المنامة – عبدالرحمن صالح الدوسري: هو واحد من أبناء البحرين. ولد في 27 أكتوبر 1955م. بدأ من قسم التخطيط بوزارة المالية، وهو الآن الرئيس التنفيذي لبنك البحرين والكويت، ينتظر تكريمه هذا العام لقضائه عشر سنوات في البنك، حيث حقق مكاسب عديدة للبنك. عبدالكريم أحمد عبدالرحمن بوجيري “بو طارق”، عاش حياة حافلة بالأحداث والإنجازات حتى أصبح أحد أهم الرؤساء التنفيذيين الذين يشار لهم بالبنان. حفلت حياته بالجد والاجتهاد في الدراسة والعمل. لكنه لايزال يعتبر نفسه مديناً بكل ذلك إلى والده الذي شقى من أجله ومن أجل إخوته. في هذا اللقاء يستعيد بو طارق رحلته من على مقاعد الدراسة مروراً بأجواء العمل ليبلغ أعلى المناصب، إلى جانب الحديث عن الاختلاف بين حياة الأمس واليوم، والفرق بين أخلاق الآباء وأبناء اليوم... ولدت في المحرق يقول بوطارق: أنا عبدالكريم أحمد عبدالرحمن بوجيري. من مواليد 27 أكتوبر 1955م. وهذا التاريخ اجتهادي فالأهل يستندون إلى من سبقك في الولادة أو من أتى بعدك ليحددوا مولدك، وإن كان مرتبطاً بحادثة معينة فهو يسجل في تاريخ ميلادك. لقد ولدت في المحرق بمنطقة “ستيشن العتيج” وهي التي تحولت بعد ذلك إلى محطة السيارات القديمة “بسوت الحطب” بالقرب من بلدية المحرق. وكانت ولادتي على يد القابلة المرحومة فاطمة هاشم وهي -بحسب ما أعتقد- جدة د. فريد الملا. ولقد ولدت في عائلة مكونة من تسعة أشخاص. للأسف فقدنا واحداً من العائلة هو شقيقي عيسى الذي توفى العام 1993. وكان ترتيبي الرابع في العائلة، الكبير محمد ثم المرحوم عيسى وبعدهم علي وأنا ترتيبي في الدرجة الرابعة في العائلة. والدي كان معلمي وبشأن العلاقة التي ربطته بوالده يقول بو طارق: إن والدي هو الرجل الذي اعتبره مثالاً لكل خطواتي الحياتية. فقد بدأ العمل في بابكو وبعدها تحول للعمل سائق تاكسي لسنوات طويلة، بعدها عمل في الشركة التي أنشأت مصنع البحرين للألمنيوم وكان السائق الخاص لرئيس الشركة. وبعد أن أنهت الشركة بناء المصنع فتح له محلاً لتأجير السيارات وبعدها عمل في مجال المقاولات. وله تأثير كبير في حياتي العملية فهو من علمني الانضباط والعمل. وكان يستاء جداً عندما يعلم أن أحدنا تأخر عن مدرسته، وكان يجبرنا بانضباطه أن نصل إلى المدرسة قبل قرع جرس الطابور بنصف ساعة. وأتذكر أنه حتى أيام المظاهرات التي حدثت في البحرين العام 1965م كنا في مدرسة عمر بن الخطاب، وكانت كل المدارس قد أقفلت أبوابها وتعطلت الدراسة فيها، ورغم ذلك كان الوالد حريصاً على أن لا يفوتنا يوم دراسي، فكان يرسلنا يومياً إلى المدرسة رغم علمه بأنها مغلقة فقط من باب التأكيد، وكان في منطقتنا شخص يدعى فرج رحمه الله عليه، لديه دكان يبيع فيه الحلويات والدوامات وكان على دربنا، فكنا نلقي عليه التحية في ذهابنا وإيابنا من المدرسة، فكان يسألنا: وين رايحين” كنا نجيبه للتأكد من إن المدرسة فتحت أو