كتب - جعفر الديري: إنها ليست أشباحاً تظهر للناس ثم تختفي؛ بل أشباح لا تفارق المبتلى بها، لا ليلاً ولا نهاراً. تصاحبه طوال أربع وعشرين ساعة، دون أن تترك له فرصة للسعادة. أشباح قدّر لكل بحريني أن تكون عدوه الذي لا بد من صداقته، يضطر لطلب مساعدته، ولا يجد منفذاً للهرب منه. وحتى لو تمكن من ذلك؛ فإن أعباء المقربين منهم؛ زوجته وأبناءه، لن تتركه ينعم بالراحة طويلاً. كيف ومتطلبات الحياة الشريفة تتزايد؟ ومصاريف الأبناء تتضاعف؟!. القروض أشباح تطارد الناس، تحرمهم لذة النوم، وتحيل أوقاتهم إلى جهنم لا تبقي ولا تذر. تطيح بكرامتهم في سبيل بقاء مصادر أرزاقهم، خوفاً من مطاردة البنوك لهم. يلجأ إليها الناس من أجل القضاء على مشاكل مالية، لكنها تتسبب لهم بمشكلات كثيرة تشمل جميع جوانب الحياة. نتساءل: هل القروض الشخصية عدو لا بد من صداقته؛ أم بديل أمثل للإنسان البحريني رغم جحيمها؟ هل هناك خيارت أخرى أمام الإنسان تنآى به عن ذلّها نهاراً، وأرقها ليلاً؟ نحاور هنا عينة مختارة من المواطنين والمواطنات للإجابة عن السؤال السابق... تؤكد الموظفة معصومة حسين أنه لا بديل للقروض، وأن من يدعي عكس ذلك يخدع نفسه ويحاول خداع الناس! مستندة إلى أن متطلبات الحياة اليوم، لا تترك مندوحة دون تجرع غصص القروض. وتتساءل حسين: كيف للإنسان الحياة وسط عالم متوحش بالغلاء؟! كيف لأي رب أو ربة بيت أن تلبي حاجاتها وحاجات أبنائها براتب لا يكاد يفي بشيء، ينتهي في الأسبوع الثاني من الشهر؟! أتحدث عن متوسطي الدخل من أمثالي؛ أما محدودو الدخل فلهم الله على بلواهم. لقد اضطررت إلى العمل؛ لكي أساعد زوجي في الوفاء بالتزاماته تجاهي وتجاه أبنائي. والحقيقة أن القروض هي من أجبرتني على ترك عشي الزوجي، رغم أني إنسانة تؤمن بأن الزوجة مكانها البيت حيث زوجها وأبناءها. ففي البداية لجأنا إلى القرض من أجل إصلاح البيت، وصممنا على أن نأخذ غيره إذا انتهينا منه. لكننا عدنا إلى القرض فاقتنينا سيارة بدل السيارة القديمة التي آذتنا بمشكلاتها كثيراً. ثم وجدنا لهفة أبنائنا على السفر، فلم نرغب في كسر خواطرهم، وهكذا حتى أصبحت القروض أمراً لا بديل عنه في حياتنا. حتى وعيت على حقيقة حاجة زوجي لمساعدتي. وها أنا أعمل وأكدح مثله، من أجل القروض وليس من أجل مستوى أفضل لي ولأبنائي!. ومع ذلك لا أؤمن برأي من يقول إن القروض أمر اختياري، له بدائل أخرى!. تأمين مستقبل أبنائي من جانبه، لا يؤمن الموظف عون علي أن متطلبات المعيشة البسيطة هي ما يدفع الناس للقروض. بل يجد أن الانجرار إلى القروض من أجل ذلك خطأ، فإن النفس متى اعتادت الغالي، فلن ترغب في الرخيص، وستدخل الإنسان في منزلقات خطيرة من أجل إشباع رغباتها. ويعتقد عون أن الأمر المنطقي أن يلجأ الناس إلى القروض؛ لخشيتهم من تأخر مشاريع العمر. فإن الرواتب والمعاشات اليوم -بحسب رأيه- لا تسخو