رب رجلاً لا يحمل من العلم إلا القليل لكنه في إيصاله بليغ وحكيم. عندما كنت في إحدى الدول العربية ذهبت إلى الحلاق بعد أن جاء دوري للحلاقة رأيت حركات يد المُحسّن السريعة وإتقانه لهذه المهنة، حقيقة لم أر شخصاً يُحسّن بهذه الطريقة في حياتي، وهذا ما دفعني أن أسأله هذا السؤال: كم سنة لك في الحلاقة ؟ فرد عليّ :25 سنة، تعجبت من طول هذه الفترة وهو يعمل بنفس المهنة فقلت له، وأنا متردد : ألم تمل هذه المهنة. فقال لي : إذا كنت تعشق عملك فلن تشعر بالملل، فتذكرت المثل الصيني، إذا كنت تحب مهنتك فلن تضطر إلى العمل، لأن عملك سيصبح عبارة عن متعة ! وبدأ بعدها معتز -المُحسّن- بالحديث عن ما مرَّ به وبأصحابه.
من المواقف التي ذكرها، أن أحداً من أصحابه كان ذاهباً مع أخيه إلى مكان ما، وكان صاحبه المسمى عبدالله يجلس دائماً في المقعد الأمامي وأخوه الذي أصغر منه سناً في المقعد الخلفي، وفي يوم من الأيام جلس أخوه الأصغر منه في المقعد الأمامي وهو في الخلف، أي تبادلا أماكن جلوسهما المعتادين عليه، وكانا مسرعين في الطريق بالليل وإذ يصطدمان بشاحنة فتضرب الجزء الأمامي فقط وبقدر الله يموت أخو عبدالله الذي كان يجلس دائماً في الخلف، ويحيى عبدالله، وقد أصيب بجروح ومن معه في الخلف، سبحان الله الذي قال في كتابه : { أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة }.
من المواقف التي ذكرها عن الموت، أن رجلاً غنياً يسكن في منطقتنا وله تجارة كبيرة في إحدى دول الخليج، أراد هذا الرجل أن يبني فندقاً في هذه المنطقة، وخلال فترة البناء كان يذهب الرجل -صاحب المشروع- بين فترة وأخرى يطمئن على البناء وعندما جاء وقت الدهان ذهب كعادته، لكن عندما دخل إلى الفندق بدأ -بالكحة- ولم يتوقف حتى ذهب إلى المستشفى، وظهر عنده سرطان الرئة، وبعد أيام توفي هذا الرجل. الموت قد يأتي فجأة وقد يأتي بشكل بطيء أياً كان، نحاول أن نستعد للموت فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: (أكثروا من ذكر هادم اللذات). قد نظن أحياناً أننا سنعيش لفترة طويلة من الزمن، فأحيانا عندما يقول الطالب في المدرسة أو الجامعة إنه سيتخرج بعد أربع سنوات، ينسى أن الموت قد يأتيه بأي لحظة ويهدم لذاته ويقطع عليه طريقه وقد يكون نعمة له أو نقمة، فكل على حسب عمله الذي كان يقوم به في الدنيا، يقول الإمام علي بن أبي طالب: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً).
محمد عبدالله القصير