لا فيقول : “رجعوا يا عيالي مظاهرات والمدرسة مسكرة”. وفي أحد الأيام استوقفنا وسألنا: “وين رايحين” قلنا له كالعادة “لنتأكد من المدرسة إن فتحت أو لا” فضحك كثيراً، وقال لنا “بس اليوم جمعة أي مدرسة فاتحة”. ولم نكن ندري إن كان يوم جمعة، فقد تعودنا كل يوم الصبح الوالد يطلب منا أن نتأكد من المدرسة. ويتساءل بو طارق: إن والدي كان مسؤولاً عن تسعة أولاد وكان يعمل سواق تاكسي، فكم كان عليه من الساعات أن يعمل ويوفر وجبة أولاده وملبسهم وطلباتهم؟ وعندما يكبر الطفل تزداد مصاريفه حتى إنني كنت أسأل الوالد كيف لك أن ترسلنا إلى الدراسة في الخارج أنا وأخويي المرحوم عيسى وعلي؟ كنا نحن الثلاثة ندرس في سوريا وكانت الدراسة تكلفنا شهرياً 200 ليرة أي 20 ديناراً بحرينياً، ما يعني أن يصرف على أولاده الثلاثة في حدود 60 ديناراً بحرينياً شهرياً، ومدخوله من التاكسي لا يتجاوز الأربعين ديناراً بحرينياً. هذا بالإضافة إلى معيشة عائلته في البحرين. وكنت أبحث عن الإجابة لهذا السؤال، وأتساءل، هل كان يستلف من الآخرين لكي يصرف على دراستنا. وقبل مدة بسيطة سألت الوالد: “إشلون كنت ترسل لنا هذا المبلغ وأنت مدخولك أقل بكثير من المبلغ الذي ترسله لنا”، فأجاب: “الله دائماً يفتح لك باب الرزق، ولا يسكر لك طريق، وكنا نتكل على الله والله دائماً لا يرد عبده. كنت آخذ “قنطراز” مع بعض التجار لتوصيل أولادهم إلى المدارس الصبح فكانوا يعطوني مبلغ أكبر من المبلغ العادي والحمد لله.. الله كان يعيني على أن أدرسكم”. إن حياة والدي وإصراره وكفاحه في الحياة أثرت علي في حياتي. ورغم ما تعلمته ووصلت إليه من مراكز متقدمة في الحياة، إلا أنني دائماً أعود إليه في كثير من الأمور، وأستشيره في كل ما أحتاج، وأعتبره معلمي الأول ومرجعي في الحياة. «مدرسة عمر بن الخطاب» وحول دراسته النظامية يقول بوجيري: كانت بدايتي الدراسية من مدرسة عمر بن الخطاب “الشمالية”، حيث قضيت فيها المرحلة الابتدائية إلى السادس ابتدائي. وكنت من الطلبة المتفوقين في الدراسة. وفي المرحلة الإعدادية درست في مدرسة الهداية الخليفية بالمحرق، وكنا الدفعة الأخيرة في الإعدادي، وكانت المسارات الدراسية علمي وتجاري وأدبي ولا توجد مسارات أخرى. طبعاً درست في المجال العلمي وأنهيت ثلاث سنوات في المرحلة الثانوية، وبعدها عملت في الفترة الصيفية ولفترة قصيرة كصيدلي. وكنت أخطط لإكمال دراستي الجامعية في الخارج. لا أزال أتذكر زملائي في المرحلة الثانوية وهم من الأصدقاء الذين لهم معزة خاصة عندي، ففي تلك الفترة كان الطلبة المتفوقون يجمعون في صف من أجل إيجاد روح التحدي بينهم، وكان يزاملني في المرحلة الثانوية وعلى درج واحد رشيد المعراج محافظ البنك المركزي، ومحمد حسين وهو عضو مجلس إدارة يعمل معنا في البنك الآن وكان الرئيس التنفيذي لبنك إثمار، وكان أيضاً معنا الأخ عادل المناعي وهو عضو مجلس إدارة في