^ يمتلك الإنسان رغبة قوية من أجل تحقيق التغيير، لكن الرغبة شيء والفعل شيء آخر، وإذا تحقق التغيير الصحيح الإيجابي فإن الجميع سيستفيدون خصوصاً إذا كان هذا التغيير يخدم المجتمع وأفراده دون استثناء، فالتغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي بما فيه الصحة والتعليم والخدمات العامة مطلب ينادي به الجميع، الجهات الرسمية والأهلية، لكن.. ماذا يحتاج التغيير؟ هل يحتاج إلى ضحايا من أفراد المجتمع؟ هل يحتاج إلى الإضرار بمصالح الأفراد والوطن؟ أم أنه يحتاج إلى اعتصامات وتظاهرات وملء الطرقات بالعثرات وقوى الأمن؟ بما أن المستفيد من التغيير الإيجابي هم كافة أبناء المجتمع فهم المسؤولون عنه، ولن يحدث التغيير صدفة ودون مقدمات، وبادئ ذي بدء؛ فإن التغيير يبدأ من الإنسان، فالجندي الذي يدخل المعركة لا يدخلها فقط بالسلاح العتادي، بل لابد وأن يتسلح أيضاً بسلاح داخلي وذاتي وهو الإيمان بالشيء الذي يُقاتل من أجله، فتبارك وتعالى يقول في كتابه المجيد (إن الله لا يُغير ما بقوم حتى يُغيروا ما بأنفسهم)، وهذا الإحساس لن يحصل عند الإنسان إلا إذا كان الوطن هو هدف هذا التغيير، إذاً يحتاج الإنسان إلى سلاح الوعي والمواطنة لتحقيق هذا الهدف الأسمى. نعم في الوطن مشاكل عديدة وكثير من المعوقات، لكن علينا كمواطنين أن نستثمر هذه المعوقات في المجال الإيجابي الذي يؤدي إلى علاجها بشكل تدريجي لا أن تكون معاول يُهدم بها المجتمع ويُمزق بها لحمته الوطنية. فعلى سبيل المثال أن التعليم رغم ما به من مشاكل إلا أنه ساهم في إخراج الكثيرين من مستنقع الجهل والفقر والتخلف، وقاد البلاد نحو التقدم والغنى، غنى النفس الإنسانية بالنور والمعرفة، وغنى البلاد من تقدم وازدهار، فلا يمكن استخدام المدارس كآلية من آليات الحل السلبي للمشاكل التربوية والمجتمعية، ولا يتقبل أي عقل إنساني الزج بطلبة المدارس في أتون محرقة الخلافات السياسية، بل على العكس يجب أن يكون التعليم كنور ومعرفة آلية من آليات التنمية المستدامة لحل المشاكل والمعوقات المجتمعية، فالتعليم هو استثمار لإنسان للمستقبل وليس لتحطيمه وتهميشاً لدوره الآتي. كما في التعليم ينطبق ذلك على كافة المواقع الإنتاجية والخدمية التي تمد المواطن بأسباب الراحة والحياة. فنحن لا نعيش في أمة غافلة عن دورها ولا جاهلة بقدراتها، فأهل البحرين يملكون كثيراً من القدرات ويتميزون بكفاءة عالية، وهم قادرون بما يتمتعون من ضمائر حية ووطنية عالية على مسح ما علق من غبار الأحداث عن جداريات الوطن وتنظيفها من براثن التصدع. نتوق إلى التغيير، التغيير الإيجابي الذي يوحدنا ولا يُشتتنا، التغيير الذي يجمعنا في خندق واحد، التغيير الذي يُحطم أصنام الطائفية ويشفي بلادنا من كافة أمراض الفساد والمحسوبية والأنانية. نتوق إليه لأننا بحاجة إليه نفساً ووطناً، وبحاجة إلى الوحدة لا أغلبية ولا أقلية، لا سيطرة ولا تهميش، لا أقلية ولا مظلومية. لأجل التغيير فنحن في البحرين بحاجة إلى تجمعات وأحزاب وطنية حقيقية تدفع بعجلة التغيير إلى الأمام، رائدها مشروع الإصلاح السياسي وميثاق العمل الوطني، واضعة أسس وثوابت للتغيير يلتزم بها جميع أبناء المجتمع لتكون مرجعية يعودون إليها في حالة الاختلاف، لكون التغيير هو غاية وهدف من أجل إنقاذ سفينة الوطن من الغرق. لذا فإن التغيير المنشود يحتاج إلى: - التمسك بالهوية الوطنية والعربية للبحرين، فلا يمكن أن نتغير ونُغير من دون هوية حقيقية، فهي تكسبنا الاستقلالية، بعيداً عن أي هوية أخرى لا تمت لنا بأي صلة. - التمسك بالهوية الوطنية لا يعني الانغلاق على الذات وعدم الانفتاح، بل علينا أن نستفيد من علوم وتقدم أي شعب آخر دون المساس