كتب - طارق مصباح: لم يعد مفهوم السياحة يقتصر على زيارة المواقع الأثرية والتاريخية، أو التجول في ربوع المناطق الخضراء أو التنزه في المنتجعات والسباحة في مياهها الدافئة، بل تعدى ذلك ليشمل جميع مناحي الحياة الدينية منها والثقافية والطبية والعلمية والرياضية، وسياحة تنظيم المؤتمرات والملتقيات المتخصصة. كثير من حكومات دول العالم أيقنت مؤخراً أن التنوع في ألوان السياحة يستقطب شتى التوجهات البشرية، وترفع المدخول الاقتصادي من خلال استثمار الإمكانات المادية والبشرية والتعاون مع بقية جيرانها في أنشطة سياحية راقية تجعلها وجهة السياحة الأمثل في شتى مناحي الحياة. وتعد السياحة العائلية أحد أنواع السياحة التي تؤثر إيجاباً في المجتمع المسلم، من خلال سماتها الملتزمة ومقاصدها التربوية وفوائدها النفسية ونتائجها المجتمعية الملموسة. «الوطن الإسلامي» يفتح ملف السياحة العائلية، ويستضيف في لقاء موسع أصحاب الفضيلة الدعاة والمتخصصين لمناقشة الشرع والسياحة العائلية يقول الشيخ جلال الشرقي إن الهدف من السياحة هو الترويح البريء عن النفس البشرية، واستغلال الأوقات بما يحقق الخير للفرد في نفسه وبدنه، وهناك جانبان للسياحة العائلية، المكان السياحي والسائح نفسه، ولكل منهما ضوابط شرعية. وأضاف «بالنسبة للمكان السياحي يجب أن يكون بارزاً وواضحاً سهل الوصول إليه، وأن يخلو من المحرمات الشرعية، ويجب أن يهيَّأ بحيث يحقق الراحة للسائحين دون إزعاج لمن فيه من البشر أو البيئة المحيطة». ومن الضوابط المهمة في المكان السياحي العائلي -حسب رأيه- أن تتوفر فيه أماكن واسعة مخصصة لإقامة الصلوات، وتتوفر معه الملحقات الخاصة، لافتاً إلى أن كثيراً من المجمعات التجارية وأماكن السياحة العائلية في بلادنا تفتقر لمصليات واسعة مجهزة، و»من الضوابط أن يتم وقف ألعاب الترفيه أثناء الصلوات، والإعلان الواضح عن وقت الصلاة ورفع الأذان في تلك الأماكن». وقال إن السائح نفسه عليه الالتزام باللباس الشرعي، سواء كان رجلاً أو امرأة، وأن يغض بصره عن النظر المحرم، ويتحلى في تنزهه واستجمامه ولعبه بالأخلاق الفاضلة ولا يعتدي على الآخرين. وينبغي وفقاً للشرقي، الحرص على ألا يستغل السائح تلك الأماكن للتعرض للمحارم وترويج المحرمات، فالسياحة النظيفة الهادئة تتطلب الاحترام المتبادل والحرص على مشاعر الآخرين واستغلال الأوقات في النافع المفيد. وأشار إلى أن كثيراً من تلك الضوابط معمول بها في كثير من الدول العربية والخليجية تحديداً، وأعتقد أنها إذا طبقت فإنها تحقق السعادة للأُسر المسلمة، وتقضي على السياحة القائمة على المنكرات والمحرمات. وقال إن «سمعة بلادنا العربية جميعها تهمنا وفي مقدمتها سمعة البحرين، وإن هذا الوطن الغالي على قلوبنا فيه الكثير من المناشط الدعوية والفعاليات الخيرية والأنشطة الطيبة والأماكن السياحية العائلية النظيفة، وما نريده هو تفعيل أكبر لتلك الجهات، وأن تؤثر بشكل أوسع في أوساط الأسر البحرينية والمقيمة والزائرة ليعم الخير والصلاح ربوع المملكة». رأي علماء النفس ويقول استشاري الطب النفسي د.