أحد البنوك، وكذلك عبدالحميد عبدالغفار، والمحامي عبدالله هاشم ومجموعة كبيرة قد لا تسعفني الذاكرة لتذكر أسمائهم الآن. مذاكرة الدروس على «البطح» وأيام المذاكرة بالنسبة لأبي طارق ذات أحاسيس مختلفة، وعنها يقول: كنا أيام المدرسة ندرس ونذاكر دروسنا على “البطح” وهو “السيف” بعد أن “تثبر المايه، فنتوزع على “البطح” كل واحد منا يحمل كتبه ويذاكر دروسه. وكان “البطح” في تلك الأيام في حديقة المحرق الكبرى. كان زميلي في الدراسة على “البطح” النائب عيسى جمال القاضي، وكان زميلي في الثاني إعدادي، فكل واحد يأخذ له حصاه يستخدمها ككرسي يستريح عليها وعندما يحل الظلام كنا نحمل كتبنا ونعود إلى البيت. العلوم الاقتصادية بديلاً للهندسة ويضيف بوجيري: بعد التوجيهي انتقلت للدراسة في الجامعة وكانت وجهتي جامعة حلب في سوريا، كانت وجهتي الدراسية لدراسة الهندسة، وقد حدثت بعض الإشكالات الإدارية وانتهيت للدراسة بكلية العلوم الاقتصادية. وقد حاولت أن أتصل بوالدي في البحرين لأعلمه أنني لم أقبل في كلية الهندسة وقبلت في العلوم الاقتصادية. وكنت قد قررت العودة إلى البحرين، لكن مشكلة الاتصالات كانت صعبة، فقد أمضيت شهراً بالكامل في ذهاب وعودة إلى مبنى البريد لكي أوصل هذه الرسالة لوالدي في البحرين عن طريق الهاتف، ولما وفقت في الاتصال بالوالد أخبرني أنني طالما وصلت إلى سوريا فأي كلية تدرس فيها أفضل من عودتك، فواصلت في كلية العلوم الاقتصادية وأنا اليوم سعيد بالتحاقي فيها وأكثر سعادة بأنني لم أقبل في الهندسة “ فرب ضارة نافعة “، أنهيت الدراسة في الكلية وكان ترتيبي الأول على دفعتي، وكنت من المكرمين في عيد العلم في البحرين”. حرب أكتوبر ورحلة بغداد وحول ملابسات الدراسة في حلب، يبين بوجيري: حين قررنا أن نذهب للكلية لنتعرف على نتائجنا في الامتحانات فوجئنا بأن الكلية مغلقة، واكتشفنا أن الحرب بدأت وكل شيء توقف، وكنا حوالي 30 طالباً بحرينيا ندرس في حلب سوريا. وانقطعت الاتصالات مع أهالينا في البحرين و«فلوسنا” أوشكت أن تنفذ، فالحرب بدأت في 6 أكتوبر ونحن الآن على نهاية أكتوبر وشعرنا إننا على وشك الإفلاس، حتى من كانوا يداينون الطلبة توقفوا لأن التحويل لم يصلهم من أهاليهم في البحرين، فقررنا أن نتشارك كطلبة وأن نبعث بوفد إلى البحرين لينقذنا من هذه المشكلة، فتم ترشيحي ومعي الزميل يونس الهرمي. وأذكر أننا خرجنا من سوريا وكان معنا 16 ليرة سورية أي ما يعادل دينار وستمائة فلس وعلينا أن نتصرف بهذا المبلغ إلى أن نصل إلى البحرين، فأخذنا تذاكر بالقطار الذي يبدأ رحلته من حلب إلى بغداد وكان يستغرق 40 ساعة ويمر عبر تركيا ، وكان القطار بطيء جداً والوقت في فترة الشتاء والجو بارد في نهاية أكتوبر وهدفنا من هذه الرحلة الوصول إلى بغداد وأن نذهب إلى اتحاد الطلبة في بغداد ونتسلف المال من الشباب في الاتحاد. كان البرد شديداً وقارساً ونحن لا نمتلك