إلا بالقليل، ولا تلبي سوى أبسط الحاجات، رغم جري الإنسان صباحاً ومساءً، فكيف لها أن تسعفه حين يفكر في مستقبله وأسرته؟! كيف له أن يخطط لحياة أفضل براتب لا يكاد يسد الرمق؟!. ويتابع عون: لا أعتقد أن هناك إنساناً من لحم ودم؛ لا يفكر في تأمين الحياة الشريفة لزوجته وأبنائه. وقد حفظنا عن آبائنا قولاً معبراً هو: «من تمام سعادة المرء الزوجة المطيعة والدار الوسيعة والدابة السريعة». فإن السكن والسيارة لازمتان لا غنى عنهما لتأمين حياة لائقة. لكنني لا أستطيع تأمين ذلك دون القروض. لذلك ألجأ إليها مضطراً رغم علمي بأنها باهظة التكاليف، كما قال أحد الحكماء الدين همّ بالليل وذل بالنهار. ويواصل: إن آباءنا وأجدانا رحمهم الله تعالى وغفر لهم؛ لم يكونوا يتعاملون مع القروض البنكية. وهم من هذه الناحية أفضل من الذين يحملون همها على قلوبهم؛ لكن هل خلفوا لنا شيئاً!. أبداً؛ لقد وعينا ولم نجد شيئاً، اللهم إلا غرفاً نتقاسمها مع أقربائنا. أنا لا ألومهم، لكني أعتقد أنّ من الواجب على الأب أن يفكر في مستقبل أبنائه، ولا أقل من بناء بيت لهم. وذلك ما يدفعني إلى الاقتراض من البنوك. الناس لم يعودوا مجدين أما الطالب إبراهيم سيد عباس فله رأي مختلف، يتمسك به بشدة؛ وهو أن الناس بطبيعتهم تحوّلوا إلى مستهلكين لا منتجين، غير راغبين في العمل. لذلك نجدهم ينساقون وراء القروض؛ رغم أن حاجتهم غير حقيقية لها. ويضيف عباس: ليس حقيقياً القول بأن القروض لا بديل لها؛ فإن هناك بدائل كثيرة؛ لكن عجز الإنسان يعميه عنها. إننا نشاهد أحياناً رجلاً موسراً لا يستطيع بناء بيت، بينما نجد موظفاً «على قد حاله» بنى بيتاً له واقتنى سيارة جديدة. شخصياً سألت هذا الشخص الناجح عن السر، فأجابني بأنه الحرص على عدم الاستدانة من البنوك!. فالاستدانة من البنوك تعني برأيه أن يظل الإنسان أسيراً لها طوال عمره. يكدح من أجلها، وليس من أجل حياة أفضل له ولأسرته. ويتابع عباس: لقد تعلمت الكثير من هذا الشخص، وأرغب من الناس التعلم منه. فإن للقروض آثاراً سيئة؛ فهي لا تشجع الإنسان على العمل، بل على العكس تشجعه على الكسل. وحتى لو حاول الفرد منا أن يعمل ليل نهار لتغطية ما عليه من مال للبنوك، فإنه سرعان ما سيتعب ويمل. لا حساسة أنه لا يستفيد من جهده المضاعف. لكن لو أن كل واحد منا تعامل مع الموضوع بطريقة مختلفة، وبحث عن بدائل أخرى للقروض لوجدها. شخصياً أعرف الكثير من الشباب بنوا بيوتهم عن طريق «الجمعيات»؛ دون أن يكلفوا أنفسهم دفع فوائد باهظة لقروضهم. هذا مثال واحد فحسب، وهناك أمثلة عديدة. الاقتراض لأجل عيون الناس ومن جهتها، تشدد الطالبة بتول حسن على أهمية التفريق بين نوعين من الاقتراض. الأول يشمل أعباءً كبيرة يمكن أن تثقل ظهر كل منا، فلا نجد وسيلة لحملها سوى القروض البنكية، وقروض أخرى نحمّلها أنفسنا من أجل عيون الناس، لكي لا يقال