المصدر: إيكونوميست تعتبر الهند من الدول ذات الأرقام الكبيرة، إذ يعيش فيها أكثر من مليار نسمة يتحدثون بأكثر من ألف لغة مختلفة، إلا أنها منذ استقلالها في 1947م لم تشهد إلا نوعين من الأنماط الاقتصادية. النمط الاقتصادي الأول هو الذي وقف وراء النمو الاقتصادي البطيء والقيود الحكومية و البيروقراطية الخانقة. أما النمط الثاني فقد انتعش تدريجياً بعد تحرير الاقتصاد في تسعينيات القرن العشرين، ومن ثم فإنه بحلول القرن الحالي تحولت الهند إلى أرض التفاؤل والطموحات العالية والنمو السريع للقطاع الخاص مقابل القطاع العام المترنح. وحينها كانت البلاد تبدو وكأنها تتجه نحو الدخول في مرحلة طويلة من النمو الاقتصادي السريع والقوي، بفضل ميزاتها الديموغرافية، شركاتها النشطة، الإصلاحات المتدرجة والرغبة في التوفير والاستثمار. ولكن هذا الاقتصاد النشط تعرض في الآونة الأخيرة لضربة جعلته يبطىء السير. والسبب الرئيسي وراء هذا هي الحياة السياسية غير المواتية. العودة إلى سرعة عربة الريكشا إن تسارع نمو الاقتصاد الهندي، من متوسط يبلغ 6% في أواخر ثمانينيات القرن العشرين إلى حوالي 10%، قد يبدو متواضعاً، إلا أن النتائج الناجمة عن هذا النمو السريع واضحة للجميع. وتمكن مئات الملايين من الفقراء من التخلص من الفقر على نحو أسرع، كما شهدت الطبقة الوسطى توسعاً سريعاً، فضلاً عن أن المسؤولين في وزارة الدفاع الأمريكية باتوا ينظرون إلى الهند على أنها قوة عظمى قادمة وثقل ديمقراطي موازن للصين. وفي ظل تلك الأجواء لم يشكك أحداً في أن الاقتصاد الهندي سيستمر في النمو السريع، إلا أن مؤشر هذا المنحنى الاقتصادي بدأ في الانحدار مؤخراً، إذ أن النمو تباطأ إلى 6.1% خلال الربع الأخير من العام الماضي. وحتى إذا ما استعاد النمو سرعته - كما تأمل الحكومة - يخشى الكثير من أفراد المجتمع من أن النمو في كل الأحوال لن يزيد عن 7%. وهناك 3 أمثلة حديثة تظهر حدة المشكلة على مستوى القيادة. الأول هو إعلان الحكومة عن فتح باب قطاع التجزئة غير الفعال، في القطاع العام، أمام الشركات الأجنبية - ثم العدول عن ذلك بعد أيام قليلة. والمثال الثاني هو أنه خلال أبريل الجاري، ومن أجل حماية الصناعة الوطنية، فرضت الحكومة حظراً على تصدير القطن لتنشر بالتالي موجة من الإحباط بين الفلاحين وشركائها التجاريين. لكنها خلال أيام قليلة تراجعت عن هذا القرار أيضاً. وفي الأسبوع الماضي قررت الحكومة نقض حكم المحكمة العليا وتغيير قانون الضرائب بحيث يتضمن فرض الضرائب على الشركات الأجنبية التي تستحوذ على الشركات الوطنية وبأثر رجعي كذلك، ومنها الضريبة التي فرضت على شركة «فودا فون» نظير شرائها لفرعها الهندي. وفي هذا الشأن يخشى بعض المراقبين من استخدام الحكومة للأدوات القانونية، وهو المجال الذي برعت فيه دائماً، بشكل مفرط ومضر بالاقتصاد الهندي. ولهذا لم يعد من المستغرب أن نجد أن الأعمال تباطأت والاستثمارات تراجعت. كما إن البيروقراطية والفساد، اللذين لم تخلو منهما الهند أبداً، يزدادان سوءاً على سوء. فقد لوحظ أن الحكومة تطبع المزيد من النقود حتى تسببت في ظهور مشكلة سيولة في النظام المصرفي وارتفع معدل التضخم إلى أرقام قياسية. وفي حين تقف الدولة وراء كل واحدة من تلك المشكلات، وضع الكثير من المراقبين آمالهم في قدرة القطاع الخاص على قيادة الهند نحو الثراء و الرخاء. ولكن الحاضر يثبت أن تلك الآمال كانت بعيدة عن الواقع. فالمسألة لا تنحصر في نقص الخدمات العامة، مثل الشوارع ومحطات الطاقة، بل يجب أن يكون الاقتصاد قادراً على توليد فرص عمل كافية لملايين البشر الذين يدخلون سوق العمل سنوياً. وفي الآونة الأخيرة، واجهت الدولة مشكلات جديدة أدت إلى تفاقم الأوضاع. فقد ظهرت مشكلات سياسية حادة. فعلاوة على أن حزب المؤتمر - الذي يحكم الهند منذ العام 2004م يعتمد على ائتلاف متقلب من الأحزاب - أصبح اليوم يعاني من مشكلات داخلية مما يصعب معها المحافظة على الائتلاف حتى موعد الانتخابات القادمة في 2014. وفي هذا الشأن يقول سياسيون هنود إن «معدل النمو الاقتصادي السنوي الذي يتراوح بين 6% إلى 7% يعتبر أسرع من نظيره في الكثير من الدول الأخرى، إلا أن انخفاض هذا المعدل يعني التسبب بكارثة في وقت يحتاج فيه ملايين الفقراء إلى مستوى معيشي أفضل». من جانب آخر، يرى بعض المراقبين أن الاضطراب السياسي في الحكومة الاتحادية قد يكون في صالح الولايات حيث يلاحظ أن بعضها مستمرة في النمو السريع. وفي حين لم تستطع البلاد إحلال الدماء الشابة محل كبار السن في الحكومة الاتحادية، بينما نجحت الكثير من الولايات في تجاوز العوامل العرقية والدينية وإبراز قيادات شابة إلى الحكومات المحلية. أمام هذه الأوضاع يظهر أن النمو الاقتصادي السريع في الهند فقد سحره حتى باتت الهند بحاجة إلى معجزة لاستعادة تلك السرعة في النمو الاقتصادي من جديد.