المبلغ حتى للأكل، وكل ما نمتلكه لم يكن الأكل من ضمن مهماته لكن الوصول إلى اتحاد الطلبة في بغداد هو الهدف الرئيس من الرحلة. وعندما يتوقف القطار بين المزارع ننزل ونقطف تفاح على شوية لوز والموجود من الفواكه لكي نحارب الجوع الذي بدأ يفرض نفسه علينا، وبعض الأحيان عندما يشتد بنا الجوع نصرف من المبلغ خمسة أو عشرة قروش للخبز تساعدنا في القضاء على الجوع. حين تعطل القطار زادت المشكلة ويضيف: لسوء الحظ فإن القطار رغم كل المساوئ التي تحملناها في هذه الرحلة المتعبة، تعطل على بعد أربع ساعات قبل أن يصل إلى بغداد وبعد كل هذه المعاناة في السفر، تم الإعلان عن تعطل القطار نهائياً وأن على المسافرين أن يقوموا بتدبير أنفسهم، فالقطار لم يعد صالحاً للعمل ولن يستطيع مواصلة الرحلة. تصرف المسافرين كلاً أخذ عفشه وركب تاكسي وواصل رحلته إلى بغداد، لكن مشكلتنا إننا لا نستطيع استئجار تاكسي فالمبلغ الذي معنا لا يكفي لذلك، كنا نقف على الشارع ونحاول أن نركب مع سيارة نقل توصلنا إلى بغداد على دربها إلى أن توقف أحد السواق وقام بإيصالنا إلى وسط بغداد، ولكن هناك مشكلة أخرى صادفتنا إننا نود الذهاب إلى اتحاد الطلبة البحرينيين في بغداد لكن أين يقع هذا المقر. هنا المشكلة الأخرى كل ما نعرفه أنه يقع بالقرب من مبنى له علاقة بالسينما. ركبنا سيارة أجرة وأخذنا ندور في الشارع إلى أن وجدنا المقر وكانت الأجرة أكثر من المبلغ الذي توقعناه لأنه بدأ يلف في العديد من شوارع بغداد إلى أن وجدنا المقر. وقد اتفقنا معه على 150 فلساً عراقياً وفي النهاية وصل السعر إلى 250 فلساً بعدها اتفقنا على أن ندفع له ربع دينار عراقي ودفعنا المبلغ ونحن في قمة الاستياء لأنه لم يتبقى عندنا إلا القليل، لكن ما أنسانا هذه الرحلة المتعبة هو ترحيب الأصدقاء من الطلبة في العراق بنا ومن ضمنهم أتذكر الأخ “أبو خليفة” حسن الجلاهمة، رئيس ديوان الرقابة المالية، وكان هناك مجموعة من الطلبة أخذونا إلى مسكنهم واستضافونا وأكلنا وشعرنا بالدفء فقد مر علينا أربعة أيام دون أن نأكل وجبة كاملة. أم يونس الهرمي في مقر الطلبة ويواصل: كان المفروض أن نواصل رحلتنا للبحرين وهي الهدف الأساس من خروجنا من حلب لنعود لزملائنا في سوريا محملين بالمال ونفك نحس الإفلاس الذي يعانون منه، لكن كيف لنا أن نغادر إلى البحرين دون أي مبلغ، ولا ننسى أن زملائنا في بغداد هم أيضاَ طلاب وما أصابنا يصيبهم أيضاً من جراء الحرب وانقطاع الاتصالات، وحتى السلف أصبح من رابع المستحيلات فالكل يعاني من المشكلة نفسها. لكن ونحن في مقر الاتحاد في بغداد نفكر في مخرج لهذه المشكلة وجدنا والدة يونس الهرمي رحمها الله، تدخل علينا في مقر الاتحاد، واكتشفنا بعد ذلك إنها عندما علمت بالحرب قررت أن تسافر إلى حلب لكي توصل مصروف يونس إليه ولانعدام الطائرات في تلك الفترة بين البحرين وسوريا ولظروف الحرب قررت أن تسافر