^  كعادته؛ دأب محرك البحث غوغل على أن يذكرنا بتاريخ ميلاد أو رحيل واحد من أعلام العرب. هذه المرة اختار “غوغل” 13 مارس ليذكرنا بمولد أحد قمم الإبداع العربي وهو الفنان الكبير الراحل محمد عبدالوهاب (13 مارس 1902 - 4 مايو 1991). وهناك الكثير ممن حملوا اسم محمد عبدالوهاب، من بينهم على سبيل المثال لا الحصر الشيخ محمد بن عبدالوهاب المولود سنة 1703 في مدينة العيينة في نجد وهو مؤسس الوهابية، والذي عرف عنه “تعلم القرآن وحفظه عن ظهر قلب قبل بلوغه عشر سنين”. كما إن عشاق الرياضة يعرفون محمد عبدالوهاب الذي يلعب في خط وسط أيسر و«بدأ مشواره مع الكرة وعمره 14 عاماً بمركز شباب سنورس، وعن طريق مدربيه ذهب إلى اختبارات البراعم بالزمالك واجتازها بنجاح، لكنه انتقل إلى صفوف النادي الأهلي ومنها إلى منتخب مصر”. وهناك المقرئ الشيخ محمد عبدالوهاب طنطاوي. وهؤلاء جميعاً يعرفون اختصاراً باسم محمد عبدالوهاب. وبالنسبة لشباب الستينيات من القرن الماضي، عبدالوهاب يعني لهم شيئاً واحداً هو الموسيقار المصري محمد عبدالوهاب. من أكثر القصص الفنية المتداولة إثارة في سيرة عبدالوهاب هي العلاقة المتفردة التي ربطته مع قمة فنية أخرى، هي سيدة الغناء أم كلثوم. يؤرخ البعض علاقة العمل المشترك بينهما بأول لقاء جمعهما في أغنية “أنت عمري”، من تأليف أحمد شفيق كامل، الذي يشاع أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر يقف وراء ترتيباتها، لكن البعض يذهب في التأريخ لهذه العلاقة إلى ما سبق ذلك بكثير، ويرجع أول لقاء كما ورد في “ويكيبيديا” إلى العام 1925 في “منزل أحد الأثرياء (محمود خيرت) والد الموسيقار أبو بكر خيرت، وجد الموسيقار عمر خيرت، حيث غنيا معاً دويتو “على قد الليل ما يطوّل” ألحان سيد درويش بعد ذلك لحن لها عبدالوهاب أغنية “غاير من اللى هواكي قبلي ولو كنت جاهلة” رفضت أم كلثوم أن تغنيها فغناها عبدالوهاب”. ويشاع أيضاً أن هناك محاولة أخرى للجمع بينهما تعود لرجل الأعمال، ووالد الصناعة المصرية طلعت حرب، الذي “أطلع عبدالوهاب وأم كلثوم برغبته في جمعهما في فيلم يتولى إستديو مصر إنتاجه، ووافق الطرفان على القيام بالفيلم لكن حدث اختلاف بينهما حول من يقوم بتلحين الأغاني المشتركة بين البطلين ونتيجة إصرار كل طرف على موقفه تأجل المشروع لتفشل محاولة طلعت حرب”. ومن العلامات الفارقة في حياة محمد عبدالوهاب، إلى جانب تلك التي مع أم كلثوم، كانت علاقته بأمير الشعراء أحمد شوقي، التي بدأت في العام 1924، عندما حضر شوقي حفلاً أحياه محمد عبدالوهاب في أحد كازينوهات الإسكندرية. حاول شوقي بعدها استخدام نفوذه السياسي لمنع عبدالوهاب من ممارسة الغناء، نظراً لصغر سنه حينها، من وجهة نظر شوقي. لكن العلاقة تطورت لاحقاً بشكل إيجابي، تمثلت في تقديم شوقي لعبدالوهاب إلى المجتمع