^ استغرق الأمر أكثر من عام حتى يتمكن مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار بشأن سوريا، وذلك بفضل الكرم الروسي والصيني و«تصدقهما” على المجتمع الدولي بالسماح بتمرير أول قرار دولي في الرابع عشر من شهر أبريل الجاري، وذلك منذ انطلاق الثورة ضد نظام بشار الأسد في الخامس عشر من شهر مارس من العام الماضي. ونص القرار الذي يحمل الرقم 2042 على إرسال مراقبين دوليين غير مسلحين لمراقبة وقف إطلاق النار بين النظام السوري والمعارضة، الذي سبق أن أقر في سياق خطة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي عنان. وهنا يثار تساؤل حول أسباب هذا التغير في الموقف الروسي تحديداً وعدم لجوء موسكو إلى حق الاعتراض”الفيتو” كما فعلت في شهري أكتوبر من العام الماضي وفبراير من العام الجاري، عندما أفشلت قرارين سابقين يدينان سلوك السلطات السورية، وهل هذا الموقف الجديد يعني ابتعاداً بين روسيا ونظام بشار الأسد؟ أعتقد أن لا تغيير جوهري في الموقف الروسي من الأزمة السورية؛ بل يمكن القول إن موسكو مازالت باقية على موقفها وثابتة على دعمها للنظام السوري وذلك في ضوء عاملين رئيسيين هما: العامل الأول: إن القرار رقم 2042 يقدم خدمات جليلة لنظام بشار الأسد؛ بل إنه كان المخرج الأفضل لهذا النظام بعد تزايد الضغوط الدولية، للدرجة التي جعلت بعض المحللين يتوقعون مغامرة عسكرية دولية على غرار ما حدث في ليبيا ودون موافقة روسيا. وقد جاء القرار ليخفف من تلك الضغوط ويدخل الأزمة على الأقل في هدنة يستريح فيها النظام من تلك الضغوط ويعيد ترتيب أوراقه. كما إن القرار يعني أن المجتمع الدولي يمكن أن يقبل باستمرار النظام السوري وأنه لا يرغب في إسقاط بشار الأسد أو أن ذلك لا يشكل هدفاً ملحاً خاصة في حال ما التزم هذا النظام بالقرار وقام بتطبيقه، وهي لا شك فرصة ذهبية لهذا النظام “الآثم” إن أراد استغلالها ولم تأخذه العزة بالإثم واستمر في عناده وواصل وحشيته وقمعه لشعبه اعتمادًا على ذات الحسابات الإقليمية والدولية المعقدة التي يعتمد عليها منذ بداية الأزمة وحالت دون تسويتها دولياً وعسكرياً إلى الآن. فضلاً عن ذلك؛ فإن نظام بشار الأسد لديه القدرة على المراوغة والالتفاف على القرار كما فعل من قبل مع المراقبين العرب الذين تم إرسالهم لسوريا في مهمة مماثلة، خصوصاً في ظل تواضع حجم التفويض الممنوح لوحدة المراقبة الدولية المنصوص عليه في القرار 2042 وضآلة عدد أفرادها قياساً بحجم المناطق التي ينتشر فيها العنف في سوريا. أما العامل الثاني؛ فهو أن موافقة روسيا على القرار الدولي جاءت بعد تعديلات كثيرة على نص القرار باعتراف المندوب الروسي في مجلس الأمن “فيتالي تشوركين” الذي أكد أن بلاده أحدثت تعديلات جوهرية في مشروع القرار “لجعله أكثر توازناً”، والمقصود بالتوازن هنا أن القرار يدعو كلاً من المعارضة السورية والنظام معاً لتغيير سلوكهما، ويندد بالانتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان على أيدي السلطات السورية وكذلك الجماعات المسلحة. كما إن تلك الموافقة الروسية تحمل رسالتين أحدهما تطمينية للنظام السوري بأنه مازال بعيداً عن التدخل العسكري الدولي وأخرى تحذيرية لبشار الأسد أن موسكو قد تتخلى عنه وتوافق على بديل آخر يسير قدماً في طريق الإصلاحات، بما يضمن استمرار النظام الذي يحقق المصالح الروسية في المنطقة. ويمكن الربط بين هذا الموقف الروسي وبين التطورات الحاصلة على صعيد الملف النووي، حيث تزامن القرار مع محادثات إسطنبول بين الدول الغربية وإيران حول برنامج إيران النووي، فربما أرادت موسكو تخفيف الضغوط عن طهران وإشاعة أجواء من التفاؤل على تلك المحادثات وهو ما حدث بالفعل حيث تحدث المجتمعون في إسطنبول عن أجواء إيجابية ونتائج بناءة والتوصل لاتفاق بعقد جولة جديدة من المحادثات في بغداد. وبهذا يمكن القول، إن موافقة موسكو على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2042 والقاضي بإرسال مراقبين دوليين غير مسلحين إلى سوريا لا يحمل تغييراً جوهرياً في الموقف الروسي من الأزمة السورية بل إنه يحقق المصالح الروسية والسورية والإيرانية ويحقق منافع كثيرة للأطراف الثلاثة.
970x90
{{ article.article_title }}
970x90