^  لو كانت إرادة شعب بأكمله سنته وشيعته مسيحه ويهوده وغيرهم، لو كانت مثلما حصلت في تونس ومصر وليبيا واليمن، ولو كانت ضد نظام جائر جوع شعبه وقتلهم وقمع حرياتهم وفعل بهم الأفاعيل، لو كانت كذلك لسقط النظام البحريني منذ البداية. لكن البحرين صمدت لأن ما حصل فيها خلاف ذلك، لم تكن ولن تكون جزءاً من الربيع العربي، بل كانت محاولة لإدخال البلد في هذا الربيع قسراً، رغم أن أعضاء الربيع العربي لم يكونوا من المتحدثين بطائفية، لم يستغلوا اسم الشعب لمصالحهم الحزبية الضيقة، ولم تكن جهات خارجية تقف وراءهم كإيران التي سخرت وسائل إعلامها على مدار الساعة لدعم عملية تحويل البحرين لولاية إيرانية لتواكب طموح الاختطاف التاريخي. حتى بينهم؛ أعني من تدثروا برداء المعارضة، حتى بينهم اختلفوا، فمن يريد اليوم أن يقنعنا بأنه ليس مع شعار إسقاط النظام بل مع إصلاحه، كان في وقت من الأوقات يوافق على هذه الهتافات ويقف تحت هذه الشعارات، فهل كان مجبراً أو مضطراً أو مفروضاً عليه أن يتمثل بمواقف غيره؟! كان بعضهم ينادي بالدولة المدنية التي أساسها التعددية، ولكن في جانب آخر هناك من دعا لقيام الجمهورية أسوة بالجمهورية الشمالية التي أوصلت تعليماتها لهؤلاء سواء عبر خطب من على منابر طهران، أو العراق “المختطف”، أو عبر توجيهات في اجتماعات الذراع العسكري بجنوب لبنان. بالضبط ماذا كانوا يريدون، دولة مدنية، جمهورية، أم دولة دينية تأتمر بأمر ممثل الولي الفقيه؟! وضعهم فيه “شتات” واضح، إذ بينما وعد أمين عام الوفاق من اجتمع معهم من ممثلين للنظام ليلة الإخلاء الأول بأنه سيعمل على إخلاء الدوار لبدء الحوار، اعترف بشكل واضح أنه “تابع” أو كما قال لاحقاً “خادم” أو “سيف في غمد سيده” حينما قال بأن عليه مراجعة مرجعه الديني، في تناقض صارخ في موقف من يريد دولة مدنية! حينما قال له مرجعه “لا” لم يملك أن يفي بوعده حتى يبدأ حواراً كانت ستكسب المعارضة من ورائه مغانم عدة، وكيف يقول “الخادم” كلمة “لا” لسيده الذي لا ينطق عن الهوى؟! تصريحات تصدر عن عناصر وفاقية تشير لوجود اتصالات لبدء حوار جديد فيه تنازلات من قبل الطرف المؤزم للمشهد البحريني، أي هم، بينما تصريحات أخرى لعناصر وفاقية أيضاً تنفي وجود هذه الاتصالات، بالتالي من نصدق؟! لا تصدقوا هؤلاء ولا تكذبوا أولئك، فهناك بالفعل حمائم وصقور، هناك منهم من يتحسر على ضياع فرص عديدة كانت كفيلة بأن تحقق لهم الكثير، وهناك عناصر أخرى لا تريد إلا التصعيد والاستمرار في محاولة إسقاط النظام، خاصة وأن المهادنة اليوم مع النظام ستغضب من يستغل ورقة الوفاق ليحول البحرين إلى ولاية تابعة له. لو أن حسن مشيمع ليس محبوساً اليوم بتهمة مؤامرة الانقلاب، لرأيتم بالفعل كيف يتمزق هذا الشارع الذي يهتف بإسقاط النظام، فشعار حركة مشيمع “شرعية الحق لا شرعية القانون” شعار تعرف الوفاق خطورة الاتفاق بشأنه، إعلان صريح بأنها لا تعترف بالقانون، وإن كانت اليوم لا تعترف به دونما تصريح صريح. على الوفاق أن تحسم أمرها، فالتناقضات واضحة وباتت تبرز بجلاء، أمينهم العام يقول إن الحراك “سلمي”، بينما المرجع يصرخ من على المنبر ويقول “اسحقوهم”، أمينهم العام يقول إن الهدف “دولة مدنية” بينما المرجع بدأ منذ الآن بإعطائنا نموذجاً صريحاً لما سيكون عليه شكل الدولة المدنية عبر تحريك الشارع الموالي له من خلال “الفتاوى” وابتكارات “التكليف الديني”! كيف تكون “دولة مدنية” يحكمها رجل واحد بفتوى تحرك جموعاً يمنة ويسرة؟! يبدو أن الحال بات مشابهاً للوضع في إيران، نورد المثال لأنه أقرب لهم للفهم والمقاربة، هناك يمتلكون رئيساً يريد أن يصبح ذا إرادة وقرار، لكنه في الوقت نفسه لا يجرؤ على مخالفة أوامر المرشد الأعلى، وحينما أراد الاستفراد والاستقلالية بشأن بضعة قرارات رأيتم كيف عانى. اليوم يعاني “السيف” من “الغمد”، يعاني “التابع” من “المتبوع”، يقول “سلمية” فيرد عليه “اسحقوهم”، يقول “دولية مدنية” فيصدر مرجعه “فتوى” تؤكد بأنه حراك مذهبي طائفي لا قرار للأتباع سوى القول “لبيك وسمعاً وطاعة”، بالتالي لكم أن تتخيلوا الصراع الحالي لديهم بشأن الحوار، إن قال “التابع” سنشارك، قد يخرج “المتبوع” يقول -”لا للحوار”. عموماً نترككم في معاناة تحديد مواقفكم، ومدى نجاحكم في التجرد من كارثة تقرير المصير المرهونة بيد شخص واحد، ونتوجه للدولة بسؤال بشأن الحوار الجديد وما سبقه من تمهيد، إذ إلى متى ستنتظرون الوفاق لتحدد موقفها؟! مثلما وضعوا شروطاً تعجيزية في السابق ليماطلوا في الحوار، يتعين اليوم أن تضعوا شرطاً واحداً لهم، ولا نقول تعجيزياً، بل شرطاً يحدد سقفاً زمنياً لانتظار الرد، فإن تجاوزوه بالتالي هم من يفوتون فرصة العودة، وهم من يماطلون مجدداً أمام أي خطوة “بات يراقبها العالم عن كثب” لإنهاء الأزمة في البحرين.