المخملي المصري، ودوائره السياسية المغلقة، إسوة بما كان يقوم به مع شخصيات عملاقة من مستوى عميد الأدب العربي طه حسين. وتنقل ويكيبيديا عن عبدالوهاب اعترافه بفضل أحمد شوقي عليه. وتوجت تلك العلاقة بتلحين عبدالوهاب للكثير من قصائد شوقي من بين الأهم فيها؛ النيل نجاشى، ومضناك جفاه مرقده، والتي نقلته إلى القمة، مع أغنيات أخرى مثل الجندول وكليوباترا، وهاتان الأخريان من تأليف الشاعر علي محمود طه. ولهذا الأخير بصماته الواضحة على حركة الشعر العربي الحديثة. وهو أحد الشعراء الثلاثة (علي محمود طه، وإبراهيم ناجي، ومحمود حسن إسماعيل) الذين اعتبروا من الروافد الأساسية فى شعر جماعة أبولو. كثيرة هي المحطات الفنية في حياة عبدالوهاب، تبرز من بين أهمها تلحينه ما يمكن أن نصفه باوبريت “وطني حبيبي وطني الأكبر”، الذي صدحت به في عام 1960 نخبة من المطربين والمطربات العرب هم على التوالي؛ عبدالحليم حافظ، تلته صباح، ثم فايدة كامل، وبعدها شادية كي تستلم منها المايكروفون وردة الجزائرية، وأخيراً نجاة الصغيرة، ليطل علينا عبدالحليم حافظ ويختتم الأوبريت بكوبليه تقول كلماته: “وطني يا زاحف لانتصاراتك.. ياللى حياة المجد حياتك.. في فلسطين وجنوبنا الساهر.. هنكملك حرياتك.. احنا وطن يحمى ولا يهدد.. احنا وطن بيصون ما يبدد.. وطن المجد يا وطني العربي”. اليوم، بعد مضي ما يزيد على نصف قرن على هذا الأوبريت، الذي لحنه عبدالوهاب عام 1960، هل في وسع أي عربي أن يمتلك الجرأة كي يدندن بكلمات ذلك الأوبريت. ليس هنا مجال ولا وقت للجوء إلى حالة كربلائية نندب فيها حظنا نحن العرب. لكن حال العرب اليوم يجبرنا على اجترار بعض الهموم. فالعرب، دون أي استثناء “يزحفون” بوعي، وقرار ذاتي محض نحو هزائمهم بدلاً من التقدم على طريق “انتصاراتهم”، وليس هناك أية “أمجاد”، إنما مصائب في فلسطين وسبات نوم عميق بدلاً من “السهر” في اليمن، ولم يعد هناك أي مجال “لاستكمال الحريات”، التي صار البعض من العرب يتغنى بتلك النسبية منها التي كانوا ينعمون بها تحت حراب الاستعمار، وقلمت أظافر العرب، واقتلعت أنيابهم قبل أن تنبت، فلم يعودوا “يحمون” بلادهم، دع عنك الدفاع عن الغير، ولا “يهددون” أحداً سوى بعضهم البعض، أما المجد، فلم يبق منه سوى أطلال في انتظار من يبكي عليها كعنترة بن شداد ويتغنى بها كزهير بن أبي سلمى. أما “صيانة” الثروات فلم تعرف البشرية من “بدد” ثرواته الطبيعية أكثر من العرب، فأنفقوا أموال النفط على الملذات بدلاً من تسخيرها للتنمية والبناء. أما “الأمجاد” فلم يبق منها سوى أطلال في الأندلس أكثر منها في أي بلد عربي. ربما كان على عبدالوهاب أن يلحن أوبريته لكن بعد أن ينهي كل كوبليه منه بعلامات استفهام تبحث عن جواب مايزال ضائعاً حتى يوم هنا، حيث لم يعد الوطن العربي كبيراً ويصعب اعتباره حبيباً.