^  ربما يكون الموضوع الذي سأتناوله في هذه الأسطر، لا علاقة له بالسياسة من قريب، لكن دون شك ستكون له علاقة بالوطن وبذاكرته الجمعية، وسيكون من المهم أن يبعث الأمل في نشر المزيد من الوعي نحو الحب والالتزام بالتاريخ والارتباط بالمكان. سنتحدث اليوم عن مدى أهمية المحافظة على (فرجان لوَّل) في كل مناطق البحرين، تلك البقع المضيئة من تاريخ هذا الوطن، والتي شكَّلَتْ بمجملها، حاضنة الوعي الجمعي للمجتمع البحريني، وعرَّفتهم بالمصير الواحد في الوطن الواحد. لا أعلم كيف تحولتْ فرجان البحرين، والتي تخرَّجَتْ من داخل بيوتها آلاف الشخصيات الوطنية، ومئات الأسر البحرينية العريقة، إلى منازل للأجانب وسكن للعزاب الآسيويين، وكيف سمح أهل تلك البيوت (المنارات) أن يهجروها هكذا، دون ألم ضمير، تاركين خلفهم باحتها، لكل آسيوي أن يعيش في غرف كانت مليئة بالذاكرة والذكريات الجميلة التي لا يمكن للفلل الفخمة والحديثة أن تملأها، إلا بالأسمنت القاسي!!. مع بروز النهضة العمرانية التي شهدتها البحرين، ومع تدفق النفط، وفي ظل الإغراءات التي قدمتها المدنية الحديثة للإنسان البسيط، لم يكن في ظل هذا الخيار المغري، إلا أن يهجر المجتمع (أفراداً وعوائل) المنازل والذاكرة، من دون الاستماع إلى الحقيقة التي تؤكد أن المجتمع يعيش بتاريخه وبالأماكن التي نقشتْ معالم الحب في خاصرة الوطن والمجتمع. فرجان قديمة مقدسة في مخزون الذاكرة، تم تخريبها بإرادتنا، حين أعطيناها العمالة الرخيصة لتسكنها، وأن تنام في أغلى وأثمن ذكرياتنا، كل ذلك في سبيل حفنة من الدنانير التي لا يمكن لها أن تعوِّض ولو جزءاً من ذلك التاريخ المجيد. فرجان بعبق الماضي نذكرها جيداً ( البنعلي، والحياج، والصنقل، والعمامرة، وبن هندي، وستيشن، والمالود، والحدادة، والعوضية، وبيروت، ويا ليواد، والفاضل، والحطب، وكانو، والمخارقة، والحمَّام، والعريُّض، وبن سوار، والحريجة، وسيادي، والمرة ) وغيرها الكثير، لا يسع المجال لذكرها هنا، لكن من المؤكد بأنه يسع المجال للحديث عنها بألم وأسى، حين تخلى البحريني عنها من دون حساب الربح والخسارة، على الصعيد التاريخي والوطني للبحرين. الكثير من البحرينيين تركوا منازلهم الأثرية وشبه الأثرية من أجل (خردة) من المال الفاني، فأهدوها لمستثمر جشع ليس له من همٍّ سوى تكديس الثروات، فراح يحصد في البيوت الأثرية والتاريخية بدم بارد، ليقيم على انقاض ذكرياتها عمارات غبية شاهقة، أما التاريخ فهو آخر اهتماماته. محاولات شخصية تقوم بها الشيخة مي آل خليفة مشكورة، بين فترة وأخرى لتطوير تلك الفرجان القديمة، للحفاظ على ما تبقى منها، لكنها لن تستطيع أن تحافظ على كل الفرجان والبيوت، التي تركها أهلها للآسيويين، ولن تستطيع إجبار الأهالي على استرجاع فرجانهم، والأمرّ من ذلك كله، هو أنها لن تستطيع إعادة الفرجان القديمة التي هُدَّت جلّ منازلها وأقيمتْ على أرضها عمارات تجارية كريهة. ما هو مطلوب اليوم، هو أن تتدخل الدولة بإصدار تشريعات وقوانين صارمة، تحفظ ما تبقى لنا من فرجان قديمة، ربما تنعش ذاكرة كل البحرينيين، الذين أنستهم السياسة عبق الماضي، وأنستهم كل لحظة جميلة أكلنا فيها معاً، وشربنا معاً، ولعبنا معاً، وفرحنا معاً، وحزنا معاً، ولن يستطيع أي كائن من كان، أن يفهم تلك المعادلة المقدسة، إلا من عاش في تلك الحقبة الزمنية الذهبية، وفي تلك الفرجان المهيبة، فنشأ تحت ظلال منازلها وفيء نخيلها، حتى صارت جزءاً لا يتجزأ من كيانه... الساسة لا يفهمون ذلك.