تجاوز الغرب حدود الخلافات العرقية والتصنيفات الدينية، ورفعوا المعايير الإنسانية وحافظوا على حريات الدين والمعتقد، وكل ذلك بخلاف ما يحصل لدينا محلياً وعربياً، فالخلافات في تصاعد، وهناك من يتمصلح من وراء سكب الزيت على النار. دينياً وتربوياً وأسرياً نحن أمام معضلة اجتماعية حقيقية محورها كيفية ضبط وصفة تمكن من بناء جيل مغاير قادر على تشكيل مستقبل مختلف لبلادنا، لا جيل مستنسخ يفتح عينيه على أحقاد وضغائن الماضي، ويعمل على تجديدها.. فهل يدرك مجتمعنا - سواء وضعناه في تصنيف المجتمعات المتحضرة أم النامية - هذه المسؤولية ويترجمها بخطط مدروسة، وهل يعمل كل من المجتمع بمؤسساته الرسمة والأهلية وأيضاً منابره الدينية وصولاً إلى الأسرة كنواة لصناعة جيل جديد، وليكون بمثابة الإنتاج الجديد الذي يليق برسم ملامح مختلفة للمستقبل. توقفت أمس أمام خبر أن بريطانيا - وهي مضرب الأمثال عند المنادين بالحريات والمتشدقين بالديمقراطية - تعتقل 5 محرضين على الكراهية العرقية، والتهمة أنهم ينشرون مواد على شبكة الإنترنت تحرض على الكراهية ، ليس هذا فحسب بل صادرت أجهزة كمبيوتر وهواتف محمولة خلال المداهمات التي نفذتها على منازل المشتبهين، وفتشت منزلين آخرين في مناطق أخرى، وتقوم باستجواب المعتقلين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و56 عاماً، دون أن تكشف عن هوياتهم. بعد قراءة هذا الخبر، أقول هل يمكن أن تقوم الجهات الأمنية لدينا بمثل هذه المصادرات والإجراءات ضد المحرضين في البلاد، الذين وصلوا لممارسات تحريضية تفق العين!، وهل يمكن أن تكون هذه الممارسات خطاً أحمر لا يتجرأ أحد على المساس به، فالحفاظ على حريات المواطنين، وعدم التمييز بينهم لا بأصول أو ألقاب أو أديان ولا مذاهب هو أمر من صلب العقيدة الإسلامية التي لا يختلف حولها الفقهاء، إلا أن الممارسات والتطبيقات تجعل من كل فئة عرضة للوقوع في براثن نفي الآخرين والاستفراد بوجودها. القانون في الأعراف الدولية هو الضابط والمسير والمعالج للقضايا الاجتماعية ومشاكله، ولكن الفرق يكمن في مجتمعات تطبقه وتنشر ثقافة احترامه، وبين مجتمعات تضعه حبراً على ورق! ما أصعب التربية عندما تكون بهدف بناء إنسان قادر على النقد والاختلاف مع الغير!، وما أجمل المجتمع الذي يعزز ثقافة الاختلاف، ويدرك أن التنوع هو سنة الحياة!، فالأديان والمذاهب والقناعات الشخصية والاتجاهات الفكرية كلها تدخل ضمن دائرة الحريات الشخصية التي يجب ألا تتقاطع مع حريات الآخرين، ولا تلغي أو تقصي أحداً، ليظل الوطن محضناً لأبنائه المختلفين.