرهونة بقرار فردي، إما صادر من على المنبر الديني، أو قرار من يدير أمور الجمعية، وللدلالة على ذلك، فإن انسحاب عناصر الوفاق من البرلمان كان بصورة جماعية، وهو موقف نشك بأنه متفق عليه بين جميع العناصر أقلها ليس ظاهرياً، إذ بعضهم قد يكون له رأي مغاير بأنها ليست الطريقة المثلى للحراك في الأزمة، لكن في النهاية كانت الكلمة لمن يقول لهم قاطعوا فيقاطعون كما حصل في انتخابات 2002 ولمن يقول لهم شاركوا فيشاركون كما حصل في انتخابات 2006 و2010، والمعنيون عليهم التنفيذ دون نقاش. ثقافة التسقيط ولغته هي السائدة في هذا الحراك الذي ينكشف كل يوم بأنه قائم على أساس مذهبي طائفي، طال المختلفين مع الوفاق حتى من عناصرها، ومن المكونات التي تخالفهم التوجه المذهبي، بل وصل حتى للمنتمين لذات المذهب فقط لأنهم لا يتحدثون بنفس اللغة التي تهاجم الدولة وتسقط فيها وتشتم رموزها. تذكروا رجل الدين الشيخ جواد بوحسين ماذا حصل له حينما دخل الانتخابات التكميلية وفاز بالمقعد الشاغر؟! تمت مهاجمة منزله في نفس الليلة بزجاجات المولوتوف. هنا لم تتحرك الوفاق ولم تنبس بحرف. وتساءلنا يومها أليس ما حصل له تعدياً على حقه في التعبير عن رأيه والتمثل بمواقف هو مقتنع بها؟! أليس هو رجل دين من نفس المذهب؟! بالتالي لِمَ تم تخوينه ولِمَ استهدافه؟! فقط لأنه تحدث بلغة مختلفة. لست متأكداً من استعداد الدكتور جاسم حسين للاختلاف مع الوفاق، فهو عبر عن رأيه بشأن الفورمولا واحد وتمت مهاجمته وقامت الوفاق بالتنصل من تصريحه، وبحسب آلية عمل الوفاق الحزبية المتحركة بناء على قرارات فردية وفتاوى دينية، فإن الإنسلاخ عنهم أو العيش خارج جلبابهم مسألة تحتاج لجرأة كبيرة وشجاعة لمواجهة كافة صنوف التخوين والتسقيط. تذكروا فقط ما حصل مع الدكتور عبدالعزيز أبل الذي هاجمته الوفاق بعد عدم انصياعه لأوامرها باعتبار أنها من أوصلته لمجلس النواب. أكرر لست أدافع عن العضو الوفاقي رغم احترامي لآرائه الاقتصادية طوال السنوات الماضية بشأن البحرين، لكنني أريد فقط بيان كيف أن ثقافة الاختلاف لا موقع لها في قاموس الوفاق، وكيف أنهم سيرفعون إبراهيم شريف “السني” فوق أعناقهم لأنه يتحدث لغتهم ويأتمر بأمرهم، وكيف يسقطون غيره من شخصيات “شيعية” فقط لأن لغتهم مختلفة ولأنهم لا يتبعونهم في مواقفهم.