له عن طريق بغداد، ومن ثم تستقل القطار. وتشاء الظروف أن تأتي إلى مقر الاتحاد لكي تستفسر عن الطريق الذي يوصلها إلى ابنها في حلب وكانت اللحظة السعيدة عندما وصلت هي ومعها المؤونة. وبعدها قمنا باستئجار سيارة من بغداد إلى البصرة، وتوجهنا إلى الكويت واكتشفنا أن مطار الكويت أيضاً مغلق لأنه كان هناك جسر جوي بسبب الحرب. ليلة العيد من السعودية إلى البحرين ويردف بو طارق: بعدها قررنا السفر إلى السعودية فأخذنا سيارة متوجهين إليها، ووصلنا ليلة عيد الفطر وكانت كل الطائرات مشغولة المقاعد، ولم نجد مقعداً شاغراً وكنا أربعة أشخاص أنا ويونس ووالدته وبنت خالته، فقررنا أن نتوجه إلى البحرين عن طريق البحر من ميناء الدمام. وأثناء خروجنا من المطار التقينا أحد الأخوة السعوديين ويبدو أنه كان من المسؤولين عن المطار وسألنا عن وجهتنا فقلنا له إننا نقصد البحرين لكن الطائرات مشغولة ولا توجد مقاعد خالية، فقام بإنزال أربعة أشخاص عراقيين بداعي خضوعهم للاستجواب، وبذلك حصلنا على أربعة مقاعد بدلاً منهم وسافرنا إلى البحرين ليلة العيد. بعدها استطعنا تحويل مبالغ للطلبة عن طريق التحويلات والتلكس وأخذنا معنا مصروفاتنا بعد أن قمنا بزيارة كل أهالي الطلبة الموجودين في حلب. وعدنا عن طريق البر وكانت مغامرة طويلة لشباب لا يزيد عمرهم على ثمانية عشرة عاماً. لكنها تجارب علمتنا الكثير من اتخاذ القرارات ومواجهة كثير من المصاعب التي تواجهننا خلال الدراسة. «المالية» أولى خطواتي العملية ينتقل بو طارق للحديث حول حياته العملية، قائلاً: بعد العودة من الدراسة كانت وزارة المالية وجهتي الأولى في العمل في قسم التخطيط، وكان برئاسة وكيل الوزارة المساعد عيسى بورشيد، وكان وكيل الوزارة المرحوم جاسم المطوع والوزير في ذلك الوقت إبراهيم عبدالكريم. وعملت في هذه الدائرة فقط لمدة يومين، وبعد اليومين جاءني الأخ علي نور وطلب مني الانتقال إلى دائرة التقاعد العسكري، وهي دائرة جديدة ملحقة بدائرة المالية ، وكانوا بحاجة إلى من يرأس هذه الدائرة ويقوم بتأسيسها منذ البداية. كنت متردداً لأنه تخطيط ومستقبل وحسابات، لكنني في النهاية أبديت موافقتي على ترأس هذه الدائرة. وكنت أدير القسم بدون موظفين ، وأذكر أنني وظفت في هذه الدائرة أول امرأة بحرينية وكانت النائبة الحالية لطيفة القعود. عملت في هذا القسم لمدة عامين. بعدها انتقلت إلى البنك السعودي وهو برأسمال سعودي وأسس في فرنسا وفتح له فرعاً في البحرين”. وقد صاحب انتقالي من وزارة المالية إلى البنك السعودي قصة لا يمكن نسيانها؛ إذ رغب المسؤولين بالوزارة في عدم الاستغناء عني وأصبحت بيننا علاقة وطيدة وهم لا يمكن لهم أن يفرطوا بي تحت أي ظرف. وكنت خريجاً جديداً وشاباً يمتلك الحماس، وهذا ما جعلهم يتمسكون بي، رغم قراري بالانتقال إلى القطاع المصرفي، وهو ما كنت أتمنى العمل فيه؛ إذ كنت أفضل العمل في القطاع الخاص. فعندما حصلت على الوظيفة الأولى والتي كانت في شركة أسري، لم أتردد في قبولها، وكانت الوظيفة العمل في قسم شؤون الموظفين، وتمت الموافقة على تعييني، وأثناء متابعتي للبدء في تعييني في الشركة، فاجئني المسؤول عن التعيين عبدالله يتيم بخبر أسعدني فقال لي: “عبدالكريم عندي لك خبر غير مفرح، سألته: وما هو قال؟ فقال: عندما ألتقي بك في “الفريج” سأخبرك به. وعندما التقينا وكان القلق قد بدأ يساورني، قال: “إن هناك أمر من وزيركم في المالية يقضي بعدم الموافقة على تعيينك في الشركة. ويؤسفني أن أبلغك بهذا النبأ رغم تجاوزك كل الفحوصات بنجاح ورغم أننا في الشركة كنا متحمسين لانضمامك إلينا”. في «الفندقة».. «شايف نفسي» ويتابع بوجيري: بعد أن خسرت هذه الوظيفة أصبحت أفكر في أن أكون حذراً في خطوتي. وقدمت كمدرس في مدرسة التموين والفندقة. وكان رئيسها في تلك الفترة الأخ عبدالله الذوادي. أجريت المقابلة مع عبدالله الذوادي وكان همي أن أتعلم اللغة الإنجليزية بأي صورة من الصور، وكان ما يميز الفندقة إنهم يرسلوني سنة للدراسة في بريطانيا، وبعدها العودة للتدريس في الفندقة، وبعد الاتفاق قررت تقديم استقالتي من وزارة المالية، وكان قصدي أن لا أعلمهم بوجهتي المقبلة لكي لا تتكرر قضية “أسري”، لكن الأخ عبدالله كان له رأي آخر، قال لا يمكن لك أن تخسر خدمة سنتين في الوزارة “ببلاش”، ونحن سنقوم بتحويلك من المالية إلى الفندقة. حاولت إقناعه بشتى الطرق إن ذلك لن يتم وأن الوزارة لن توافق على ذلك، ولا أريد أن أضيّع هذه الفرصة الثانية من يدي، لكنه تصوّر أنني “مغرور” وشايف عمري زيادة عن اللازم؛ شاب عمل لمدة سنتين وتتمسك به الوزارة بهذه الدرجة، وقال لي إنني سأكلم جاسم المطوع الوكيل وإذا لم تنجح السبل معه سأطلب من وزيرنا يوسف الشيراوي مخاطبة الوزير إبراهيم عبدالكريم وقال “لا “تحاتي” الأمور ستسير بكل أريحية وسيتم انتقالك على يدي”. لكن الموضوع تأخر ولم أصل إلى نتيجة. وكنت أتابع مع الأخ الذوادي ما الذي حصل من خلال اتصالاته، قال لي “إن الوكيل رفض لكن ذلك لن يكون نهاية المطاف، فأنا سأكلم وزيرنا ليكلم وزيركم وبيده الحل لنقلك”، وبعدها جاءني ليقول: “لم أكن أتصور كل هذا التمسك بك في الوزارة، فالوزير إبراهيم عبدالكريم رفض رفضاً قاطعاً أن يحولك إلى الفندقة”. وبذلك خسرت الفرصة الثانية. كذبة نقلتني للبنك السعودي أما فرصة العمل في البنك السعودي فكانت مختلفة، يقول عنها بو طارق: عندما حصلت على فرصتي الثالثة في البنك السعودي؛ قررت أن أخرج بطريقة المغامرات في الأفلام، وقد اتخذت كافة الاحتياطات لمواجهة المعوقات التي ستقف في طريق انتقالي. كنت أعلم أن الوزير إبراهيم عبدالكريم كان على معرفة بوالدي، وربما يتصل في أي لحظة ليسأل عن سبب استقالتي، فرتبت مع الوالد أن يخبره أنني سأعمل معه في مشروعه التجاري، وان يقول له إنه كبر في السن ويحتاج لمن يحمل معه، وأن ولدي عبدالكريم هو خير من يؤدي هذه المهمة. وبعد أن قدمت الاستقالة في الوزارة، كان السؤال عن وجهتي الجديدة فأجبت أنني سأعمل مع الوالد، لكنهم شككوا في الموضوع وسألوني: هل ستترك العمل في الوزارة لتعمل في شركة لتأجير السيارات؟ أجبت: أنني أرغب بمساعدة الوالد”. وكما كنت متوقعاً وبعد أن يأس الوزير من محاولته ثنيي عن الاستقالة؛ اتصل بالوالد عن طريق أحد المسؤولين بالوزارة فأخبرهم الوالد حسب اتفاقي معه بأنني سأعمل معه، فتمت الموافقة على استقالتي من الوزارة”. وبعد أن انتقلت إلى البنك بطريقة “الكذب” على الوزارة، علم الوزير أنني عملت في البنك السعودي وليس مع الوالد ، وكان في الوزارة لي شقيق يدعى علي يعمل في المالية فاستدعاه الوزير وقال له “اذهب إلى والدك وأخوك وقل لهما إنني لا أحب الكذابين. أخوك كذب علينا مع والدك.. الله يوفقه، لكنني أكرر أنني لا أحب الكذابين”. خلاف على خمسة دنانير! ويتابع بوجيري حول تجربته في الانتقال إلى بنك الخليج الدولي: بعد أن عملت في البنك السعودي كمتدرب لمدة سنتين، حظيت بفرصة العمل في بنك الخليج الدولي. كان محمد حسين صديقاً عزيزاً من أيام الطفولة والدراسة وفي الجامعة كنا في سكن واحد، وهو من أخبرني بوجود فرصة في بنك الخليج الدولي، وكانوا يرسلون المتدربين إلى اليونان لمدة ستة شهور في دورات متطورة راقية جداً، وكان همي أن أحصل على هذه الدورة لأنها ستنمي لغتي الانجليزية. وقدمت أوراقي لبنك الخليج الدولي وامتحنت واتفقنا على العمل، لكن الخلاف كان على خمسة دنانير في مرتبي. كان المرتب الجديد بعد أن يخصم منه التقاعد استلمه أقل بخمسة دنانير، وكان المرتب تقريباً 525 ديناراً، وكان طلبي أن أتسلمه كاملاً. بعدها استدعاني المسؤول في البنك وهو حسين الأنصاري وذكّرني بأن عملي في البنك سينمي مستقبلي، لكنني صممت على أخذ الخمسة دنانير الزيادة في مرتبي، وفي النهاية حصلت عليها. وبعد الموافقة على حصولي على الخمسة دنانير الزيادة في مرتبي؛ عملت في البنك ولمدة 23 سنة، وفي البنك كنت مهتماً بالدورة التخصصية لستي بنك”. فشلك في الدورة يعني فصلك من العمل تعرض بوجيري هناك إلى امتحان نجح فيه، يقول بشأنه : اجتهدت في عملي بالبنك إلى أن تم وضع أسمي من ضمن المرشحين للسفر في هذه البعثة، كان ذلك في العام 1982م ، وتحديداً في سبتمبر 1982 حين تهيأت دورة “تشيس منهاتن “ ومدتها 9 شهور ، وهي أفضل من الدورة السابقة. وقرر البنك أن يبعث موظفين اثنين لهذه الدورة وكنت مرشحاً لها وأمني النفس أنني سأكون أحد المرشحين ، لكنني صدمت بترشيح د. فريد الملا والشيخ راشد بن سلمان آل خليفة، والذي يعمل معنا في البنك الآن مديراً عاماً لقسم الأعمال. وتم استبعادي من الدورة، فذهبت لرئيسي المباشر وكان يدعى “ديفيد درام” وقلت له : ألم تخبرني أنني سأكون على رأس القائمة للسفر في البعثة، والآن تبتعثون اثنين جاءا