فيما تسعى السلطات المصرية إلى لملمة جراحها الاقتصادية العميقة بإجراءات استثنائية غير مسبوقة، أطلقت في الوقت ذاته قبضتها الرقابية ضد مظاهر الفساد المختلفة المتغلغلة في عصب الجهاز الإداري للدولة منذ عقود.
ولا يوجد حصر دقيق لكل قضايا الفساد المضبوطة في مصر ولا حجم الأموال المتحصلة عنها، ويعود السبب في ذلك إلى أن هيئة الرقابة الإدارية لا تعلن إلا عن القضايا الكبرى من حيث الأموال المهدرة أو من حيث المسئولين المتورطين فيها، لكن نظرة سريعة على أبرز تلك القضايا تكشف عن أن الرشوة واختلاس المال العام هما الصورتان الأبرز لوقائع الفساد المتعددة التي كشفت عنها الرقابة الإدارية مؤخرا.

وتكشف التقارير الرقابية أيضا عن ترسخ ظاهرة الفساد في قطاعات بعينها كوزارات التموين والصحة والتعليم والأوقاف والزراعة والمالية والإسكان والعدل، وهي وزارات خدمية ذات صلة مباشرة بالجمهور.

نهاية عام وبداية حرب

وودع المصريون عام 2016 بصدمة هائلة إثر الكشف عن واحدة من أكبر قضايا الفساد في تاريخ مصر، بطلها مدير عام المشتريات والتوريدات بمجلس الدولة الذي ألقت هيئة الرقابة الإدارية القبض عليه بتهمة تلقى رشوة وبحوزته 24 مليون جنيه مصري و4 ملايين دولار ومليوني يورو ومليون ريال سعودي.

وتوالت المفاجآت بوتيرة متسارعة، عندما أعلنت السلطات عن توقيف أمين عام مجلس الدولة المستشار وائل شلبي، لتورطه في القضية قبل أن تعلن انتحاره داخل محبسه ليتوقف النشر في هذه القضية بقرار من النائب العام.

وزير الزراعة

وفي أبريل الماضي، أدانت محكمة جنايات القاهرة وزير الزراعة السابق صلاح هلال في قضايا تلقي رشوة من رجل أعمال لتسهيل استيلائه على 2500 فدان من أراضي الدولة.

وأصدرت المحكمة بحقه حكما بالسجن عشر سنوات، وغرامة مالية قدرها مليون جنيه مصري في أول قضية فساد كبيرة يتم الإعلان عنها منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة في يونيو 2014.

فساد "القمح"

في يوليو عام 2016، كشفت لجنة برلمانية لتقصي الحقائق عن ضبط قضية فساد كبرى تتعلق بتلاعب مسئولين كبار في كميات القمح التي تم توريدها للصوامع في موسم الحصاد للاستفادة من سعر التوريد الرسمي الذي تدفعه الحكومة نظير شراء القمح من الفلاحين، محققين بذلك أرباحا طائلة تجاوزت نصف مليار جنيه مصري.

وتختص هيئة الرقابة الإدارية وفقا لقانون إنشائها الصادر عام 1964 بالكشف عن المخالفات الإدارية والمالية والفنية التي تقع من العاملين أثناء مباشرتهم لواجبات وظائفهم أو بسببها، وكشف وضبط الجرائم الجنائية التي تقع من غير العاملين والتي تستهدف المساس بسلامة أداء واجبات الوظيفة أو الخدمة العامة والتحري عن حالات الكسب غير المشروع تنفيذاً لقانون الكسب غير المشروع ، والتحري عن العمليات المالية التي يشتبه في أنها تتضمن غسل أموال بالتنسيق وتبادل المعلومات مع وحدة مكافحة غسل الأموال بالبنك المركزي.

جهود محاصرة الفساد

وتتعالى الأصوات المطالبة بتعديل قوانين مكافحة الفساد بما يحقق الردع العام، حيث دعت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري إلى دراسة إصدار تشريع، يمنح الأجهزة الرقابية ومباحث الأموال العامة حق الاطلاع على جميع الرسائل والمستندات المتعلقة بقضايا الفساد، ووضع عقوبة تحمِّل المدير المسؤول عن كل موقع إداري مسؤولية الإهمال في متابعة مرؤوسيه، في حال ارتكابهم جريمة الرشوة أو القيام بالتستر عليهم وعدم الإبلاغ عنهم.

ويعد تدني مستوى رواتب الموظفين الحكوميين من بين أهم العوامل المؤدية لانتشار ظاهرة الفساد ويعتقد البعض أن احتكار "جماعات المصالح" لمصادر الثروة واقترابهم من السلطة الحاكمة عامل أساسي لانتشار الفساد في مصر.

وفي ديسمبر من عام 2014، أطلقت الحكومة المصرية ما أسمتها الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وهو ما أدى إلى تحسن مركز مصر في رصد منظمة الشفافية الدولية الخاص بمكافحة الفساد من المركز 113 للمركز 84 عالميا.

وصدقت القاهرة في عام 2005 على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الموقعة في عام 2003، والتي تهدف إلى منع الفساد وتجريم بعض التصرفات، وتعزيز إنفاذ القانون والتعاون القضائي الدولي وتبادل المعلومات لتنفيذ الاتفاقية.