بهويتنا الوطنية وبمنظومة قيمنا وتقاليدنا العربية، لأن الاتصال مع التقدم التكنولوجي العالمي يُساعدنا على بناء منظومتنا العلمية الخاصة بنا. - التغيير يحتاج إلى أجندة وطنية مائة بالمائة، فلا يمكن إصلاح النفس والوطن بالأجندات الأجنبية، فالأجندة البحرينية ذات رؤى وأهداف وطنية، والأجنبية تخدم أهداف وقوى ومصالح أجنبية، والوطنية توحدنا، والأجنبية تفرقنا. - التغيير الحقيقي هو الذي يوحد كلمتنا ويجمعنا على طريق واحد وهدف واحد، ويكون انحيازه الأول والأخير هو مصلحة المواطن والوطن. فلا يكون هناك تهميش أو إقصاء لأي مواطن. - التغيير يحتاج إلى جهود جميع المواطنين، وعليهم جميعاً التنازل عن المكاسب الشخصية حتى يتم التغلب على الخلافات الذي تصدع بها الوطن، ومن أجل وضع أرضية وطنية مشتركة تجمعنا جميعاً في خندق واحد. - التغيير يحتاج للتصدي إلى كافة الأمراض المجتمعية من فساد واستبداد وفقر، وأن تكون مواقف جميع المواطنين متحدة في هذا الشأن من أجل تحقيق الإصلاح الحقيقي في المجتمع، بما يحقق البناء والنهضة للبحرين ويجنبها العثرات. - التغيير يتطلب أن يجعل المواطن المصلحة العُليا والأولى هي للوطن، والابتعاد عن المصالح الضيقة، والشعارات الجوفاء، والانتماءات المتعصبة، كما إنه يتطلب الابتعاد عن التقليد الأعمى. - أن لا يكون التغيير نتاج الغضب أو ردة فعل، بل لأجل الوطن وحماية له، وأن صاحب التغيير رسول ينشر المحبة بين الناس والسلام في ربوع الوطن. - التغيير لا يكون بين ليلة وضحاها، ويحتاج إلى الوقت والصبر، وإلى الاستغلال الأمثل لموارد البحرين البشرية والمادية الذي يُحقق المناخ الآمن للاستثمار الوطني والعالمي. - إن التغيير يحتاج إلى العلم، وبالعلم يمتلك الإنسان المهنة، فالمهنة هي الضمان للمواطن وزاده في الحياة، وهي التي يحتاجها الوطن لتنميته وتطوره. أما الجهل فهو المعاكس للبناء والتنمية. - لا يعني التغيير إجهاض مكتسبات الوطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والديمقراطية، بل العمل على تطويرها والعمل على تحسين جودتها. - التغيير يحتاج إلى الأمن والاستقرار، ولا يتحقق التغيير الجاد والإيجابي بتعكير صفو الحياة العامة للمواطنين والوطن، ولا بخلق بؤر القلق، أو بإثارة المخاوف والاعتداء على ممتلكات الغير وأنفسهم والوطن، فلا تنمية أو تغيير صحيح بدون أمن واستقرار. - التغيير يحتاج إلى المواطن، المواطن الذي لا يعطل حركة ومصالح الناس، ويقلق السكينة العامة والوئام الاجتماعي، فللطرقات حرمات وآداب وسلوك وإن إعاقة حركة السير والناس هي في النهاية إعاقة لحركة وسير وتقدم المجتمع إلى الأفضل. - التغيير يحتاج إلى صوت وطني مسموع، بعيداً عن الغلو والتعصُب والتطرف، وبعيداً عن نشر سموم الفتنة القاتلة. وأن يُحدد المواطن بوصلة المسار الصحيح وأخذ الدروس والعبر من تاريخ المجتمعات الأخرى، حتى لا يتقطع أوصال وشرايين الوطن البحريني. - التغيير يعني تغيير حياة الناس نحو الأفضل، فحياة الكثير من المواطنين صعبة وتتطلب دعماً مالياً حقيقياً، لذا يجب أن لا يكون ما يحصل عليه المواطن من دخل مقدراً بما يملك من المؤهلات العلمية وإنما بحد الكفاية الذي يقيه الحاجة ويدعم كثيراً من موقفه الاقتصادي. لنسعَ جاهدين جميعاً نحو تحقيق التغيير المطلوب بالطرق وبالوسائل السلمية وبما يحفظ أمننا وبلادنا وشعبنا من الضرر حتى لا تكون حصيلة التغيير هي الفوضى والعبث، بل نريد نتاجاً تنموياً سليماً يُخلص وطننا من كل داء وينشر المحبة والسلام بين شعبه وربوعه الغالية، لنبني بذلك وطناً شافياً ومعافى، وإذا أحسنا استخدام ما حققناه من مكاسب سنحصل على المزيد منها. وبذلك يكون التغيير من أجل الوطن