كتب - علي الشرقاوي: يعد محمد زويد أحد الفنانين العظام الذين أثروا الساحة الفنية باللحن والغناء، وقبل أن يدخل البيوت والقهاوي الشعبية (المقاهي) ومجالس كبار القوم ، ورحلات الشباب في البر والبحر، دخل قلوب المحبين و المشتاقين والحالمين من الرجال والنساء. ودخل قلوبنا ، نحن الأطفال الذين سمعناه في منتصف الخمسينيات، وهو يصدح بأغنية “كوكو”، أو “يا نواعم يا تفاح”، بالإضافة إلى الأغنية التي رددها كل من عشق الغناء البحريني “جسد ناحل وقلب جريح ، ودموع على الخدود تسيح”. غير أن الأغنية الأشهر التي سمرتنا أمامها هي أغنية “يحسدوني على موتي فوا أسفاً.. حتى على الموت لا أخلو من الحسد”. زويد إن لم يكن حاضراً في جلساتنا أو رحلاتنا الطلابية أو الشبابية في الدواليب (البساتين) إلا أن هناك دائماً من يقوم بترديد أغانيه، سواء كان عازفاً على العود ، أو ضابطاً للإيقاع ، فأغاني محمد زويد كانت المقرر الدائم لكل مرتادي الرحلات الصيفية أو رحلات الشتاء في الصخير . شيء من السيرة ولد محمد بن جاسم بن عبدالله زويد في حالة بو ماهر بالمحرق العام 1900م. تعلّم القرآن الكريم على يد أحد المقرئين ويدعى سيد علي ، لكن الظروف المعيشة في تلك الفترة كانت تجبر الإنسان على ترك ما يحبه ، من أجل الحصول على لقمة العيش ، ولأنه لم تكن هناك أعمال متوفرة غير الغوص ، ترك المطوّع ، لركوب البحر وهو في الخامسة عشر من عمره. ونظراً لولع محمد زويد بالفن الذي يؤديه فنان تلك المرحلة وهو محمد بن فارس، أشهر من غنى فن الصوت على مر العصور، بدأ زويد في العمل عند محمد بن فارس كصبي، يقوم بأداء الاحتياجات اليومية، محاولاً إجادة العزف على العود ، خصوصاً وقد بدأ بحفلات أغاني الأعراس التي أنقذته من الغياب في البحر كأحد بحارة السفينة. وكما ينقل لنا من عايشوا تجربة زويد أنه استفاد من توجيهات محمد بن فارس في العزف على العود كثيراً. الفن ينادي الفنان المنفتح على فضاء الإبداع ، تقوده الرغبة العارمة في الحصول على ما يحلم، ودائماً ما تبدأ الأحداث تفتح له نوافذها وأبوابها ليحقق ما يريد، وهذا ما حدث لفناننا محمد زويد. العام 1929م، كان البداية الحقيقية لتحقيق آماله، حيث انتقل من الغناء للقلة في المجالس، إلى الغناء للكثرة في المقاهي ـ والمجالس البعيدة عن المنطقة التي يسكن. سافر إلى بغداد وسجل أغنية “سلام يا زين” على اسطوانة القار، وسجل معها 12 أغنية أخرى، كانت سبب انتشاره في بغداد وبعض مناطق الخليج العربي. ومن الطبيعي أن تسهم زيارة زويد في إطلاعه على المقامات العراقية والتي كانت حلم المغنيين في تلك الفترة ، وهذا ما جعله يعمل بصورة أكثر جدية ورغبة في العطاء ، فسجّل العام 1936م في بغداد أربعين أغنية دفعة واحدة مما ساهم في وصول صوته إلى آذان وقلوب المستمعين المنتظرين الصوت الذي يتحدث عن وجدانهم؟ زادت من شهرته بين الناس وشجعه ذلك على المضي في طريق الفن كما حصل على فرصة أخرى للتسجيل في الهند. دار البصرة بعد أن انتقل الفنان العظيم محمد بن فارس العام 1947م إلى أرض الخلود، سبقه قبل ذلك الفنان ضاحي بن وليد، بدأ زويد بالتفكير في إنشاء مكان خاص به ، أو دار من خلالها يلتقي بمحبيه ، فاستأجر مكاناً أو بيتاً أطلق عليه “دار البصرة” مما ساعد زويد في إيصال تجربته الفنية إلى الهواة من عشاق الفن البحريني الأصيل، متبعاً طريقة ومنهج أستاذه محمد بن فارس في أداء الأصوات، لكي تظل عامرة بعد وفاة الأستاذ والمعلم الكبير. ومن خلال متابعتنا لفن الصوت الذي يقوم بأدائه الفنانين البحرينيين، نرى الطريقة نفسها في نقل الأصوات من الآباء للأبناء ومن المحترفين إلى الهواة. إذاعة البحرين جاء افتتاح إذاعة البحرين مساهمة قوية، ساعدت فن الصوت إلى القفز بخطوات كبيرة إلى الأمام، لينتشر في فضاء البحرين ومن بعدها فضاء الخليج العربي والعالم العربي. وكانت الطلبات على أغانيه وتكليفه بإحياء حفلات مناسبات في زيادة، بالإضافة إلى حفلات السمر الخاصة والأعراس، ثم المشاركة في الحفلات التي تقيمها فرقة أسرة هواة الفن. ويرى المتابعون لتجربة زويد إن أعوام الستينيات تعتبر قمة الفن والنضج الفني بالنسبة للمطرب محمد زويد حيث انطلق صوته عبر الإذاعات الخليجية التي افتتحت خلال تلك الفترة، وأصبح ينافس المطرب العراقي حضيري بوعزيز والذي كان المطرب العراقي المفضل عند أهل الخليج في تلك الفترة. هذا وقد خصصت الإذاعة لزويد وصلات غنائية طويلة وخصوصاً ظهيرة يوم الجمعة من كل أسبوع من خلال إذاعة البحرين. ومن أهم الحفلات التي أحياها المطرب محمد زويد في الستينيات هي مشاركته في حفل بمناسبة احتفالات دولة الكويت بعد استقلالها العام 1961م، فسجل في الكويت في تلك الفترة عدداً من أغانيه، ومن بينها أغنيته الشهيرة “جسد ناحل وقلب جريح”. وكانت آخر حفلة شارك فيها المطرب محمد زويد هي الحفلة الخاصة بتكريمه، والتي أقامتها وزارة الإعلام العام 1978م وكان الحفل في إستديو 3 بتلفزيون البحرين، وتم بث الحفل كاملاً من خلال شاشة تلفزيون البحرين. تنوع القصائد تميز محمد زويد في مشواره الفني الطويل بتنوع القصائد التي قام باختيارها لغناء الأصوات البحرينية. وقد حافظ من خلال استمراره في غنائها على تراث مهم للأغنية البحرينية والمتمثلة في أصوات وألحان محمد بن فارس، فضلاً عن الأصوات التي غناها محمد زويد، والتي اتضح فيها تميزه واستقلاله في الأداء وطريقة العزف عن أستاذه، لكنّه حافظ في الوقت نفسه على روح تلك الأصوات كما غنى أنواع مختلفة مثل البستة والعاشوري والخماري على آلة العود. حتى انتقل إلى رحمة الله تعالى 5 يونيو 1982م. الأغنيات الشهيرة بلغ مجموع أغانيه أكثر من 300 أغنية، منها: حبيب القلب ومهفهف، سلوا حمرة الخدين، بسم الله، مياس الغرام، حسن زايد يقول، طلعت يا محلى نورها، أتهجرنا، يا ناعس الطرف، الله يا منيتي، بديت بك، يحيى عمر قال، يالبنية، كوكو، الواحدي قال، لحاك الله، طاب وقت الصفا، يا رب سالك بهلاك العهود، أتهجرنا وأنت لنا حبيب.