إننا أقل مستوى من غيرنا. وتصنف علي النوع الثاني بالمرض العصي على العلاج؛ كون الإنسان يدخل في الأعباء عن رغبة وتصميم، لذلك من الصعب التخلص منه، رغم مساوئه على حياة المبتلى به وعلى القريبين منه. وتضيف حسن: ما معنى أن ترغب سيدة في تغيير أثاثها كل ستة أشهر؟! وما معنى أن يسوق أحدهم سيارته الجديدة في الشارع، ثم يشاهد أخرى أجدد منها، فيبيع سيارته ويقترض من البنك لكي يشتري (الأجداد)؟! وما معنى أن تعلم إحداهن أن جارتها على وشك السفر إلى بلاد بعيدة، فتلزم زوجها بالسفر، ليضطر إلى الاقتراض من البنك، رغم راتبه الضعيف؟!. إن جميع هذه الأمور، أمور تافهة بالفعل. وتتابع: أفهم أن الإنسان يستعين بالقروض من أجل تأمين حاجة ملحة يخاف فواتها، كالعلاج من مرض، أو رسوم دراسة ستفتح أمام الخرّيج دنيا واسعة، وغيرها من أمور، أما أن نستدين من أجل «الفشخرة» ورياء الناس، فلا شك أنه أمر منكر لا يقبله عاقل على نفسه. الاقتراض داء لا دواء له!

عاشقة الأثاث الفخم! رغم أنه كثيراً ما خرج مع خطيبته قبل الزواج، وعرف أخلاقها وطباعها عن قرب. إلا أنه لم يتوقع أن ينحط بها العشق إلى هذا الدرك!. لقد آمن أن لكل زوجة الحق في المكان النظيف والأثاث الجيد؛ أمّا أن تغير أثاث البيت كل ستة أشهر فأمر أقلقه جداً!، سواء عليها هي زوجته وأم أبنائه، أو عليه هو من يضطر إلى الاقتراض من البنك. المشكلة أنها تعمل، وكلما حاول ثنيها عن جنونها، اتهمته بالبخل، واستدانت من البنك من ورائه!. لماذا لا نمتلك بيتاً؟ لم يجد إجابة لسؤال ولده، فزوى بوجهه عنه، متظاهراً بالابتسام، فيما زوجته ترقبه بانزعاج. لقد سأله ولده ذو العشرة أعوام.. لماذا ليس لدينا بيت رغم أن أبو فلان لديه بيت؟! لكن الإجابة صعبة جداً، تلزمه الاعتراف بخطئه الفاحش؛ فهو يعمل بوظيفة مرموقة، وهو مقتدر مالياً، فما السبب وراء انتقالهم الدائم من شقة إلى أخرى. أما زوجته التي لم تستطع التحمل أكثر، فأجابت عنه: لأن أبوك يقترض من البنك من أجل أشياء أهم لديه منك ومن أخواتك! أنه يحب السفر كثيراً، ولا يرغب سوى الفنادق الفخمة والحياة المرفهة!. قرض لأجل الدراسة عندما أخبر زملاءه في العمل، بما قام به، انفجروا ضاحكين. وظلوا يتندرون بحكايته طوال شهر كامل. لقد كان مختلفاً عنهم. فإذا كانت الحياة اضطرته إلى العمل، فلا يعني ذلك أن لا يسعى إلى التعلم وحيازة الشهادات العليا. لذلك ما أن حظي بفرصة العمل هذه؛ حتى سارع إلى الاقتراض من البنك، وانخرط في مؤسسة تعليمية خاصة. فهو يعمل صباحاً ويدرس مساءً. إن الحياة رغم جبروتها لا بد من تلين لكل مجتهد، وبالفعل فإن المبلغ الذي اقترضه من البنك، كان دليله لحياة أخرى، ومهنة أكبر. فعندما ذهب أحد زملائه السابقين في العمل بعد سنوات لقضاء معاملة من أحد البنوك، احتاج إلى توقيع المدير، هناك وجده جالساً على مكتبه، وعلى فمه ابتسامة الثقة.