بايع المسلمون عمر بالخلافة بعد أبي بكر الصديق –رضي الله عنهما– فكان أميراً للمؤمنين مثالاً للخليفة العادل، الورع النقي، القوي الأمين، قضى خلافته في خدمة دينه وعقيدته وأمته التي قام بها حق قيام، فكان القائد للجيش، والفقيه المجتهد الذي يرجع إليه، والقاضي النـزيه، والسياسي المحنك، والإداري الحكيم، توسعت الدولة الإسلامية في خلافته وتحققت الانتصارات للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وتعد قيادته قدوة للقادة من حكام الدول إلى أدنى درجات المسؤولية، وهنا بعض الجوانب: لم تكن خلافته تعني له الابتعاد عن أنظار الناس أو الاحتجاب عنهم، بل تفقداً لأحوالهم وتلمس حاجاتهم حتى قبل أن يطلبها الناس منه، لم يكتف بالجلوس لينظر عن بعد فيأمر وينهى، بل قام على الأرامل والأيتام، فقضى عنهم الحاجات وفرج الكربات، وقد روِي أنّ طلحة رضي الله عنه خرج في ليلةٍ مظلمة فرأى عمرَ قد دخل بيتاً ثم خرَج، فلمّا أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت فإذا فيه عجوزٌ عمياء مقعدَة لا تقدِر على المشي، فقال لها طلحة: ما بال هذا الرجل يأتيك؟! فقالت: إنه يتعاهدني من مدّةِ كذا وكذا بما يصلِحني ويخرج عني الأذى. ومن شعوره بالمسؤولية أنه يتعايش مع رعيته في كل المشكلات التي يمرون بها فقد تعرضت الدولة الإسلامية في عهده للابتلاء والابتلاء سنة لا تتغير تمر بجميع الأمم للتمحيص والاختبار، ومن الابتلاء ما وقع في عام الرمادة الذي أصيب بها المسلمون بمجاعة شديدة، فكان عمر لا يأكل إلا مما يأكل منه الناس حتى يشعر بهم، فإنه لما سئل قال: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يمسن ما يمسهم؟! فهذه الجملة عبارة عن قاعدة عامة، فلا يشعر الرئيس بالناس إذا لم يمسه ما مسهم، فلا يشعر بالمشكلة الإسكانية إذا كانت عنده مساحات واسعة من الأراضي، ولن يشعر بالخوف وذهاب الاستقرار إذا كان يحاط بمن يحب عنه الأخبار، ولن يشعر بأي نوع من أنواع الفساد إذا لم يكتو بشيء من ناره. كان خليفة للمسلمين لكنه لم يكن حريصاً على الدنيا الفانية، وما فيها من متاع زائل، فما أن تأتي الأموال إلا ويقسمها بين المحتاجين بالعدل، ولا يأخذ من أموال المسلمين إلا ما يكفيه، ويقضي بالحق بين الجميع، ويسوّي بين الناس، ولا يحابِي ولا يجامِل. ومما تميز به الإبداع في قيادة الدولة، فهو أوّل من كتب التاريخ للمسلمين، وأوّل من جمع الناس على صلاةِ التراويح، وأوّل من طاف بالليل يتفقّد أحوالَ المسلمين، فتح الفتوحَ، ووضع الخراجَ، واستقضَى القضاة، ودوّن الديوَان، وفرض الأُعطية. وكان يحصي أموال الولاة قبل الولاية، وأشد ما يخشاه أن يكتسبوا من ورائها، ونحن بحاجة اليوم إلى من يتابع المسؤولين، فينع أي زيادة في الثروة عن طريق المنصب، وكان عمر يقبل النقد والحوار، ويلين ويرجع إلى الحق، وفي ذلك أخبار وقصص ومواقف كثيرة مشهودة في تاريخه، فرحم الله عمر، جمعت له الدنيا فأعرض عنها وزهد فيها، قال معاوية: أما أبو بكر فلم يرد الدنيا ولم ترده، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يرِدها.