عبدالكريم مصطفى، إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، ويحب أن يعيش مع بني جنسه يؤثر فيهم ويتأثرون به، لافتاً إلى أن سلوك الفرد ونفسيته تتأثران بسلوك من حوله، فإذا انتشرت السياحة العائلية بمفهومها الملتزم، فإنها تدعو إلى الاستئناس بها والدعوة إليها، أما إذا انتشرت السياحة بمعناها المحرم، فإنها بعد أن يستأنس بها الفرد في المجتمع فإنها تدعوه من خلال دينامية نفسية إلى «ضغط الجماعة» الذي يؤثر فيه ويجره إلى الانحراف. وأضاف أن السياحة العائلية البريئة تعد أفضل من السياحة الفردية البريئة التي يخرج فيها رب الأُسرة مع أصحابه، لأنها -أي السياحة الفردية- تحدث شرخاً في الجدار الاجتماعي للأُسرة، وتحدث أيضاً تفككاً أُسرياً وفرقة بين أفراد الأُسرة الواحدة، أما السياحة العائلية التي يخرج فيها أفراد الأُسرة جميعاً في يوم من أيام الأسبوع إلى مكان عائلي محافظ، فإنها تقوي الأواصر بين أولياء الأمور والأبناء والأبناء بعضهم ببعض. بعد أسبوع من العمل والدراسة والانشغال لابد من الاجتماع الأُسري في مكان طيب يكتسب فيه أفراد الأُسرة عادات حسنة، وتدعم فيهم القيم النبيلة، وتُقوى فيه الأواصر الأسرية المتينة، فتقوى الأُسرة -باعتبارها اللبنة الأساسية للمجتمع- وتحيا حياةً إيجابية من خلال تخفيف الضغوط النفسية والتوتر لكل فرد من أفرادها. النزهات العائلية البريئة تقوي التواصل وتدعم التوجيه وتفتح مجالات من الحوار المؤثر من خلال الأجواء المناسبة للتفاهم المفعم بالمحبة والود. النظرة التربوية وتحدث الشيخ جمعة توفيق عن المضار التربوية للسياحة المنافية للأخلاق السليمة، وقال إن الزنا والخمور والاختلاط الممزوج بالسفور والعلاقات غير الشرعية كلها محرمات تؤثر على المجتمع المسلم المحافظ، وهذا باتفاق جميع المذاهب الإسلامية، فإذا انتشرت بؤر الفساد في المجتمع ورأى الصغار هذه المناظر المليئة بالسفور والانحطاط الأخلاقي، فإن الوازع الديني لديهم يقل، وذلك مدعاة لممارسة هذه الأفعال المنتشرة. وتساءل ماذا يتوقع من هؤلاء الصغار الذين تربوا في بيئة مليئة بالمفسدات التي يرونها في الشوارع؟ إنهم يعتقدون لا محالة أن تلك المناظر والأماكن هي أشياء صحيحة، وعندما يكبر بعد أن نشأ عليها سيكون إما عضواً ممارساً أو ناشراً لهذه الأفعال المحرمة لأنه تربى عليها. إن من ينشر هذه المنكرات يعتقد في قرارة نفسه بضررها وحرمتها، ولكن هؤلاء القوم وجدوا لقمة الربح المؤكدة في هذا النوع من التجارة. إنني أتساءل حقاً كيف يطعم هؤلاء أبناءهم من المال الحرام؟ وما هو موقفهم من نظرة أبنائهم وأزواجهم لهم وهم يرون فيهم السبب في خراب المجتمع ونشر الفساد الأخلاقي فيه نتيجة هذا التوجه المحرم؟ الذي تسبب في أضرار اجتماعية كبيرة في مجتمعنا البحريني. كلمة أخيرة إن التخطيط الاستراتيجي للنهوض بقطاع السياحة يقوي أعمدة الاقتصاد الوطني، والسياحة الداخلية بشتى أنواعها تدور في فلك الحوار الحضاري مع بقية الدول، فكلما تسارعت وتيرة الحراك السياحي زادت مساحات الفرص الاستثمارية. إننا نمتلك الكثير من مقومات السياحة الداخلية، وعلينا بتعاهدها وتطويرها واستثمارها، وبذل الكثير من الجهود الحثيثة من أجل خير الوطن العزيز بقيادته وأهله.