من بعدي، هل تتعاملون بالوساطات أم ماذا؟. أجاب: “ لا أبداً لقد اخطأت في ظنك ولا تزعل. فهو قرار قد اتخذ من قبل الإدارة العامة ، وستكون لك الأولوية في البعثات المقبلة. وأود أن أطمئنك بأن هناك دورة في أبريل 1983 م، وهي مضمونة وبإمكانك أن تستعد للسفر إلى اليونان من الآن أو أن تنتظر إلى سبتمبر 1983م لتذهب في دورة “تشيس مانهاتن “ المقبلة لأمريكا. فقررت قبول الدورة الموجودة الآن “ فعصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة”. حزمت حقائبي وسافرت إلى اليونان وهذه الدورة مخصصة “لستي بنك”، وأنا هنا أقولها اعتزازاً لا فخراً لمشاركتي في هذه الدورة. فالموظفين المشاركين في دورة ستي بنك إذا فشلوا فيها ولم يحالفهم النجاح لا يعودون إلى عملهم، بل يتم فصلهم من وظائفهم. وهذا من شروط المشاركة في هذه الدورة، وكنت أعلم أن الكثيرين كانوا قد فقدوا مناصبهم لصعوبة الدورة، لكنني قبلت التحدي، والحمد لله كان ترتيبي على دفعتي الأول وحصلت على ترقية من البنك، وكنت لا أزال في الدورة قبل عودتي إلى البحرين كمكافأة لي على تفوقي ونجاحي فيها، وحتى بعد عودتي من اليونان حصلت على ترقيات سريعة وكانت إدارة البنك سعيدة بأن يكون هناك بحريني ويحوز هذا الترتيب بين العديد من المشاركين من دول العالم. ويردف: أنا أعتبر بنك الخليج الدولي مدرسة تعلمت منها الكثير على مدى 23 عاماً قضيتها في البنك، وقد تدرجت في المناصب التي شغلتها إلى أعلى وظيفة حصل عليها بحريني في البنك حينذاك. وأتذكر من الأشياء الجميلة أنني بدأت كل وظائفي سواء في وزارة المالية أو البنك السعودي أو بنك الخليج الدولي الوظائف الثلاث بتاريخ 1 سبتمبر، حتى أتذكر أنه في 1 سبتمبر 1978م وكان يوم جمعة كنا في نادي البنوك، وكنت في حمام السباحة وتعرفت على رجل من اليابان وكان يسألني عن عملي وكنت في وقتها قد تركت العمل في وزارة المالية وسألتحق بالبنك السعودي، فقلت له : “اليوم أنا أعمل في وزارة المالية والبنك السعودي فاستغرب من جوابي وقلت له: إن اليوم هو الأول من سبتمبر ويصادف الجمعة وهو آخر يوم لي في وزارة المالية ، ولأنه إجارة فلن أداوم في أي من المؤسستين. والتحاقي بالبنك سيكون في نفس اليوم ولأنه إجازة سأداوم اليوم الذي يليه يعني أنني اليوم في الوزارة والبنك. وقد حصلت على راتبي من الوزارة والبنك عن ذلك اليوم. ولأني كنت أعمل في قسم التقاعد وأعرف القانون بأن كسور السنة تحول إلى سنة في عدد أيام الخدمة ولأني عملت بتاريخ 1 سبتمبر، وأنني استقلت في 13 أغسطس تصبح مدة خدمتي سنتان بالضبط، وإذا استقلت في 1 سبتمبر يصير لي سنتان ويوم ما يعني أن تتحول خدماتي إلى ثلاث سنوات، ففي يوم واحد حصلت على فرق ما يقارب 800 دينار. فهذا اليوم كان إجازة ولم أعمل فيه لا بالوزارة ولا بالبنك وحصلت من خلاله على مكافأة في نهاية الخدمة بمبلغ 800 دينار زيادة. يتبع في الأسبوع المقبل